جدل “فرنسة العلوم” و”تهميش العربية” يعيد نقاش لغات التدريس إلى الواجهة
يعود نقاش لغات التدريس إلى الواجهة مع بداية الموسم الدراسي الجديد، إذ انتقد فاعلون مدنيون مدافعون عن اللغة العربية تهميش الأخيرة على مستوى المدارس العمومية، خاصة بعد فرض اللغة الفرنسية في مستويات الباكالوريا.
فاعلون تربويون أكدوا وجود مؤشرات سلبية تهم مستوى التلاميذ في اللغة الفرنسية وضعف مواكبتهم للتعلمات بسبب ذلك، وطالبوا باعتماد التدرج وكذا تكوين الموارد البشرية وأطر التدريس من أجل إصلاح المنظومة التعليمية وإنجاح ورش التنوع اللغوي.
نور الدين عكوري، رئيس فدرالية آباء وأولياء التلاميذ، قال إن ضعف مستوى التلاميذ في اللغة الفرنسية لم يساعد على إنجاح تجربة “فرنسة العلوم”.
وأوضح عكوري أن الوزارة الوصية تركز على تعميم تدريس العلوم باللغة الفرنسية باعتبار أن الدراسة في المستويات الجامعية بهذه اللغة، لذلك تسعى لجعل التلاميذ يسايرون هذا التوجه، إلا أن الضعف في صفوف التلاميذ، بالإضافة إلى ضعف تكوين الموارد البشرية لتنزيل هذا التوجه، عائق يقف أمام إنجاح هذا الموضوع.
وأضاف رئيس فدرالية آباء وأولياء التلاميذ أن الأساتذة يشرحون مضطرين باللغة العربية، مشددا على أن نسبة كبيرة من التلاميذ ترفض الفرنسية.
من جهته، أشار خالد الصمدي، كاتب الدولة في التعليم العالي سابقا، إلى أن الهندسة اللغوية المطبقة في مؤسسات التعليمية غير مؤطرة بمرجعية قانونية، ويمكن الوقوف على تهميش اللغة العربية كلغة مدرسة ولغة تدريس خلافا لما تدعو إليه المقتضيات القانونية المؤطرة للإصلاح، خاصة بعد فرض تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية الذي لم يعد خيارا بل أصبح بعد مذكرات التعميم التي تصدرها الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إجبارا.
وبموجب هذا التعميم بالتعليم الثانوي بسلكيه أصبح ثلثا ساعات التدريس باللغة الفرنسية مقابل ثلاث مواد بحصص ضعيفة تدرس باللغة العربية (هي العربية والتربية الإسلامية والاجتماعيات)، كما أن التوجيه المدرسي الإجباري إلى خيار الفرنسية رغم الضعف الشديد للتلاميذ في اللغة الفرنسية مخالفة صريحة لمقتضيات القانون الإطار، وضد مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص التي جاء بها.
وقال الصمدي إن تعريف التناوب اللغوي الوارد في القانون الإطار يتحدث بوضوح عن تنويع لغات تدريس المواد العلمية والتقنية، ولم يعتمد مبدأ الأحادية اللغوية في تدريس هذه المواد، بل دعا إلى تدريسها بلغة أو لغات أجنبية إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة، ولم يتحدث القانون عن لغة منفردة للتدريس بها إلا اللغة العربية التي اعتبرها لغة أساسية للتدريس، مما يعني أن اللغات الأخرى لغات انفتاح لا تغني عن لغة التدريس الأساسية، كما أن القانون يتحدث عن لغة أو لغات أجنبية ولم يتحدث عن اللغة الفرنسية إطلاقا.
وأوضح المسؤول الحكومي السابق أن الوزارة في مذكراتها تسمي مسالك الباكالوريا الفرنسية خيارا وليس إجبارا، موضحا أن الواقع عكس ذلك حينما حذف الخيار الوطني رغم مطالبة العديد من جمعيات الآباء بالإبقاء عليه وتوفيره لأبنائهم، وهو الخيار الذي يتم فيه تدريس هذه المواد باللغة العربية مع التمكن من اللغات الأجنبية.
وأوضح الصمدي أن القانون الإطار نص على كيفية تنزيل الهندسة اللغوية برمتها وكيفية تطبيقها، وأن ذلك يتم بموجب مرسوم تطبيقي لم يصدر إلى حد الساعة، ويكون تنزيل الهندسة اللغوية بالتدريج (ست سنوات من دخول القانون الإطار حيز التنفيذ شتنبر 2019-شتنبر 2025 وتخصص هذه السنوات لإتقان اللغات المدرس بها)، ولذلك كان تعميم خيار الفرنسية كلغة تدريس مخالفة صريحة للقانون الإطار، ويحق للآباء أن يعارضوا توجيه أبنائهم إليه ويطالبوا في المقابل بتوفير الخيار العادي الوطني في المؤسسات التعليمية.
رأي المجلس الأعلى
لم يعد هذا التقييم وجهة نظرا معينة لفاعلين مدافعين عن اللغة العربية، يقول الصمدي، بل أكده المجلس الأعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي في رأيه الصادر في يوليوز الماضي بوضوح وبشكل رسمي، إذ أشار إلى أن الهندسة اللغوية المعمول بها في المنظومة التربوية مخالفة لمقتضيات القانون الإطار، ودعا الحكومة في المقابل إلى “اتخاذ إجراءات هيكلية عامة وتفصيلية لإعمال هندسة لغوية منسجمة مع الوثائق الرسمية.”
كما دعا الحكومة إلى “إعمال الهندسة اللغوية ضمن منظور شمولي متدرج يضع حدا للوضعية التي تعرفها المنظومة التربوية حاليا على مستوى تدريس اللغات ولغات التدريس”، و”إعادة بناء مرسوم الهندسة اللغوية في تقيد تام بمقتضيات القانون الإطار ووفق رزنامة زمنية محددة، وبناء على الدلائل المرجعية للبرامج والمناهج التي أوكل القانون وضعها إلى اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة البرامج والمناهج”.
وكان المجلس نفسه قد أكد في رأي سابق صادر في 9 غشت 2021 على مكانة اللغة العربية باعتبارها اللغة الأساس والأولى للتدريس كما جاء في القانون الإطار، يتعين تعزيزها وتنمية استعمالها في مختلف مجالات العلم والمعرفة والثقافة والحياة وتقوية وضعيتها وتنميتها، ويعتبر أن اللغات الأجنبية هي لغات انفتاح على ثقافات العالم وعلى حضارة العصر والاندماج في المجتمع يتعين تنمية تدريسها وتعزيز إدماج تعليمها في كل مستويات التعليم والتكوين، خاصة في تدريس المواد العلمية والتقنية.
من جهة أخرى، دعا المجلس إلى التقيد بالآجال المنصوص عليها في القانون الإطار في تنزيل الهندسة اللغوية المحددة في ست سنوات، التي نص على تخصيصها لتمكين التلاميذ من اللغات وتأهيل الأطر التربوية حتى تتمكن من الانخراط بدورها في تنزيل مقتضيات هذه الهندسة.