ذئاب مفترسة، فضائح الاستغلال الجنسي للأطفال في كرة القدم الغابونية
- Author, سوزان فانهويميسين وتاماسين فورد
- Role, “بي بي سي “عين على أفريقيا
تواجه الهيئات الإدارية لكرة القدم في الغابون اتهامات بالفشل في حماية لاعبين صغار السن وقعوا ضحايا للاعتداء الجنسي. أجرت بي بي سي لقاءات مع أكثر من 30 شاهدا تحدثوا عن وجود شبكة مارست ذلك في جميع مستويات اللعبة لمدة ثلاثة عقود.
** تحذير: تحتوي هذه المقالة على تفاصيل قد يجدها بعض القراء مزعجة
تعود مزاعم الاعتداء الجنسي في دولة الغابون الواقعة في وسط إفريقيا إلى أوائل التسعينيات.
ووصف أحد الضحايا، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، ما حدث له عندما كان مراهقا في معسكر لكرة القدم تحت سن 17 عاما. وقال إنه تم أُيقض هو وأحد أصدقائة المقربين في منتصف الليل ونقلا إلى غرفة ذات أضواء حمراء مليئة بالرجال العراة.
وأضاف: “بدأوا يلمسونني أنا وصديقي ولم أفهم الأمر. بدأت أستغيث الله. أردت الخروج، لكن الباب كان مغلقا. أمسكوا بي وألقوني على الأرض. وكان هناك رجلان من رجال الأمن. بدا الأمر كما لو أنهم كانوا مستعدين لكل شئ”.
“رأيت كيف بدأوا في اغتصاب صديقي. نظرت في عينيه، فنظر إلي كما لو كان يقول: “دعنا نسايرهم وننتهي من الأمر. بكيت وصرخت وارتفع صوتي بالبكاء والصراخ”.
“أخبروني أنه لن يتم اختياري للعب مرة أخرى أبدا، وأنه إذا تجرأت على التحدث إلى أي شخص عما حدث، فسوف تُقتل عائلتي”.
لم يلعب الضحية لمنتخب الغابون مرة أخرى.
وعلمت بي بي سي أنه كانت هناك عدة محاولات لتنبيه السلطات إلى ما كان يحدث على مر السنين.
ففي عام 2019، عاد اللاعب الغابوني الدولي السابق بارفيه ندونغ إلى وطنه ليؤسس أكاديميته حديقة كرة القدم في الغابون، برصيد 45 مباراة دولية ومسيرة كروية لامعة في أوروبا، فهو شخصية محترمة في كرة القدم الغابونية. وعندما علم بما حدث، قال إنه أبلغ السلطات.
وقال لبي بي سي “لقد اتخذت كل الخطوات الممكنة”، مضيفا أنه تحدث إلى رئيس الدوري، ورئيس الاتحاد الوطني لكرة القدم، ووزير الرياضة في ذلك الوقت.
وأضاف أنه بعد تجاهل هذه الجهود، لجأ إلى وسائل الإعلام المحلية، لكن للأسف “لم يرغب أحد في سماع ما سأقوله”.
ولم يُقبض على أربعة من المدربين إلا بعد أن أبلغت صحيفة الغارديان البريطانية عن الانتهاكات في ديسمبر/ كانون الأول 2021. ولا يزال ثلاثة منهم في السجن.
وكان في قلب تلك الاتهامات الأكثر ضررا المدرب باتريك أسومو إيي، المعروف على نطاق واسع باسم “كابيلو”. لعقود من الزمن، كان هوالمدرب الرئيسي لمنتخبات الشباب الوطنية في الجابون. والأهم من ذلك، أن كابيلو كان هو من يحدد من سيلعب في الفريق الوطني للغابون على هذا المستوى.
وقال ندونغ: “لقد كان يشغل منصب الإله إذا صح التعبير، لأن الجميع كانوا يعظمونه ويطلبون رضاه. أقصد المسؤولين عن مراكز التدريب والأكاديميات”.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2021، بدأت لجنة الأخلاقيات المستقلة التابعة للفيفا إجراءات التحقيق الأولي في تقارير الاعتداء الجنسي التي يُزعم أن كابيلو ارتكبها، وأوقفته عن جميع الأنشطة المتعلقة بكرة القدم. وتولت قيادة هذا التحقيق على الأرض لجنة الأخلاقيات التي أُنشئت حديثا حينها، وأطلق عليها اسم فيغافوت.
وفي مايو/ أيار 2022، قامت غرفة التحقيق التابعة للفيفا بإضفاء الطابع الرسمي على التحقيق الأولي.
شكّل أمر السماح للجنة الأخلاقيات بقيادة التحقيق في البداية، بالنسبة لـ “لويك ألفيس”، المستشار القانوني الأول في الاتحاد العالمي للاعبي كرة القدم المحترفين “تضاربا في المصالح على كل المستويات”.
إذ “كيف يمكن للضحايا أن يثقوا في نفس المؤسسة التي أساءت إليهم؟”.
واعترف كابيلو بتهم اغتصاب واستمالة واستغلال اللاعبين الشباب ويقبع حاليا في السجن في انتظار الحكم. وينفي المدربون الآخرون المعتقلون الاتهامات الموجهة إليهم.
وقد أثيرت أسئلة حول من هي السلطات التي كانت على علم بالأمر ومتى علمت به.
أليكسيس، إسم مستعار لأحد اللاعبين حماية لهويته، صعد من خلال صفوف الشباب في الغابون واستمر في اللعب في أوروبا. وقال لبي بي سي إن السبب الوحيد الذي جعله يتحدث علانية هو أنه لم يعد في البلاد. أما إذا كان مايزال هناك فإن حياته ستكون في خطر.
وأضاف “لذلك، اعتقلوا كابيلو، لكن منذ متى عرفوا ولم يفعلوا أي شيء حيال ذلك؟ لقد توقفوا عند المستويات الدنيا، في حين أن الأمر يصل إلى القمة، لكنهم سيفعلون أي شيء للتستر عليه. كابيلو هو كبش فداء”. إن الرؤوس التي في الأعلى هي التي يجب أن تتدحرج.”
وقال لاعب كرة قدم آخر، سنسميه جوليان إستعارة، لبي بي سي إنه تعرض أيضا للإساءة منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره. وقد لعب مع منتخب الغابون الوطني لعدة سنوات ويعتقد أنه من الصعب معرفة عدد الأولاد والفتيان المتضررين.
وأضاف “لا أعرف عدد المدربين الذين يسيئون معاملة الأولاد، ولكن للحظة دعونا ننظر إلى كابيلو وحده. إنه الأكثر شهرة وكان يفعل ذلك طوال الـ 25 أو 30 عاما الماضية. كل عام أمامه الكثير من اللاعبين. 50 فتى على الأقل، إن لم يكن أكثر”.
“والآن دعونا نفكر في عدد الأشخاص الآخرين الذين كانوا جزءا من تلك الشبكة. نحن نتحدث عن آلاف الأولاد.”
وعلى الرغم من الدعوات المطالبة باستقالة رئيس فيغافوت بيير آلان مونغوينغي، إلا أنه ظل في منصبه وأعيد انتخابه في أبريل/ نيسان 2022.
ويعتقد ألفيس أنه كان ينبغي إيقافه عن العمل: “إن خطورة التستر المزعوم كان ينبغي أن تؤدي إلى تعليق تلقائي، تعليق مؤقت، قبل الانتخابات”.
وقال إنه بصفته رئيسا لمنظمة فيغافوت، يمكن اعتبار مونغويننغوي إما غير كفء لعدم معرفته بما كان يحدث أو مذنبا بالتستر على سنوات من الانتهاكات المبلغ عنها.
وبعد ثلاثة أسابيع من إعادة انتخابه، ألقي القبض على مونغويننغوي واتهم “بالفشل في الإبلاغ عن جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال”. وعلى عكس كابيلو، لم يوقفه الفيفا، واستمر في إدارة فيغافوت من السجن.
وتنص سياسة الفيفا لحماية الأطفال على ما يلي: “يجب أن يكون إيقاف أحد الموظفين عن أداء واجباته أثناء إجراء تحقيق خارجي بمثابة ممارسة معتادة”.
ويُعد اللاعب الدولي الغابوني السابق ريمي إيبانيجا، الذي أنشأ أول اتحاد للاعبي كرة القدم المحترفين في البلاد في عام 2014، – مثل ندونغ – أحد الشخصيات القليلة في كرة القدم الغابونية التي تشعر أنه قادر على التحدث بصراحة. هو نفسه لم يتعرض للإيذاء لكنه قال إن لديه العديد من الأصدقاء الذين تعرضوا للإيذاء.
وقال “النظام القضائي المحلي قام بسجن رئيس الاتحاد، والفيفا لم يفعل شيئا. لماذا لم يتم إيقافه أيضا بينما التحقيقات مستمرة كما حدث مع كابيلو؟”.
