أخبار العالم

أكاديمية المملكة تكشف تحقيق شحلان لـ”الموازنة بين اللغة العبرانية والعربية”


تقديم لأحدث أعمال الأكاديمي المغربي البارز أحمد شحلان تم بأكاديمية المملكة، التي نشرت مطبوعاتُها تحقيقَ ونقل شحلان من العبرية إلى العربية كتاب “الموازنة بين اللغة العبرانية والعربية” لمؤلفه الذي عاش في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، أبي إبراهيم إسحاق بن برون السرقسطي.

اللقاء التقديمي الذي افتتح بمقر الأكاديمية بالرباط، مساء الجمعة، بقراءة الفاتحة على ضحايا “زلزال الحوز”، ناقش هذا الكتابَ الذي خطّه أبو إبراهيم إسحاق باللغة العربية مكتوبة بالحرف العبري، و”تناول فيه جانبين: جانب النحو، وجانب المعجم (…)، ونهج فيه المقارنة بين اللغة العبرانية والعربية والآرامية بالدرجة الأولى، وأتى فيه بكثير من الشعر العربي القديم والأحاديث والقرآن والأمثال، مع معرفة عميقة باللغة العربية”.

وقال شحلان، الأستاذ الفخري بجامعة محمد الخامس، إن قصة التحقيق تعود إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي، خلال تدريسه النصوص العبرية بكلية الآداب، ولم يتمّه إلا في زمن “كورونا” في إطار مشروع يسعى فيه إلى تأكيد فرضية أن اللغة العربية أقدم اللغاتِ العُربانية (المسمّاةِ سامية)، وأن “البقية من آرامية وسريانية وعبرية دوارج لها” عكس “ما تخيله شلوتزر النمساوي حين صنف اللغات بناء على تفسير متأثر بالتوراة، ووضع العربية في غير مكانها”.

وذكر شحلان أن اليهود تاريخيا اهتموا بالتراث العربي الإسلامي، ولم يهتموا بتراث البابليين واليونانيين والرومان والمسيحيين لأن الحضارة الأولى وثنية والأخرى ثلاثية الأقانيم، و”لما جاء الإسلام وجد علماؤهم لأول مرة المكان الملائم لإظهار ثقافتهم، أما الأمم الأخرى فلم تفتح لهم المجال، وعزلتهم عن فكرها وثقافتها. هكذا ظهرت هذه الكتب التي تأثرت بالثقافة العربية الإسلامية”.

وكما ارتبطت علوم اللغة بالنص القرآني في الإسلام، ارتبطت الدراسات النحوية واللغوية بالعهد القديم في اليهودية، وفق المحقق، الذي عدد الدراسات العبرية التي استفادت من اللغة العربية، والمدرسة النحوية العبرية التي ظهرت في الغرب الإسلامي، ودورها المحوري في تقعيدِ هذه اللغة وضبط نُطقها ومعاجمها العبرية العربية التي كانت أولى المعاجم المقارِنة في العُربانيات.

عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، قال إن أكاديمية المملكة نشرت هذا “الكتاب القيم، الذي تغتني به المكتبة المغربية والعربية، ويظهر مدى تأثير النحو العربي في نشأة النحو العبري”، في إطار سياسة “نشر الأعمال العلمية المتميزة باسم الأكاديمية”. وأضاف “تضع أكاديمية المملكة بين أولوياتها الاهتمام بالبحث العلمي وتطويره، وتحرص على تشجيع الإبداع الثقافي بمختلف أشكاله، والمغربي على الخصوص، والعمل على التعريف به وتثمينه (…) وتشجيع الباحثين على تداول المعرفة”.

وتابع قائلا: “بحوث الأستاذ أحمد شحلان شاهدة على مسار علمي غني، فهو متعدد الآفاق، مؤرخ، لغوي، مترجم، وهو الباحث المتمكن من علم مقارنة الأديان، وأستاذ مبرّز في اللغة العبرية والدراسات الشرقية بصفة عامة، ومن الباحثين الملمين بالتراث اليهودي المغربي”.

