خمسون سنة على المجلة التي أشعلت ثورة نسوية
تخلّت صحيفة نيويورك تايمز عام 1986 عن استخدام الحالة الاجتماعية، مثل آنسة وسيدة، لمخاطبة النساء والحديث عنهن. يومها، زارت ناشطات نسويات رئيس التحرير آبي روزنتال، وقدّمن له الورود لشكره على خطوة طالبن بها لعشرات السنين.
شكر روزنتال زائراته قائلاً لهن: “لو كنت أعلم أن الأمر مهمّ بالنسبة لكن، لكنت فعلت ذلك باكراً”.
أزعج الرد غلوريا ستاينم، الصحافية والناشطة النسوية التي أطلقت مع أخريات عام 1972 مجلة Ms. (تلفظ Mizz)، وهي أول دورية في الولايات المتحدة، تخصص لقضايا النساء ونضالاتهن، تمنكت من نقل الخطاب النسوي إلى النقاش العام في البلاد.
وقبل نيويورك تايمز بسنوات، جاء اختيار عبارة Ms. كاسم للمجلة، في سياق اهتمامها بنقاش الإصلاح اللغوي الذي يسعى إلى إنهاء التمييز الجنسي الذي تنطوي عليه اللغة الإنجليزية.
هكذا، تبنين لقباً محايداً بديلاً لقبي “آنسة” Miss و”سيّدة”Mrs المخصصين لمخاطبة النساء وفقاً لحالتهن الاجتماعية، من دون تحديد العازبة أو المتزوجة، تماما ًكما تستخدم عبارة Mr للإشارة إلى الرجل بغض النظر عن حالته الاجتماعية.
مجلة بديلة
قبل أيام صدر كتاب بمناسبة اليوبيل الذهبي للمجلة بعنوان “50 عاماً من MS.: أفضل ما جاء في المجلة الاستكشافية التي أشعلت الثورة”.
يجمع الكتاب مقالات صدرت في المجلة التي أرادت “معالجة هموم المرأة المعاصرة وتوفير تغطية للأخبار الوطنية والدولية التي تهم المرأة”.
في تلك المرحلة، كانت المجلات النسائية الأمريكية تقدّم لقارئاتها وصفات تحضير الطعام والنصائح المنزلي، وأرادت النسويات الرائدات غلوريا ستاينم وباتريشيا كاربين وغيرهما إصدار مجلة نسائية من نوع آخر.
أفردت المجلة صفحاتها منذ البداية لتاريخ المرأة وللقصص والشعر الذي تكتبه النساء. وعُرفت المجلة برفضها نشر الإعلانات التي تتضمن صوراً نمطية للنساء أو تعتبر مهينة لهن.
ومنذ أعدادها الأولى، أظهرت المجلة التي بدأت تصدر شهرياً ثم تحولت إلى فصلية، اختلافها عن المجلات النسائية التي كانت سائدة آنذاك.
وقد تضمن العدد الأول قائمة ضمّت 50 امرأة مشهورة يعترفن فيها بإجرائهن عمليات إجهاض. استلهمت المجلة هذه الخطوة من بيان 343 الفرنسي والذي أعلنت فيه 343 امرأة فرنسية الإجهاض بإرادتهن، الأمر لم يكن قانونياً في فرنسا في ذلك الحين.
وجاءت عريضة المجلة الأمريكية قبل إصدار المحكمة العليا القرار المؤيد للإجهاض في قضية “رو ضد ويد” عام 1973.
لعبت المجلة دوراً مهماً في توسيع قاعدة الحركة النسائية خلال سبعينيات القرن العشرين.
وعالجت صحافتها الاستقصائية العديد من القصص الإشكالية مثل الإتجار بالجنس، وفجوة الأجور بين الجنسين، والاغتصاب في المواعيد الغرامية، والعنف الأسري، إضافة إلى تحقيقات عن المصانع المستغلّة للعمال وثقافة “السقف الزجاجي” (منع النساء والفئات المهمشة من الترقي الوظيفي).
كما استضافت صفحات المجلة العديد من الكاتبات والناشطات النسويات مثل أنجيلا ديفيس، وسوزان برودي، وباربرا، إهرينريتش وغيرهن.
كتاب جديد عن المجلة “التي أشعلت الثورة”
الكتاب الجديد الصادر عن دار كنوبف للنشر، بمناسبة اليوبيل الذهبي للمجلة، من إعداد المحررة التنفيذية الحالية للمجلة كاثرين سبيلار بمساعدة محررات أخريات وبتقديم من غلوريا ستاينم.
ويضم الكتاب نصوصاً ومقالات لأسماء بارزة مثل توني موريسون، وبيلي جين كينغ، وأليسون بيكديل، وبريتني كوبر، وأودري لورد، وأليس ووكر و بربارة إرينريك.
