على أوروبا أن تعي جيدا الدروس المستفادة من تجربة ناغورنو كاراباخ – الغارديان
نبدأ جولتنا في الصحف البريطانية من الغارديان التي ألقت الضوء على ما اعتبرته الفصل الأخير من مأساة ناغورنو كاراباخ بعد حل حكومة الإقليم ومؤسساته وتشريد سكان هذه المنطقة الجبلية من الأرمينيين.
وقرر رئيس “جمهورية أرتساخ”، أو ناغورنو كاراباخ – التي أعلنت استقلالها من طرف واحد – حل جميع مؤسسات الإقليم، مما اضطر جميع السكان الأرمينيين إلى الفرار من هذه المنطقة التي تحولت إلى جزء من دولة أذربيجان. ولا شك أن هذه النهاية الدرامية للنزاع الذي شهدته أوروبا لثلاثة عقود تنطوي على دروس مستفادة على الجميع أن يعيها.
ورأت كاتبة المقال ناتالي توتشي إن أول هذه الدروس يتمثل في طوابير السيارات الطويلة التي تقل الأرمينيين النازحين من الإقليم إلى أرمينيا، والتي “تعيد إلى الأذهان مشاهد التطهير العرقي الذي ظنت أوروبا أنه بات طي النسيان. لكن يبدو أن هذا لم يحدث، إذ يعود بنا مشهد النزوح إلى أوروبا أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، أو ربما ذكرتنا بالبلقان في التسعينيات أو نفس المنطقة إبان نهاية الدولة العثمانية”.
ورغم أن “الوضع القانوني لإقليم ناغورنو كاراباخ يجعله ضمن الحدود المعترف بها دوليا لأذربيجان”، وفقا للغارديان ومع أن الرئيس الأذربيجاني لم يجبر الأرمينيين – البالغ عددهم حوالي 120 ألف نسمة – على مغادرة الإقليم وأنه عرض عليهم الجنسية الأذربيجانية، لا يمكن أن نعتبر أن هؤلاء النازحين يتلقون عرضا جذابا على الإطلاق عندما يمنحون الحق في العيش في دولة غير ديمقراطية لا تحترم الحقوق الأساسية للإنسان. وعلى ذلك، لا يمكننا أن نغض الطرف عن شبح التطهير العرقي الذي يطارد أوروبا في الوقت الراهن، والذي تجلى على مدار العامين الماضيين أيضا في الغزو الروسي لأوكرانيا، بحسب الصحيفة.
علاوة على ذلك، فالكراهية بين الأرمن والأذربيجانيين عميقة، وأعمق بكثير من تلك الكائنة بين الجورجيين والأفخاذيين أو الأوسيتيين، أو المولدوفيين والترانسنستريين، إذ ترتبط هذه الكراهية بجروح أكثر عمقا تتعلق بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 التي لم تعترف بها تركيا. كما رحبت أنقرة بالتوغل الأذربيجاني في القطاع، وهو يرجح أن يكتب نهاية مأساوية لقصة الضحية الأرمينية التي يتوقع أن تنزف جراحها من جديد بعد أن كادت تلتئم.
وأشارت ناتالي أيضا إلى أن الدرس المستفاد الأهم مما حدث في ناغورنو كاراباخ هو أنه الصراع بين أي طرفين، مهما تم حسمه لصالح أحدهما، لا يمكن لأحد أن يعلم ما يخبأه المستقبل لهما وكيف يمكن أن تنقلب موازين القوى في الصراع بمرور الوقت.
وكان انتصار أرمينيا على أذربيجان في الحرب التي امتدت بين عامي 1988 و1994 من أهم العوامل التي ساعدت ناغورنو كاراباخ على إحكام قبضتها على الإقليم لحوالي ثلاثة عقود والسيطرة الكاملة على المنطقة وبعض المدن الأذربيجانية. لكن مع ازدهار نشاط النفط في أذربيجان، بدأت باكو في استغلال مواردها النفطية في تعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية. وتجلت تلك القدرات في الفترة الأخيرة عندما استعادت البلاد سيطرتها على الإقليم.
الحدود أو الدمار
ننتقل إلى صحيفة التلغراف التي تناولت قضية المهاجرين وتوجهات الحكومة البريطانية نحوها وما يمكن أن تشهده سياسات الهجرة والتعامل مع المهاجرين في المملكة المتحدة من تغيير في الفترة المقبلة.
ورغم ما ذهب إليه تيم ستانلي، كاتب المقال، من أن وزيرة الداخلية البريطانية “سيولا برايفرمان قد تواجه انتقادات لاذعة واتهامات بالعنصرية بسبب حديثها عن الهجرة في الفترة الأخيرة، إلا أنها في نهاية الأمر ليست المسؤولة البريطانية الأولى التي تتحدث بنفس الطريقة السلبية عن المهاجرين”.