عمل “الموازنة بين اللغة العبرانية والعربية”، وفق أمين سر أكاديمية المملكة، “يتخذ من الموازنة مدار تحليل، يعرف بالتراث العربي كما اهتمت به الكتابات اليهودية ودونته بالخط العبري”، وهو “كتاب يعمق النظر في قضايا لغوية، تأخذ بعين الاعتبار الأعمال الصرفية والنحوية والمعجمية، في العصور الوسطى، وتأثر اللغة العبرية بالثقافة العربية الإسلامية”، علما أن “العلاقة بين هاتين اللغتين، كما تظهر الدراسات، قائمة على خاصية الاشتراك في أصل واحد، يدعوه فقهاء اللغة الأصل السامي.”

عبد الرحيم حيمد، المتخصص في الدراسات العبرانية والثقافة العبرانية القديمة، قال إن الاحتفاء بإصدار هذا المصنَّف هو احتفاء “بالمدرسة المغربية في الدراسات العبرية والشرقية، في شخص مؤسسها أحمد شحلان (…) العالم (…) ذي المبادئ الفضلى والغايات السامية، الذي منح الأولوية كلها للعلم والمعرفة (…) وخدمة الثقافة العربية الإسلامية في أبعادها الإنسانية والكونية”.

وأضاف “هذا مصَنَّفٌ استثنائي بمعنى الكلمة، استغرق إخراجه في حلته الرائقة سنوات، يدركها أهل الاختصاص وأهل التحقيق”، وهو “كتاب يضم أزيد من أربعمائة صفحة”، وعضد فيه شحلان عملية التحقيق “بفهارس تستحق التنويه، بها ثبت للقرآن الكريم، والعهد القديم، والأشعار، والأعلام، والمصنفات، وتلك المصادر التي سكت عن ذكرها المؤلف”.

ويرى حيمد في هذا العمل “استمرارا لأعمال في حقل الدراسات اللغوية لأحمد شحلان، من تأليف وإشراف على تأطير أطاريح تقارب هذه الفورة اللغوية”، وهو “تحقيق يخلِّصُ من أخطاء فادحة لباحثين تناولوا أعمال بن برون”، ويظهر أن “العربية مفتاح أساسي لفهم التوراة، وبناء نَحْوِ العبرانية”.

وأبرز المتدخل أهمية قلبِ الحرف هذا بالنسبة للعمل الجاري لإعداد “المعجم التاريخي للغة العربية” لأنه “لا يزال بحاجة ماسة إلى شق المقارنة، لا مجرد التجميع”. وزاد: “هذا التحقيق ثمرة لهذا الوعي النقدي، بضرورة سد هذا الفراغ المهول للدراسات العربية المعاصرة”.

الأكاديمي مولاي المامون المريني قال، من جهته، إن نجاح اليهود المستعربين في الأندلس وغيرها كان باستعارة مناهج المسلمين في شتى الميادين، وعلى رأسها مناهج دراسات اللغات، وقدم أمثلة بيهوذا بن قريش، ومروان بن جناح القرطبي، وموسى بن عزرا.

وييسر هذا العمل، وفق المريني، “لقارئ متخصص ومحايد، يبذل المجهود طبعا، بلوغ مقاصد عمل مكتوب بالعربية وبالحرف العبري، يخوض في مجال تقعيد اللغة العبرية”، وأبان فيه شحلان “عن دربة وحرفية علينا أن نشتغل على هداها، وهي أصدق برهان على نضج المدرسة المغربية في الدراسات السامية”.

الأكاديمي الذي قلَب حرف “كتاب اللمع” في النحو العبري، ختم مداخلته بالقول: “الأندلس لم تسقط، هي موجودة فينا. المغرب أندلسي، هذا تراثنا (…) وهذا الكتاب يساعد المواطنين المغاربة على إدراك هذا العمل الجبّار الذي أقيم بين ظهرانينا في النحو”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى