حرب غزة: هل سيتأثر مستقبل نتنياهو السياسي بهجمات حماس؟
بينما يشن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حربا على حماس، يخوض في الوقت ذاته معركة لإنقاذ منصبه وإرثه.
فـ”الملك بيبي” كما يطلق عليه، الذي يعد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول بقاء في الحكم في تاريخ البلاد، والذي طالما تباهى بأنه حقق الأمن والرخاء لإسرائيل، يجد نفسه في موقف حرج للغاية مع توجيه كثيرين انتقادات لاذعة لحكومته لما اعتبروه اخفاقات أمنية واستخبارية في مواجهة هجمات حماس التي وصفها مسؤول إسرائيلي بأنها “11 سبتمبر” بالنسبة لبلاده.
حكومة وحدة وطنية..ولكن
أعلن حزب الليكود بزعامة نتنياهو أن جميع شركاء الحزب في الائتلاف الحاكم وافقوا على توسيع الحكومة لتشمل سياسيين معارضين، وذلك بعد أن دعا نتنياهو إلى تشكيل حكومة وحدة على غرار الحكومة التي شكلها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ليفي أشكول عشية حرب عام 1967 مع مناحيم بيغن.
ورغم أن زعيم المعارضة يائير لابيد وافق على الانضمام إلى حكومة الطوارئ التي دعا إليها نتنياهو لإدارة الحرب، ورغم تأكيده على تنحية جميع الخلافات مع رئيس الوزراء جانبا، إلا أنه لم يتوان عن التشديد على أنه لكي تكون هذه الحكومة فعالة، ينبغي ألا تكون الأطراف الأكثر تشددا وتطرفا في إسرائيل جزءا منها، في إشارة إلى بتسلايل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية وإيتمار بن غفير زعيم حزب عوتسما يهوديت، وهما حزبان يمينيان متطرفان.
غضب متجدد في الداخل الإسرائيلي
ما إن اندلعت الأزمة حتى علت الأصوات التي تحمّل نتنياهو المسؤولية الكاملة عما حدث، ورغم أن الإخفاق استخباراتي وعسكري، لكن كثيرين يرون أن هذا لا يعفي نتنياهو من مسؤوليته الشاملة عن الأزمة، كونه المقرر الأعلى في شؤون خارجية وأمن إسرائيل.
وقد رأى بعضهم أن رئيس الوزراء وبعد فوزه في الانتخابات الأخيرة تبنى سياسة “يمين 100 في المئة” وفقا لصحيفة هآرتس، وهو ما قاد إلى تفجر الأوضاع ومنح الفرصة لحماس لتنفيذ هجومها المباغت، على حد قول الصحيفة.
وأضافت الصحيفة أن نتنياهو المتهم بثلاث قضايا فساد، لا يمكنه الاهتمام بشؤون الدولة، لأن المصالح القومية ستُسخر، بطبيعة الحال، لإنقاذه من الإدانة والسجن.
وقبل الهجمات، كان الشارع الإسرائيلي غاضبا بالفعل بسبب قانون التعديلات القضائية المثير للجدل، الذي يحد من صلاحيات المحكمة العليا في إسقاط قرارات الحكومة وتعييناتها على أساس أنها لا تلبي معايير المعقولية. وقد أدى ذلك إلى حالة استقطاب شديدة ما تسبب في واحدة من أخطر الأزمات المحلية في تاريخ البلاد.
وتعمقت الأزمة بعد أن تعهد الآلاف من جنود الاحتياط، من ضمنهم طيارون في سلاح الجو – المهم جداً لقدرات إسرائيل الهجومية والدفاعية – بعدم التطوع في الخدمة العسكرية، ما أثار المخاوف من التأثير المحتمل على استعدادات إسرائيل العسكرية.
انتقادات من اليمين واليسار
اللافت هو انهيال الانتقادات على رئيس الوزراء الإسرائيلي من مختلف التيارات السياسية في البلاد.
فقد نسبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أميت سيغال، المعلق السياسي الإسرائيلي الذي وصفته بأنه أحد الصحفيين المقربين من نتنياهو قوله إن رئيس الوزراء “لا يمكنه الفرار من إخفاقه الممنهج وسياسة التسامح مع حماس من أجل تحقيق الاستقرار في غزة”.