ويخصَّص كل فصل من فصول الكتاب لعقد واحد من حياة المجلة، مع مقالات تمهيدية قصيرة تضع تحديات الدورية وإنجازاتها في سياقها التاريخي.
ففي حقبة تأسيسها (سبعينيات القرن العشرين)، كتبت المجلة عن المعايير المزدوجة بين الجنسين في ما يتعلق بالعناية الشخصية وإزالة شعر الجسم، ومراقبة النشطاء المحليين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، وترشح تشيرلي تشيشولم للرئاسة، من بين قضايا أخرى. وتشيشولم سياسية أمريكية في الحزب الديموقراطي كانت أول امرأة سوداء تنتخب لعضوية الكونغرس الأمريكي.
وفي ثمانينيات القرن العشرين، تناولت Ms. مواضيع مثل “الطلاق من دون خطأ” والاغتصاب في المواعيد الغرامية، إضافة إلى تطرقها إلى كراهية النساء وموقع النسوية في موسيقى الراب وصعود مقدمي “راديو الكراهية” مثل راش ليمبو وهوارد ستيرن في التسعينيات.
كذلك، اهتمت المجلة بالنسوية التقاطعية وعسكرة الثقافة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمر/ أيلول 2001 وزواج المثليين وحركة “حياة السود مهمة”، وصولاً إلى حالة الطوارئ المتعلقة بالرعاية خلال جائحة كورونا وإلغاء قرار “رو ضد ويد” الذي يتيح الإجهاض.
ورغم الاحتفاء بالكتاب كوثيقة تاريخية تلخص عقوداً من الكتابات النسوية المجدّدة، لكن الكتاب يتجاهل النضالات الراهنة.
وفي مراجعة للكتاب نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز”، رأت الكاتبة آنا هولمز أنه “من المثير للصدمة أن المقدمة التي كتبتها المحررة كاثرين سبيلار والناشرة إليانور سميل، لا تشير إلا عرضاً للخطاب المعاصر الحيوي والقوي والمتنوع والتغييري على الإنترنت حول السياسة الجنسانية وما ألهمته بين الأجيال الشابة من النساء”.
وتقول هولمز إن الكتاب لا يذكر شيئاً عن حملة “أنا أيضاً” المناهضة للتحرش، كما لا يشير إلى “تأثير أي موقع إلكتروني أو مدونة أخرى” في مجال نضال النساء.
وكأن المقال يحيل بذلك على الاختلافات بين الموجة الثانية للحركة النسوية والتي كانت خلف تأسيس مجبة MS. ، وغلبت على خطابها التحريري، وبين الموجات النسوية اللاحقة وصولاً إلى اليوم.
مجلة من دون إعلانات
منذ صدورها، واجهت مجلة MS. من صعوبات مالية وكان السبب الرئيسي في ذلك سياستها الإعلانية.
وفي أوائل الثمانينيات هدد الانكماش الاقتصادي وفقدان الموظفين الرئيسيين استمرار المجلة، قبل أن يتم بيعها في نهاية ذلك العقد.
وتقول غلوريا ستاينم عن تلك الحقبة: “في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، عندما كانت المجلة لا تزال تكافح من أجل البقاء، تم شراؤها من قبل اثنين من الناشرين التجاريين الذين لم يفهما روحها”.
لذلك، توقفت المجلة عن الصدورة لسبعة أشهر عام 1990.
ثم أصبحت في التسعينيات تابعة لمؤسسة “الأغلبية النسوية”، وهي منظمة غير ربحية وجزء من الحركة النسوية.
فأعيد إطلاقها في عام 1991 كمجلة نصف شهرية خالية من الإعلانات.
وتوضح ستاينم في مقالٍ حديث لها في موقع “ليت هاب” السياسات الإعلانية للمجلة منذ البداية، وتقول: “كنا نعارض ممارسة المجلات النسائية في التحرير التي تشيد بالمعلنين، والمعروفة باسم النسخة التكميلية أي توزيع الصحف والمجلات مع أغلفة تركز على الجمال والمشاهير”.
وتضيف: “إلى جانب إملاء المحتوى التحريري في المجلات النسائية، كان هناك اعتقاد عميق في صناعة الإعلان بأنه يجب فصل المجلات على أساس العرق، ومع ذلك كنا مجلة متنوعة. كان هذا جزءاً كبيراً مما جعلنا نصبح في النهاية مؤسسة خالية من الإعلانات، مدعومة بالاشتراكات والمساهمات فقط. ففي النهاية، نحن نشتري الكتب من دون إعلانات، فلماذا لا نفعل ذلك أيضاً مع المجلات؟”.