المعونة الأمريكية لمصر ما بين شراكة استراتيجية وانتقادات لأوضاع حقوق الانسان
- Author, عطية نبيل
- Role, بي سي نيوز عربي
- Reporting from القاهرة
طالب السيناتور الأمريكي، بن كاردين، الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بحجب مساعدات عسكرية أمريكية تقدم سنويا لمصر، على خلفية انتقادات لملف حقوق الإنسان وأوضاع الحريات في البلاد.
يأتي ذلك في الوقت الذي تقول فيه الخارجية الأمريكية إنها سوف تستمر في العمل مع الحكومة المصرية على توفير حزمة المساعدات العسكرية، التي تم إقرارها لأسباب تتعلق بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وتحصل مصر بصورة سنوية على مساعدات عسكرية تقدر ب 1.3 مليار دولار أمريكي، بعد توقيع اتفاق السلام الأول بين دولة عربية وإسرائيل بوساطة أمريكية في عام 1979. وتربط الإدارة الأمريكية نحو 300 مليون دولار من هذه المعونة السنوية بمدى التزام القاهرة بتعهدات تتعلق بسجلها الحقوقي.
ويقول السيناتور بن كاردين، الذي تولى منصبه خلفا للسيناتور بوب ميندينيز المتهم بتلقي رشاوي من رجل أعمال مصري، إن لجنة العلاقات الخارجية تعتزم حجب 235 مليون دولار من المساعدات السنوية، ووقف مبيعات الأسلحة لمصر بسبب ما وصفه بانتهاكات الحكومة المصرية لحقوق الإنسان، وأوضاع من وصفهم بالسجناء السياسيين من المعارضة.
غير أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، قال في إفادة صحفية “إن الحكومة الأمريكية مستمرة في العمل عن قرب مع الكونغرس والحكومة المصرية على توفير حزمة المساعدات العسكرية، بما يعزز رؤيتنا المشتركة للأمن والاستقرار في المنطقة”.
“المصالح الاستراتيجية”
يقول الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن تفصيلات بنود المعونة العسكرية الأمريكية تتفاوت وفقا لمشروع قرار الإدارة الأمريكية، الذي تقدمه سنويا إلى الكونغرس لطلب الموافقة عليه، وقد تتضمن بعض الأسلحة الخفيفة لمكافحة الإرهاب مثل المروحيات أو أنظمة المراقبة والاتصال وبعض الأنشطة التدريبية، لكنها لا تشمل الدبابات أو الطائرات المقاتلة أو أنظمة الدفاع الصاروخية التي تبيعها الولايات المتحدة لحلفائها، والتي تتم بموجب صفقات تجارية معروفة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية، إن الإدارة الأمريكية غالبا ما تتدخل في مسألة حجب المساعدات لبعض الدول، لاعتبارات تتعلق بالعلاقات الاستراتيجية ومصالح الولايات المتحدة في العالم، مشيرا إلى أن هذا الأمر لا يعدو كونه توزيعا للأدوار داخل أركان الإدارة الأمريكية، وهو ما يفسر تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية الأخيرة، عقب تلويح الكونغرس بحجب جزء من المعونة الأمريكية بسبب انتقادات حقوق الإنسان في مصر.
ويشير مصطفى كامل السيد إلى أنه من الممكن مراجعة قرار لجنة العلاقات الخارجية الأخير، بشأن المعونة المقدمة إلى مصر، لأن رئيسها ينتمي للحزب الديمقراطي كما الرئيس جو بايدن، ومن الممكن التوافق بين الجانبين في حالة اقتناع لجنة العلاقات الخارجية بأهمية بقاء مبلغ المعونة لاعتبارات سياسية واستراتيجية.
“مصادر متعددة للتسلح”
من جانبه، يقول اللواء حسام سويلم – المدير السابق لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة المصرية – إن حجب جزء من المعونة العسكرية المقدمة إلى مصر أمر غير مؤثر تماما، لأن هناك تنوع في مصادر تسليح الجيش المصري، إما من روسيا أو الصين وغيرهما.
واعتبر أن الخاسر الوحيد من هذا القرار سيكون الولايات المتحدة نفسها لأنها قد تضر بالعلاقة الاستراتيجية بين البلدين، كما قد يؤثر القرار على برامج التعاون العسكري والتي تعتبرها واشنطن أمرا ضروريا بالغ الحساسية في المنطقة.
ونبه اللواء سويلم إلى من سماهم بـ “الأصوات العاقلة” داخل الإدارة الأمريكية، والتي تعرف جيدا أهمية التعاون بين البلدين، وقال إنها قد تؤثر على تنفيذ قرار حجب المساعدات – في إشارة إلى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
وأشار إلى أن مبلغ المعونة بكامله غير مؤثر بالمرة على ميزانية القوات المسلحة المصرية الضخمة، والتي قد يتم تدبيرها من أي مورد آخر على حد قوله.
“بالونات اختبار سياسية”
أما سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، فيربط ما بين هذه القضية وفضيحة الرشوة المتهم فيها الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور روبرت ميندينيز.
ويقول غطاس إن جميع أعضاء الكونغرس بلجانه المختلفة يرغبون في أن ينأوا بأنفسهم عن فضيحة الرشوة، ولذلك فهو يتوقع أن يتخذ الكونغرس قرارات أكثر تشددا تجاه الحكومة المصرية خلال الفترة المقبلة، وقد يكون هذا الإجراء الأمريكي – من وجهة نظره – ورقة من أوراق الضغط التي تستخدمها واشنطن إزاء ملفات مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا أو العلاقة مع الصين وإيران وغيرها.
تاريخ من الحجب
وأعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الشهر الماضي أنها قررت التنازل عن تجميد مبلغ 235 مليون دولار أمريكي من المساعدات بسبب قيود حقوق الإنسان، معللة ذلك بمزايا أمنية تحصل عليها الولايات المتحدة في المقابل.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها الإدارة مثل هذه القرارات، فقد حجبت واشنطن العام الماضي 2022 ما قيمته 130 مليون دولار، وسمحت بالإفراج عن 75 مليون دولار فقط من المساعدات العسكرية، كما تلقت القاهرة 95 مليون دولار أخرى بموجب استثناء قانوني يتعلق بتمويل مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.
وفي عام 2021، حجبت الولايات المتحدة أيضا ما قيمته 130 مليون دولار بسبب أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ومنحتها 200 مليون دولار من المساعدات العسكرية فقط.
نفي حكومي
وتؤكد حكومة القاهرة دائما على احترامها لحقوق الإنسان. وأطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “الاستراتيجية الوطنية الممتدة لحقوق الإنسان” والتي تشمل “مفهوما أوسع لحقوق الانسان” يتعلق بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين والتقدم في ملفات التعليم والصحة والمرافق العامة.
كما أطلقت الحكومة في أبريل/نيسان من العام قبل الماضي الحوار الوطني، لوضع أولويات عمل الحكومة خلال المرحلة المقبلة في ظل أزمة اقتصادية متصاعدة تواجه البلاد، التي تعتمد على استيراد نحو 70 في المئة من احتياجاتها الغذائية الرئيسية من الخارج، وتجد صعوبات كبيرة في تدبير العملات الأجنبية اللازمة لتمويل صفقات الاستيراد.
كما أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسي تشكيل لجنة العفو الرئاسي، التي تنظر في ملفات المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير، أو من صدرت بحقهم أحكام نهائية في قضايا ذات طبيعة سياسية.
وأسهمت اللجنة في إطلاق سراح نحو ألف من الناشطين وسجناء الرأي في البلاد، خلال العام الماضي.