تنظيم مونديال 2030 بالمغرب يصدم حكام الجزائر .. صمت رسمي وإعلامي
“استعداء واضح” لكل ما يتصل بأفراح وابتهاجات المغاربة لا يمكن أن تخطئه عيون الفاعلين المتابعين للعلاقات المغربية الجزائرية المتشجنة منذ عقود، لعل آخر فصوله جسَّدَتها محطة الحدث الأبرز هذا الأسبوع بإعلان استضافة المغرب مونديال 2030 بملف مشترك مع الإسبان والبرتغاليين.
وبينما سارع معظم “الجيران المغاربيين” إلى تهنئة الرباط، معلنين عن تلقّيهم بـ”ارتياح كبير نبأ اعتماد مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم، بالإجماع، لملف المغرب- إسبانيا- البرتغال كترشيح وحيد لتنظيم كأس العالم 2030 لكرة القدم”، ظلّت الجزائر في “حالة شرود وغيبوبة عن المشهد”، بل جيّشَت- كالعادة- إعلامها في محاولة لـ”النيل والتقليل من رمزية الحدث ومكانة المملكة”.
وحاولت عدد من وسائل الإعلام الجزائرية، التابعة لنظام العسكر الحاكم، “تجهيل أو تجاهل” ذكر اسم المغرب أو إيراده في عناوين النشرات الإخبارية “بشكل محتشم”؛ مُعيدة إلى الأذهان “سيناريو إنجازات المنتخب المغربي في مونديال 2022” بقطر، حينما تبدّت “عُقدة العداء والحقد”، التي يتخذها النظام العسكري في الجزائر عقيدة في تعامله مع المملكة، منذ أولى مباريات دور المجموعات، من خلال منع بث أخبار فوز المنتخب المغربي على شاشة التلفزيون الوطني الجزائري خلال نشرات الأخبار.
وتبذل الجزائر، عبر وكالة الأنباء ووسائل الإعلام الرسميين، جهودا غير فاترة لـ”إطفاء” نور المغرب وإشعاعه وصداه البالغ للآفاق العالمية، إلا أنها تلقت قبل أسبوع فقط من نبأ تنظيم كأس العالم خبراً لا يقلّ قيمة، تمثَّل في اختيار ملف المغرب رسمياً لاستضافة كأس الأمم للإفريقية لكرة القدم؛ فيما كان خبر تنظيم مونديال 2030 بمثابة “الضربة القاضية”.
بعد قرار “الفيفا”، تدفق سيل التهنئات والبرقيات والبيانات باتجاه المغرب من عواصم عربية ودول غربية مجاورة؛ كان أبرزها تغريدتا وزير الخارجية الإسباني ورئيس الوزراء البرتغالي (شريكيْ المغرب في التنظيم)، فضلا عن بيانات رسمية موريتانية وإماراتية وقطرية.
“عقيدة متجذرة تحرّم تهنئة الجيران”
خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، سجل أنه “ليْس هناك فقط عدم تقديم أي شكل من أشكال الدعم أو التهنئة للمغرب، باعتبارهما دولتين جارتين حدوديتين؛ بل أكثر من ذلك هناك نوع من الاستهجان للدفع باتجاه عدم الاهتمام الشعبي أو الرسمي بالحادث باعتباره “حدثاً تافها” كما يراد له التسويق جزائرياً”.
وتأسف شيات، في تصريح لهسبريس، لاستمرار “صورة تحكُم النظام السياسي الجزائري مفادها أن المغرب لا يجب أن يكون في حالة جيدة”، معتبرا ذلك “تناقضًا سيؤدي إلى تبعاتٍ على المستوى السياسي بالنسبة لنظام يسوّق تلك الصورة، التي يرددها بعض الشباب الجزائري بحماس ممزوج بكثير من الغباء (تصوّر المغرب على أساس أنه دولة فاشلة اقتصاديا وعلى حافة الانهيار ولا يتوفر على بنية تحية)”. وزاد بأن ذلك كله “عناصر يفنّدها اختيار ملف المغرب لتنظيم أغلى تظاهرتين كرويتين قارياً وعالميا”.
