السعودية وإيران: دبلوماسية كرة القدم بين الرياض وطهران هل ستتجاوز العقبات؟
- Author, بوريا جعفره
- Role, بي بي سي فارسي
المكان هو ملعب نقش جهان في أصفهان، يوجد في الملعب 60 ألف مشجع إيراني مبتهجين يحسبون الثواني المتبقية لبدء المواجهة بين فريقهم المحلي المحبوب، سباهان، ونادي الاتحاد السعودي.
والاتحاد أحد الأندية الأربعة الكبرى في الدوري السعودي للمحترفين، المدعوم من صندوق الاستثمارات العامة في السعودية.
وقبل دقائق من انطلاق المباراة، رفض الفريق السعودي دخول الملعب.
وكان سبب الرفض هو تمثال قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الذي قُتل في العراق في هجوم بطائرة أمريكية مسيرة. وهو من يعده كثير من المسلمين السنة شخصية مثيرة للجدل.
وقبل شهرين فقط من هذا الحدث، وقع حدث مماثل حينما كان الدبلوماسيون السعوديون والإيرانيون يجتمعون في طهران، وطلب الوفد السعودي إزالة صورة سليماني من جدار الغرفة التي عقد فيها المؤتمر الصحفي.
وغير الإيرانيون قاعة الاجتماعات وطردوا المسؤول الصحفي في وزارة الخارجية، الذي رتب للمؤتمر.
هذه المرة لم يكن من الممكن تغيير الملعب في اللحظة الأخيرة، لذلك ألغى مفوض الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، المباراة، ونقل فريق الاتحاد إلى مطار أصفهان للعودة إلى جدة.
وشعر المشجعون بخيبة أمل، فقد دفعوا ثمن التذاكر، وتجشموا عناء الوصول إلى الملعب، لكن السلطات لم تتخذ أي إجراء. وهم يتهمون السلطات الإيرانية، وهتفوا “لا نريد كرة قدم سياسية”.
وتذكر مشجعو سباهان، الذين لم يرضوا عن الطريقة التي تدار بها الأمور، أيام الماضي الجميلة، وهتفوا لشاه إيران الراحل داعين له بالرحمة.
وقال كثير من خبراء كرة القدم إن وجود مثل هذا التمثال داخل الملعب يعد انتهاكا لقواعد الفيفا التي تحظر بوضوح وضع علامات مثيرة للجدل لشخصيات سياسية بجوار الملعب.
وتوقعوا أن يقرر الاتحاد الآسيوي لكرة القدم النتيجة بـ3-0 لصالح الاتحاد السعودي ويفرض غرامة شديدة على سيباهان.
لكن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، صرح بعد ذلك بأن إيران والسعودية توصلتا إلى اتفاق لإعادة المباراة، مضيفا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تسير في الاتجاه الصحيح.
قصة المباريات السابقة
كان هذا هو الجانب المشكل الوحيد من ثلاثية كرة القدم السعودية الإيرانية في دوري أبطال آسيا. أما المباريات الأخرى في طهران فكان لها قصة مختلفة تماما.
إذ كانت الجماهير تنتظر بفارغ الصبر سفر فريق نادي الهلال السعودي لكرة القدم، ونجمه الأكبر نيمار، هداف البرازيل التاريخي، إلى إيران.
وهذا دليل على فوز الاستثمار السعودي في كرة القدم بقلوب وعقول الإيرانيين.
وكانت العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية قد علقت منذ 7 سنوات، بعد أن هاجم متشددون في طهران السفارة السعودية وأضرموا فيها النار عام 2016.
ولا يقتصر التنافس الذي يربط بين القوتين الكبيرتين في الشرق الأوسط على السياسة والجيش والدين والثقافة فقط، بل يتعدى ذلك إلى الرياضة، خاصة كرة القدم، وهذا واقع مرير.
قمصان الأندية السعودية في إيران
قبل حوالي 20 عاما، لم يكن من المتصور رؤية مشجع كرة قدم إيراني يرتدي قميص نادي سعودي في شوارع طهران، لكن الطلب اليوم على قمصان النصر والهلال أصبح مرتفعا، في بعض متاجر الأدوات الرياضية التي نفد مخزونها.
ومشاهد الفرق السعودية التي لاقت الترحيب في إيران، بالنسبة إلى من لديه اهتمام بكرة القدم في الشرق الأوسط، هو في الحقيقة مشهد لا يصدق.
وعندما كانت إيران تواجه السعودية في تصفيات كأس العالم في 1998 في طهران، كان ملعب آزادي الذي يتسع فقط لـ20 ألف متفرج يضم 120 ألف مشجع، وكانوا يطلقون على الفريق اسم “البقرة”.
كانت أجواء المباراة مخيفة للغاية لدرجة أن اللاعبين السعوديين اضطروا إلى العودة إلى غرفة تغيير الملابس الخاصة بهم بعد دقائق قليلة من وصولهم إلى أرض الملعب لإجراء عمليات التسخين قبل المباراة.