وعبر ستيوارت وايس في مقال في صحيفة جيروسليم بوست عن وجهة نظر مشابهة، حيث كتب أن صفقة مبادلة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بأكثر من 1000 سجين فلسطيني هي التي “غرست بذور الكارثة الحالية…في تلك اللحظة، أدركت حماس أن أخذ رهائن يهود هو الطريقة الأضمن لانتزاع تنازلات من إسرائيل ومواصلة أساليبهم الدموية”.
أما شلومو بن عامي، وهو سياسي ومؤرخ إسرائيلي ووزير الأمن الداخلي السابق في حكومة إيهود باراك، فكتب في صحيفة لوس أنجليس تايمز أنه “باستبعاد أي حل سياسي في فلسطين والتأكيد..على أن للشعب اليهودي الحق الحصري في كامل أرض إسرائيل، فإن حكومة نتنياهو المتعصبة جعلت سفك الدماء نتيجة حتمية”.
وبينما أقر بأنه كانت الدماء تراق أيضا في عهد شخصيات تنشد السلام مثل إسحق رابين وإيهود باراك، إلا أنه أوضح أن “استهتار نتنياهو المتمثل في تقديم أي ثمن لشركائه في الائتلاف مقابل دعمهم أدى إلى العنف…وفي الوقت ذاته، همش السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالا برئاسة محمود عباس في الضفة الغربية، معززا بذلك قوة حماس المتطرفة في غزة”.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في مقابلة مع القناة الرابعة بالتلفزيون البريطاني إن هجمات حماس كانت “نتيجة لغطرسة الحكومة الحالية”. وأضاف أن ” رئيس الوزراء في نهاية المطاف مسؤول عن أي شيء يحدث وأي شيء لا يحدث، وهو [نتنياهو] مسؤول على وجه الخصوص لأنه ضم إلى حكومته شركاء شوفينيين متعصبين وحشيين، وجعلهم مسؤولين عن الأمن الوطني”.
هل تحدد نتيجة الحرب مستقبل نتنياهو؟
وزير الدفاع الليكودي السابق موشيه يعلون كتب في منشور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن نتنياهو يجب أن يدفع ثمن فشله وطالبه بالاستقالة.
لكن غالبية المحللين يرون أن نتنياهو سيظل في منصبه لبعض الوقت، على الأقل إلى الانتهاء من الحرب التي أعلنتها إسرائيل على حماس، والتي شبهها البعض بحرب عام 1973، التي كانت أيضا مباغتة لإسرائيل.
في أعقاب تلك الحرب، أُلقي باللوم على القيادة الإسرائيلية، ولا سيما رئيسة الوزراء آنذاك غولدا مائير ووزير دفاعها موشيه دايان، لرفضهما في الأعوام السابقة أي مساع دبلوماسية كانت تهدف إلى تحقيق السلام مع مصر. ويرى البعض أن نتنياهو فعل الشيء ذاته بتجاهله جهود الوساطة المصرية لإبرام هدنة طويلة الأجل بين إسرائيل وحركتي حماس والجهاد.
يقول سيغال: “أظن أنه كما كان الحال في حرب 1973، عند انتهاء الحرب الحالية، لن تبقى شخصية واحدة سياسية أو عسكرية في موقعها الذي كانت فيه في السادس من أكتوبر( أي قبل هجمات حماس). علّمنا التاريخ أن الحروب الفاشلة تؤدي إلى تغيير الحكومة”.
ويرى محللون أن الطريقة التي ستنتهي بها الحرب الحالية ستحدد مدى الضرر الذي سيلحق بحكومة نتنياهو ومستقبله السياسي، في حين أن آخرين، مثل الكاتب في صحيفة وولستريت جورنال، ويليام أيه غلاستون، يعتقدون أن “هجمات حماس تمثل بداية النهاية بالنسبة لبنيامين نتنياهو”.
ويبدو أنه بغض النظرعن الطريقة التي سينهي بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأزمة الحالية، فإن مما لا شك فيه أن تأثيرها على مستقبله السياسي لن يكون جيدا.
يضيف سيغال: “لا أعرف التوقيت بالضبط، ولكن سيكون من الصعب عليه للغاية الاستمرار في الحياة السياسية”.