وتابع الخبير في العلاقات المغربية- الجزائرية قائلا: “ما تروجه الجزائر عن المغرب لا يستقيم مع ما يحظى به من ثقة دولية لا تحتاج دليلاً في كل المحطات الاقتصادية والسياسية والرياضية (اجتماعات مراكش…)”، مضيفا “لا تفسير للأمر سوى أنه جزء من عقيدة عدائية متجذرة تجعل حتى التهاني البروتوكولية محظورة ومحرّمة”.
وانتقد شيات “تناقض الجارة الشرقية للمغرب بين الخطاب والواقع”، موردا أنه “لا يمكن لأي أحد، مسؤولا كان أو جهة إعلامية أو حتى إعلامي، أن يهنئ المغرب ويخوض في السياسة” لأنه “الخط الأحمر الذي لا يجب أن يُذكَر بخير”.
انتصارات الرياضة والصحراء
من جانبه، قال محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية، إن “المغرب صار حقاً، بقرار “الفيفا” تنظيم المونديال، قوة إقليمية ذات تأثير على محيطيها القاري والدولي”، مشيرا إلى أن “الملف الثلاثي المشترك دليل شاهد بقوة على فِعلية الدبلوماسية الرياضية بين القارات والثقافات، وهو ما لم تَسْتسِغْه الجزائر”.
وأضاف عطيف، في حديث مع هسبريس، أن “الجارة الشرقية طالما نظرَت إلى المغرب نظرة احتقار وازدراء، وتصوّره كدولة غير متقدمة في العديد من المجالات”، مسجلا أن “خرجات إعلامية جزائرية متوالية تُثبت بأنها دولة معادية للمملكة، التي تعتمد منذ سنوات دبلوماسية الفعل مقابل الكلام الكاذب”.
“انتصارات ملف الصحراء، التي أشعلت سُعار العسكر بالجزائر مؤخرا، توازيها انتصارات رياضية تزيد من كمية الحقد والعداء التاريخي”، يورد المتحدث ذاته، لافتا إلى أن “حكّام الجزائر لا يزالون حبيسِي الستينيات وسيكولوجية متوارثة بائدة”.
“هزيمة مُذلة” وإخفاق بروباغندا العساكر
خيط الانتصارات التقطه سريعاً وليد كبير، الإعلامي الجزائري المعارض والمقيم بالمغرب، مشيرا إلى أنه “في منظور النظام الحاكم في الجزائر فإن منح المغرب شرَف تنظيم موندياليْ العالم وإفريقيا ليس مجرد ضربة قاضية له، بل هزيمة مُذلّة”.
واعتبر الناشط الجزائري، في إفادات قدمّها لهسبريس، أن “المغرب بالنسبة إلى عسكر المرادية عدو يأخذ من حظ ونصيب الجزائر، وهي كلها مغالطات”، مضيفا أن “هذه النقطة شكلت فعلا مؤشر إخفاق جزائري نظيرَ حكم أضاع الكثير على الجزائريين”.
وبقدر ما عبّر كبير عن فرحته الكبيرة وسعادته العارمة بهذا الإنجاز التاريخي بقدر ما أحسّ بـ”مرارة تجاه واقع شمال إفريقيا وانقساماته”، متمنياً أنه “لو كان بالإمكان أن يكون ملف التنظيم مشتركا بين البلدين الجارين مع بلدين جارين في ضفة المتوسط الشمالية، إلا أن النظام العسكري الجزائري لم ينصِت إلى النداءات الملكية المتكررة منذ نونبر 2018 في خطاب ذكرى المسيرة”.
ومقابل “فئات شعبية اعتبرت قرار “الفيفا” تحصيل حاصل لجهود المغرب التنموية ورمزية مكانته العالمية”، يؤكد كبير أن “الفئات الواسعة التي تدافع عن أطروحة النظام الجزائري أصيبَت بصدمة وفوجئت بزيف ادعاءات الإعلام الموالي للعسكر، الذي يسوق بأن البلد الذي كسِب ثقة العالم بمنحه تنظيم مونديال 2030 غارق في المشاكل”. وختم قائلا إن “مونديال 2030 ضرَب البروباغندا الإعلامية الجزائرية في مقتل تاركاً الشعب الجزائري في ذهول تام”.