وشبّه الكاتب وزيرة الداخلية البريطانية بوزير الداخلية البريطاني في حكومة حزب العمال عام 2001 جاك سترو الذي طالب بتعديل اتفاقية جنيف للمهاجرين من أجل مكافحة تهريب البشر. واحتج سترو في مطالبته بذلك في تلك الفترة بأن تدفق المهاجرين لم يكن بهذا الحجم الهائل عندما وقعت الاتفاقية. كما أشار إلى أن التقدم في تكنولوجيا الهاتف الجوال وهبوط تكلفة السفر جعل من “الهجرة لمسافات طويلة خيارا واقعيا كما حوله إلى مصدر للإلهام للآلاف من المهاجرين المحتملين الذين يستفيدون من جانب واحد من جوانب الاتفاقية يتضمن إلزام الدول الموقعة عليها بدراسة جميع طلبات اللجوء مهما “كانت المبررات التي تستند إليها واهية”.
وعقد الكاتب مقارنة بين تدفقات المهاجرين إلى المملكة المتحدة في عام 2001 وأعداد المهاجرين المتقدمين بطلبات لجوء في عام 2022. وأشار إلى أن الأرقام المتوافرة ترجح زيادة كبيرة في أعداد الطلبات التي قبلت بمعرفة الحكومة البريطانية. وبلغ عدد المتقدمين بطلبات لجوء إلى المملكة المتحدة في عهد سترو 76 ألف طلب، والتي رفضت الحكومة أغلبها. في المقابل، في عام 2022 بلغ عدد تلك الطلبات 81 ألف طلب لم يرفض منها سوى 24 في المئة، مما يشير إلى أقل نسبة لرفض لطلبات اللجوء منذ عام 1990.
كما قارن بين عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة في عهد حكومة العمال– التي تولى حقيبة الداخلية فيها جاك سترو– والأرقام المسجلة العام الماضي. وكشفت تلك المقارنة عن ارتفاع عدد المهاجرين إلى 606 ألف مهاجر العام الماضي رغم البريكست مقابل 268 ألف مهاجر في عام 2001.
ويرى ستانلي أن حزب المحافظين لا يمكن اعتباره من أحزاب اليمين المتشدد بسبب تصريحات سيولا برايفرمان عن الهجرة، وأن كل ما فعلته وزيرة الداخلية البريطانية هو أنها رددت ما أجمعت عليه الدول المتقدمة من ضرورة تعزيز الحدود في أعقاب التحركات الجماعية التي اتسع نطاقها حول العالم.
الهواتف الذكية في المدارس
نعود إلى الغارديان مرة ثانية، إذ أثارت الصحيفة البريطانية قضية سياسة استخدام الهواتف الذكية في المدارس، والتي تفرض قيودا صارمة على استخدام تلك الأجهزة من أهمها حظر استعمالها في غرف الدراسة واقتصار الاتصالات على فترات الراحة للطلاب.
ورأت الصحيفة أن هناك ما يكفي من القيود على استخدام تكنولوجيا الاتصالات من قبل الطلاب داخل المدارس، خاصة في المرحلة الثانوية، وهو ما يضع علامات استفهام أمام إعلان غيليان كيغان، وزيرة التعليم البريطانية، من أن الحكومة تقترب من فرض حظر كامل على استخدام الطلاب الهواتف الذكية داخل المدارس. واعتبرت الكاتبة هذا الإعلان بمثابة حيلة سياسية أكثر من كونها إضافة إلى السياسات التي تتبناها المدارس في هذا الشأن.
ورأت الصحيفة البريطانية أن حظر الهواتف الذكية في المدارس بصفة عامة، لا في غرف الدراسة فقط، خطوة ليست سيئة على الإطلاق. فإصدار تعليمات واضحة لمديري المدارس بحظر استخدام الهواتف داخل مدارسهم سوف يساعد كثيرا على تطبيق هذه القواعد، وهو بدوره ما يؤدي إلى إرساء معايير وأعراف اجتماعية جديدة تحكم استخدام هذا النوع من التكنولوجيا الحديثة.
لكن الغارديان رأت أن الوقت والمكان الذي صدرت فيه تصريحات كيغان لا يعكسان عل الإطلاق حرص الحكومة على تحقيق الغرض من حظر الهواتف الذكية داخل المدارس، إذ تحدثت وزيرة التعليم البريطانية في هذه القضية أمام مؤتمر لحزبها، مما يعكس حرص الحكومة على تحقيق مكاسب سياسية من هذه القضية أكثر من حرصها على تحقيق صالح الطلاب في المدارس.