حرب أكتوبر: هل تحقق السلام بين المصريين والإسرائيليين بعد مرور 50 عاما على انتهائها؟
- Author, مهند توتنجي
- Role, بي بي سي نيوز عربي – القدس
“أن أتحدث مع من كان يحاربهم أبي فهذا يعني أن هناك سلاما تحقق”.
هذا ما قاله لي يوني دينور، وهو مرشد سياحي إسرائيلي، ابن جندي شارك في حرب عام 1973 بين إسرائيل ومصر.
اندلعت شرارة هذه الحرب بهجوم مصري سوري مشترك على إسرائيل، لاستعادة أراضيهم المحتلة عام 1948 و1967، وأسهمت فيها دول عربية أخرى لتكون خامس الحروب العربية الإسرائيلية.
حرب كانت الأكثر دموية بين إسرائيل ومصر، وتوجت بعد ذلك بسنوات بسلام اعتبر سابقة بين إسرائيل وأي دولة عربية، لكنه وبعد 50 عاما ما زال سلاما باردا.
يوني الذي يشارك والده كل عام ذكريات الحرب التي عاشها والده في لحظات الخوف والبطولة كما يراها الإسرائيليون، يجلس جانب والده الذي يفتح سنويا خزانة يحتفظ فيها بصور له على الحدود المصرية ويتذكر ساعات كان يعتقد فيها بأنها نهاية إسرائيل.
ليس ببعيد عن منزل المقاتل الإسرائيلي، مقبرة عسكرية دفن فيها جنود إسرائيليون قتلوا في حروب مختلفة ومنها حرب أكتوبر، يزورها يوني كثيرا، وفيها قبر يعد مختلفا بالنسبة لهذا المرشد السياحي الإسرائيلي.
منذ عام 2020، يقوم يوني بجمع مقتنيات شخصية لجنود إسرائيليين شاركوا بالحرب، عن طريق التواصل مع مصريين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأولى مقتنياته على هذه المواقع الالكترونية، كانت هوية جندي إسرائيلي قتل في الثامن من أكتوبر أي أثناء الهجوم الإسرائيلي المضاد.
يحيئيل هوروفيتس جندي إسرائيلي دفن في هذه المقبرة، يمسح يوني الغبار عن قبره، ويستذكر قبل سنوات حصوله بالصدفة على بطاقة هويته من شخص مصري، الجندي الذي تفاجئ يوني بأنه كان يسكن بجانب منزل والده في البلدة ذاتها قرب مدينة تل أبيب.
أثناء جلوسي معه والحديث حول السلام البارد بين المصريين والإسرائيليين، قال يوني إنه حتى مع مرور 50 عاما على السلام، فهذا ليس سلاما بين النرويج والسويد، ولكن بالنسبة له السلام البارد أفضل من حرب ساخنة، وقد تكون هذه وجهة نظر كثير من الإسرائيليين.
زار يوني مصر مرة واحدة، ويعتبر بأن زيارة مصر بالنسبة للإسرائيليين معقدة وكذلك الحال للمصريين، لا ينكر وجود صعوبات بسبب موضوع السلام البارد حتى على المستوى السياحي، لكنه وبمجرد أن يستطيع التحدث مع ابن جندي مصري في الطرف الآخر فهذا بالنسبة لهم سلام كاف.
هذا السلام الذي يرضى عنه الإسرائيليون، يعتبرون أنفسهم منتصرين في الحرب مع مصر، وما زاد انتصارهم هو السلام مع واحدة من أبرز الدول العربية في فترة كانت إسرائيل مقاطعة من الجميع بسبب القضية الفلسطينية.
سلام لا يرضى عنه المصريون في الجانب الآخر، فبالنسبة لهم لا سلام مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية والحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس.
” في كل بيت مصري، شهيد حرب أو قريب، قاتل في المعارك ضد إسرائيل”، مقولة يبرر فيها المؤرخ المصري أحمد زايد موقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل.
وأسس هذا المؤرخ المصري مؤسسة ثقافية منذ عام 2008، تعنى بالأساس بتعريف الجيل الجديد ببطولات الحرب والأبطال المصريين بطرق رقمية ومتطورة.
وقابل زايد مئات الجنود المصريين، واستطاع أيضا، كما فعل يوني، الحصول على مقتنيات لجنود شاركوا بالحرب.
رائحة الرصاص ما زالت تشم من خوذة جندي إسرائيلي أسر في الحرب، وأخذها جندي مصري، ثم قام بإهدائها لقائده، الذي قام بدوره بإهدائها لزايد أثناء مقابلة أجراها معه.
عبر مواقع التواصل الاجتماعي والندوات والرحلات لخط بارليف، يقوم زايد بتكثيف وعي شباب المصريين حول الحرب؛ لأنه يعتقد أن إسرائيل تضلل الرواية الحقيقية.
زايد يملك هو الآخر قصة إنسانية مع الحرب، فقد حدثنا متأثراً بأن توقيت قدومه للحياة جاء بسبب الحرب.
إذ أخَّرَ والده خططه المتعلقة بإنجاب طفل جديد آنذاك بسبب الحرب التي اندلعت، خشية أن يقُتل في الحرب، فيبقى الابن يتيما.
ويستذكر زايد قصص والدته التي كانت تحدثه عن فرحة المصريين عندما شهدت جنودا مصريين في الشارع يقودون دبابات إسرائيلية سيطروا عليها في الأيام الأولى من الحرب.
قصص زايد ولهجته في الحديث تستدعي ذكريات لبطولات جنود الجيش المصري في هذه الحرب.
حتى الإسرائيليين، ومنهم شاوئيل دينير، وهو والد المرشد السياحي الذي قابلناه، قال لنا إن الاعتقاد ساد بينهم بأن الحرب مع مصر ستكون سهلة، لكنهم وصلوا مرحلة كانوا يسعون فيها لاستخدام ما وصفه بسلاح يوم القيامة، أي الأسلحة النووية، لانهم شعروا بتهديد وجودي.
والآن، وبعد مرور 50 عاما على الحرب، وأقل من ذلك بسنوات على السلام، ما زال المصريون والإسرائيليون يتنافسون في روايتهم حول المنتصر في الحرب.
ولا يزال المصريون لا يقبلون الإسرائيليين بسبب ما يعزوه زايد لوجود حكومة إسرائيلية متطرفة تسعى لهدم المسجد الأقصى وتقتل الفلسطينيين يوميا.
في الآونة الأخيرة، طُرح ملف التطبيع بين إسرائيل والسعودية على طاولة مفاوضات أمريكية، بعدما نجحت الإمارات والبحرين والمغرب في توقيع اتفاقات تطبيع مع إسرائيل، ومع كل ذلك لا يزال أغلب المصريين يرفضون التطبيع مع إسرائيل وليسوا راضين عن اتفاق السلام، وذلك لعدة أسباب لعل من أهمها القضية الفلسطينية.