المكتبة الوطنية تكرم عبد الحي مودن.. وأكاديميون يشيدون بخصاله الفكرية والأخلاقية
لقاء تكريمي للأكاديمي عبد الحي مودن استقبلته المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، قُدّم فيه كتاب جماعي أهدي إلى المكرّم بعنوان “السياسة والتخييل”، نشر بدعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكلية العلوم القانونية والاجتماعية أكدال التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط.
وقال المؤرخ عبد الأحد السبتي، باسم منسقي الكتاب، إنه بدل التكريم ذي المداخلات التي يطبعها “الاختزال” اختار المشرفون على هذا العمل “تأليف كتاب جماعي، ذي بصمة نوعية”، في “التفاتة جماعية، دلالتها ثقافة الاعتراف، والتقدير والاعتزاز، والصداقة، التي تتحدى التصنيف والتحبيذ”.
“يأتي هذا في وقت تتعامل المؤسسة الجماعية مع من يبلغ التقاعد الإداري تعاملا يذكرني بمنطق انتهاء تاريخ الصلاحية، المتداول في المجال التجاري، وهذا ما يعوّق التواصل بين الأجيال”، يورد السبتي.
وذكر المتدخل أن هذا الكتاب “مستعص على التصنيف، ويحتفي بقامة تستعصي على التصنيف”، أي “غير نمطية”، بـ”مواضيع متعددة من شأنها إثارة اهتمام وفضول قراء من مشارب مختلفة”؛ فيما ينطلق جل مساهمي المؤلَّف “من أرضية تخصصية، وينفتحون على أخرى، بجرعة كبيرة من الفضول المعرفي، والتفاعل مع قضايا المغرب والعصر الراهن”.
وذكر عبد الأحد السبتي أن عبد الحي مودن “فتح طلبته على المقاربات الأنغلوساكسونية، وساهم بشكل غير مباشر في تعريب العلوم السياسية بالجامعة المغربية”، وأضاف: “ناقش الدكتوراه في جامعة ميشيغان الأمريكية سنة 1987، ومساهماته عديدة، آخرها دراسة حول الأرشيف والسياسة بين الأمس واليوم، في كتاب جماعي يكرم جامع بيضا، صدر يونيو الماضي من السنة الحالية 2023”.
وواصل المتحدث ذاته: “لقد جمع مودن بين دراسة حقل السياسة المغربي وحقل السياسة الدولية، بمسالك ومقاربات غير مألوفة من بينها علاقة المشاعر بالسياسة، وعلاقة التخييل بالسياسة (…) هو شغوف بقراءة الكتب، ولم يهتم كثيرا بالتواصل مع القراء بواسطة الكتاب، وهناك حاجة إلى توسيع قراءة أعماله، لاستيعابها ومناقشتها”، وزاد: “تعريب ونشر أطروحته ورش، فمازالت لها راهنية، وكذلك نشر أعمال متفرقة له، من مقالات ومراجعات وحوارات ولقاءات صحافية. وأمنيتي أن يقتطع الوقت المناسب لاستكمال تأليف كتاب مهتم بالدولة ومسألة العنف”؛ كما ذكّر بالجانب الروائي للمكرّم، حيث حصلت روايته “خطبة الوداع” على جائزة المغرب للكتاب.
واستحضر السبتي أيضا “جانب الفاعل الحقوقي” في شخصية الأكاديمي و”دوره في هيئة الإنصاف والمصالحة وامتداداتها؛ فقد ساهم بشكل فعال في تنظيم جلسات الاستماع العمومية، وتنشيط مجموعة الأرشيف والذاكرة، ومتابعة توصيات الهيئة، وتحسيس الوسط الجامعي بأهمية كتابة تاريخ الزمن الراهن، وتأسيس ماستر خاص به، وهو مشروع يؤسف لتوقفه، بعدما انطلق بقدر كبير من الإرادوية”.
محمد زرنين، أستاذ باحث ومترجم، ذكر من جهته أن الكتاب الجماعي حول عبد الحي مودن عمل يجمع “خبرات ومسارات”، و”ملتقى فكري مهم فيه مسارات تخصصية متباينة، وساهم فيه كُتّاب من ثلاثة أجيال، بثلاث لغات بين العربية والفرنسية والإنجليزية”، وفيه “تفكير في النخبة، في الحداثة، في الملكية، في الإصلاح، السعي إلى الديمقراطية، السيادة الصناعية، المصالحة، الأحاسيس وتنامي الشعبوية، الهويات الهاربة، الواقع والتخييل، أخلاقيات السعادة، وغيرها من المواضيع”.
الأكاديمية رحمة بورقية تحدثت عمّا وجدته في الكتاب من “إسهامات غزيرة ومفيدة”، تتوزع عبر “أكثر من ثلاثين مقالا، في أزيد من 700 صفحة”، تلتئمُ “عملا يمثل مساهمات لفهم جوانب السياسيِّ وتحوله في المجتمع المغربي”.
وذكرت المتدخلة أن مفتاح فهم العمل هو “عنوانه الفرعي ‘كتاب الصداقة’؛ إذ نستشف من ورائه صداقة فكرية لجيل ينتمي إلى تخصصات متنوعة”.
وحيّت بورقية تنوع هذا العمل الذي يجعله “إثراء بمقاربات وتحاليل لتحولات السياسيِّ في المجتمع المعاصر”، تمكّن “مِن فهم السياسيّ، وتظل معظمها رصينة التأطير النظري، ومتعددة الزوايا المتطرّق لها، وهي مساهمة مرجعية في التحليل السياسي”؛ كما عددت ما يضمه المؤلَّف من تحليلات حول “دواليب إدارة المخزن قبل الاستعمار، أغاني الهيب هوب والحراك، أثر الإمبراطورية في النظام السياسي المغربي، النخب المدنية والسياسية، العلاقة بين الجنسين من خلال الحركات النسائية، التفكير في النظريات التي تؤطر كتابة التاريخ، ومساءلة وتحليل أدب الاعتقال…”، وغيرها من المواضيع.
بينما ذكر الاقتصادي المكي الزواوي أن الكتاب يضم إسهامات جديدة “لا نحس فيها بإعادة تدوير”، ثم أضاف أنها تكرّم باحثا هو “نموذج للتواضع، والاستقامة الفكرية والأخلاقية، والرفق في المعاملة”.
بدورها ذكرت الأستاذة الباحثة أمينة المسعودي أن مقالات الكتاب الجماعي المهدى إلى عبد الحي مودن “غنية ودقيقة”، واستغرق جمعها ثلاث سنوات، وتطلب ذلك ستة منسقين.