غياب حل للقضية الفلسطينية يعمّق الأزمات .. وإيران تواصل التمدد
أفاد محمد الهادي الدايري، وزير خارجية ليبيا الأسبق، بأن “غياب حل للقضية الفلسطينية يعمق وجود أزمات وقلاقل داخلية حادة تهدد أمن واستقرار بعض الدول العربية”، ومن ثم، “فإن كل هذه التحولات الجيو-استراتيجية والأزمات التي تتعرض إليها المنطقة العربية، تستدعي ظهور رؤية محلية خاصة لتتمكن المنطقة من الابتعاد عن سياسات الفعل ورد الفعل، والتحول إلى رؤية استراتيجية بدلا من التكتيك قصير المدى”.
وأوضح الدايري، الذي كان يتحدث في الدورة الـ44 من موسم أصيلة الثقافي الدولي، أن “هذه الرؤية ينبغي أن تفضي إلى الأمن الإقليمي العربي ككل لا يتجزأ، وتنقل المنطقة إلى مصاف تكتل هام في ظل ما يشهده العالم من تحولات سريعة”، ومن هنا “يمثل انضمام دول عربية، السعودية والإمارات ومصر، إلى تجمع بريكس، تحولا هاما في توجهات هذه الدول العربية وإدراكها للتغيير الحاصل في أساليب التعامل على الساحة الدولية”.
وأكد وزير الخارجية في ليبيا سابقا أن “أهمية هذا التوجه العربي تزداد في ضوء توفر دخل قومي لهذه الدول العربية الثلاث مجتمعة يقدر بحوالي ترليوني دولار، وهو دخل يسمح لها بالقيام بدور فعال على الصعيد الاقتصادي”، مسجلا أن “هذا التحول الهام الذي انتهجته هذه الدول، لا يكفي وحده، بل إنه ينبغي أن ينعكس على الصعيد السياسي من خلال تشكيل تحالفات جديدة مع دول الجنوب الناشطة لدعم الموقف العربي المشترك إزاء قضايانا المصيرية”.
ومن بين النقط التي ذكر المتحدث ضمن مداخلته التي ألقاها في ندوة “العرب وأعباء الفراغ الاستراتيجي”، مطلب الرفع “من مستوى الشراكات الاقتصادية والتبادل التجاري بين الدول العربية ذاتها، لأن ذلك من شأنه تثمين المصالح السياسية وتعزيز المشتركات”، مشيرا إلى أن “دعم الاستقرار الاقتصادي لبعض الدول العربية لا يكفي وحده، بل إن المتطلبات التي تفرضها التحولات الدولية لا بد أن تأتي كنتيجة لإرادة سياسية تصبو إلى تحقيق العدالة في توزيع الثروة”.
وإضافة إلى “تحقيق سبل العيش الكريم في هذه الدول”، و”دعم أسس الحوكمة الرشيدة ومحاربة الفساد، واحترام الحريات وفتح المجال أمام الرأي والرأي الآخر، والابتعاد عن المعادلات الصفرية التي أدت في السابق إلى وجود الأزمات الداخلية”، ذكر الدايري أن “تماسك الجبهة الداخلية للدول العربية واستقرارها يفسح لها هامشا أوفر في التحرك على الساحة الدولية ويمنحها مصداقية أكبر لمساعيها الرامية للاضطلاع بدور هام في القضايا الإقليمية والدولية”.
وشدد الديبلوماسي الليبي على أن “الفراغ الناشئ عن غياب تحركات وتوافقات عربية ساهم في تصاعد نفوذ دول إقليمية في الشؤون العربية”، ضاربا المثل بـ”إيران التي صارت تتمدد في الفراغات التي تركها انسحاب الأميركيين وانشغال بعض الدول العربية بمشاكلها، فيما تستفيد تركيا بقدر كبير من الذكاء من حاجة الأوروبيين والروس والأميركيين لها لتتحصل في نهاية المطاف على أكبر قدر ممكن من المكاسب بفتح خطوطها على الجميع”.
واعتبر المتحدث أن “هناك ضرورة لوجود توافق عربي فعال حول القضايا المصيرية، ليؤدي إلى تأثير عربي في الشرق الأوسط الجديد على وجه الخصوص وعلى الساحة الدولية بصورة عامة، وهو أمر لا يمكن إنجاحه إلا بتوفر إرادة سياسية على مستوى قيادات سياسية في الدول العربية”، منبها إلى أنه “لم يعد هناك وجود للدولة المحورية، لدولة عربية بعينها قادرة وحدها على إدخال تغييرات، في الوقت الذي يتطلب الأمر وجود جهد مشترك بين مختلف الدول”.
ولفت إلى أن “الأطراف العربية المنخرطة في الملف الليبي، مثلاً، لم تستطع اتخاذ مواقف مشتركة مثلما فعلت الدول الغربية الخمس الفاعلة في الأزمة الليبية، المتمثلة في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا”، موضحا أن “وجود خلافات عربية في هذا الملف يعتبر أحد عوامل تعقيد الأزمة الليبية، في حين إن الأمر يتطلب توفر توافق عربي يؤدي إلى إيجاد حلول عربية لهذه الأزمات”.