فرصة العمر
أما اليوم فهناك لوحات إعلانية في طهران وأصفهان ترحب بالمنافسين وتتمنى لهم إقامة سعيدة في إيران.
ولم يكن مشجعو سباهان – فريق كرة القدم المتصدر في مدينة أصفهان – راضين عن عدم تمكن كريم بنزيمة – اللاعب الدولي الفرنسي والفائز بالكرة الذهبية – من الوصول إلى إيران لمباراة دوري أبطال آسيا بين فريقهم وفريق الاتحاد السعودي.
فقد أرادوا أن يرى بنزيما جمال مدينتهم، وأن يحضر مع بقية الفريق رغم إصابته.
وفي طهران، أنشأت وزارة الرياضة لجنة ترحيب لزيارة الهلال، الفريق الأكثر تتويجا في المسابقات القارية.
ويأتي ذلك بعد زيارة النصر ونجمهم العالمي، كريستيانو رونالدو، التي أثارت مشاهد صاخبة، حيث كانت الجماهير تطارد الحافلة التي تقل النجم.
وربما تكون حالة رونالدو مختلفة عن أي شخص آخر، إذ إنه، مع وجود 605 مليون متابع له على إنستغرام، أكبر نجم على شبكة التواصل الاجتماعي.
وقال كثير من الإيرانيين إنهم شعروا “بالحرج” من رؤية صور المشجعين الذين كانوا يتوقون بشدة إلى التقاط صورة أو الحصول على توقيع أي من المشاهير العالميين.
وهذه، بالنسبة إلى العديد من هؤلاء الأشخاص، فرصة العمر.
إذ كانت العلاقة مع العالم الخارجي، خاصة الغرب، بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران ردا على البرنامج النووي وسجلها في مجال حقوق الإنسان، مضطربة في السنوات الأخيرة، ونادرا ما كان نجوم السينما والموسيقى والرياضة الكبار يحضرون إلى بلادهم.
وتعد مشاهدة السعوديين وهم يحصلون على هذا القدر من الاهتمام الإيجابي في الوقت نفسه، بالنسبة إلى كثير من الإيرانيين، لحظة حلوة ومريرة.
إن تجاور البلددين، مع استمرار اعتماد اقتصاديهما بشكل كبير على عوائد تصدير النفط، فمن المنطقي بالنسبة إلى سكان البلدين أن يقارنوا حياتهم ومستوى معيشتهم ببعضهم بعضا.
وبغض النظر عن مدى تأثير دعاية الدولة لأجندتها الخاصة، فقد أتاح ظهور وسائل التواصل الاجتماعي للجماهير – حتى مع غربلة محتوياتها – فرصة الحصول على صورة أفضل عن موقعهم مقارنة بالآخرين.
وجاء الهلال ونيمار إلى إيران لمواجهة ناسجي مازندران. وهناك الكثير مما يجب على الإيرانيين فعله ليس في مجال كرة القدم فحسب.
وخسر نساجى المباراة بنتيجة 3-0، وجاء الهدف الثانى من ضربة عالمية سجلها نيمار لصالح الهلال. وكان من المفترض أن تجرى هذه المباراة على شواطئ بحر قزوين.
وتعد مقاطعة مازندران واحدة من أغنى المحافظات الإيرانية وأكثرها سكانا. لكن نظرا لعدم وجود ملاعب، أو ملاعب كرة قدم تتماشى مع المعايير الدولية في مقاطعة مازندران، وفقا لحكم الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، اضطروا إلى نقل مبارياتهم إلى ملعب آزادي في طهران.
وهذا يوضح مدى التباين في البنية التحتية الرياضية المتاحة لأندية كرة القدم واللاعبين والمشجعين في البلدين.
ففي الوقت الذي تجلب فيه السعودية أكبر النجوم في كرة القدم العالمية إلى الدوري السعودي للمحترفين، تواجه إيران صعوبات في استضافة مباريات قارية رفيعة المستوى.
ويبدو أن العامل السعودي كان له، بطريقة ما، تأثير إيجابي في إيران لرفع مستوى لعبتها.
وعلى الرغم من تعرض كلا البلدين لانتقادات بسبب قوانينهما المميزة للرجال، فإن سلطات كرة القدم الإيرانية سمحت أخيرا لنحو 2500 امرأة بإمكانية شراء تذاكر مباراة ناساجي – الهلال.
وظلت الجمهورية الإسلامية تمنع النساء من حضور مباريات كرة القدم على مدار الـ40 عاما الماضية، مع استثناءات قليلة.
وعلى الرغم من تردد السلطات في البلدين في وقف هذه الممارسة التمييزية، على الرغم من كل الضغوط التي يمارسها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، فإن هناك الآن علامات على حدوث تغيير.
لقد حضر السعوديون إلى إيران، وكان العالم يراقب، كما كان متوقعا.