وأضاف “لقد استمر في إدارة الاتحاد أثناء وجوده في السجن. لا أعتقد أن هذا حدث في أي مكان آخر على الإطلاق”.
وفي مايو/ آيار 2022، أوقف الفيفا رسميا كابيلو ومدربين آخرين ورئيس اتحاد كرة القدم، لكنه لم يعاقب مونغوينغوي.
وفي الوقت نفسه، قال الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) إن مونغوينغوي يعتبر بريئا حتى لم تثبت إدانته وكتب إلى وزير الرياضة الغابوني آنذاك فرانك نغويما في أبريل/ نيسان 2022 للتشكيك في الاعتقال. ثم زار رئيس الاتحاد الأفريقي باتريس موتسيبي رئيس فيغافوت في السجن بعد أربعة أشهر.
وبعد ما يقرب من ستة أشهر في السجن، أطلق سراح مونغوينغوي مؤقتا. وبعد ثلاثة أسابيع، في افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، تم تصويره وهو يعانق رئيس الكاف.
بالنسبة لإيبانيغا، فإن الدعوة التي وجهها رئيس الفيفا جياني إنفانتينو إلى قطر جعلت الأمر يبدو كما لو كان الاتحاد الدولي لكرة القدم راضيا عن أداء فيغافوت: “هل هذا ما تسميه عملا متقنا؟ ألا يفعل الاتحاد أي شئ بشأن الاعتداء الجنسي؟”.
وقبل ثلاثة أشهر، أعيد انتخاب مونغوينغوي على أعلى المستويات في الكاف كعضو في لجنته التنفيذية. وفي الأسبوع الماضي، التُقطت له صور إلى جانب المسؤولين التنفيذيين في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في القاهرة لحضور إعلان استضافة كأس الأمم الأفريقية.
وبعد مرور ما يقرب من عامين على كشف هذه الاتهامات في وسائل الإعلام الدولية، لا يزال العديد من الشخصيات البارزة في فيغافوت في السلطة.
قال إيبانيغا: “أعتقد أن النظام كان قادرا على الاستمرار، وأنه لا يزال قادرا على الاستمرار لأنه لم يتغير شيء”.
هناك خوف حقيقي بين العديد من الأشخاص الذين تحدثوا لبي بي سي حول الانتهاكات المزعومة من أن الأطفال ما زالوا معرضين للخطر.
قال جوليان: “أنا مقتنع بأن الانتهاكات لا تزال تحدث”.
وقد ضمنت بي بي سي هذه الادعاءات في الفيلم الوثائقي الذي أعدته لـ “فيغافوت والاتحاد الأفريقي كاف والفيفا. وأدانت جميع الأطراف إساءة معاملة الأطفال بأي شكل من الأشكال وبأشد العبارات الممكنة.
ونفت فيغافوت و مونغوينغوي جميع الاتهامات الموجهة إليهما، وقالا إن الإجراءات المناسبة اتُخذت بمجرد الإعلان عن أي مزاعم عن الاعتداء الجنسي في كرة القدم الغابونية.
وقالوا إنهم لم يعترفوا بأي انتقاد للتحقيق الذي أجرته لجنة الأخلاقيات في فيغافوت في ديسمبر/ كانون الأول 2021 منذ أن شُكل وفقا للوائح الاتحاد.
ونفت الفيفا والكاف جميع الاتهامات الموجهة إليهما، وقالتا إن تحقيق الفيفا الرسمي في مايو/ آيار 2022 لا يزال مستمرا.
وشددت الهيئتان على أن جميع تحقيقاتهما يتم التعامل معها وفقا للمتطلبات المنصوص عليها في ميثاق أخلاقيات الفيفا ومحكمة التحكيم الرياضية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والقانون السويسري.
وقال الاتحاد الأفريقي إن موتسيبي زار الغابون في المقام الأول للتأكيد على عدم تسامح المنظمة مطلقا مع الاعتداءات الجنسية ودعم سلطات التحقيق.
وذكر أيضا أن مونغوينغوي كان ضيفا في كأس العالم عندما استقبله موتسيبي ولم تكن لديه أي تهم متعلقة ضده.
ونفى نغويما، الذي لم يعد وزيرا للرياضة بعد انقلاب الشهر الماضي، بشدة أن يكون أي شخص قد أبلغه بمزاعم الاعتداء الجنسي قبل أن تظهر للعلن.