إلى أين سيتجه الطموح النووي السعودي؟
- Author, سمية نصر
- Role, بي بي سي نيوز عربي
إعلان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قبل أيام عن أن المملكة تعتزم بناء أول محطة للطاقة النووية لم يكن مفاجئا لمتابعي الشأن السعودي في الأعوام الأخيرة.
فاهتمام الرياض بامتلاك طاقة نووية يعود إلى عام 2010 الذي شهد إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة بموجب أمر ملكي، وأعلنت حكومة المملكة في عام 2018 رغبتها في إدخال الطاقة الذرية السلمية “ضمن مزيج الطاقة الوطني، والإسهام في توفير متطلبات التنمية الوطنية المستدامة التي تنص عليها رؤية المملكة الطموحة 2030”.
ورغم تأكيد المملكة على أنها تسعى إلى تطوير “الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في في مختلف المجالات”، فإن هناك مخاوف من أن برنامجها النووي قد يستخدم لأغراض أخرى فيما بعد.
فما الذي تريد المملكة تحقيقه في هذا المجال، وما العقبات الذي تعترض طريقها؟ وماذا يعني أن تصبح المملكة دولة نووية لمنطقة الخليج والشرق الأوسط؟
“دورة كاملة” للوقود النووي
في وقت سابق من العام الحالي، صرح وزير الطاقة السعودي بأن لدى بلاده كمية هائلة من موارد اليورانيوم، وأنها تسعى إلى استغلالها، مضيفا أن خطط المملكة ستتضمن “الدورة الكاملة لإنتاج الوقود النووي التي تحتوي على الكعكة الصفراء (يورانيوم في صورة مسحوق)، واليورانيوم منخفض التخصيب، وإنتاج الوقود النووي للاستهلاك المحلي وللتصدير”.
وفقا للتصريحات الرسمية، ترغب الرياض في استخدام احتياطي اليورانيوم المكتشف مؤخرا على أراضيها لإنتاج الكهرباء، الأمر الذي سيمكنها من تصدير غالبية نفطها الذي يعتبر من بين الأرخص إنتاجا في العالم، ومن ثم تمويل تحولها إلى اقتصاد أكثر تنويعا وأقل تلويثا للبيئة.
“الدورة الكاملة” للوقود النووي تشمل إعادة معالجة الوقود المستنفد، وهو ما يثير مخاوف بعضهم لأن هذه العملية من الممكن أن تؤدي إلى توليد بلوتونيوم متفجر يمكن استخدامه في صنع قنبلة نووية.
تعاون مع الصين
في 4 أغسطس /آب 2020، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن مسؤولين لم تسمهم قولهم إن الصين بنت بالفعل منشأة في الصحراء السعودية تهدف إلى تحويل اليورانيوم الخام إلى الكعكة الصفراء، وهي مرحلة تسبق عملية التخصيب. وفي اليوم التالي، كتبت صحيفة نيويورك تايمز، نقلا عن مصادر لم تسمها كذلك، أن هناك مبنيين بالقرب من الرياض يحتمل أن يكونا “منشأتين نوويتين” غير معلن عنهما.
لكن المعلن عنه منذ سنوات هو وجود تعاون وثيق بين الصين والسعودية في مجال استكشاف موارد اليورانيوم في المملكة، وتوقيع العديد من الاتفاقيات في هذا المجال.
وتقول جين ناكانو الزميلة الأولى ببرنامج أمن الطاقة والتغير المناخي بمعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في مقال منشور على موقع المركز إن “التجارة النووية من الممكن أن تقوي العلاقات الجيوسياسية بين السعودية والصين، كما تبين من خلال الدعوة التي تلقتها المملكة مؤخرا للانضمام إلى تكتل بريكس الذي يضم اقتصادات ناشئة، وتسعى الصين إلى أن تجعل منه منافسا رئيسيا لمجموعة السبع التي تتزعمها الولايات المتحدة”.
لكن بعض الأسئلة المهمة بحاجة إلى إجابة، على حد قول ناكانو: “كيف ستؤثر مساعدة الصين للسعودية في مجال الطاقة النووية على رغبتها في أن تكون وسيط سلام رئيسيا بين السعودية وإيران؟ وهل ستكون الصين مستعدة لانخراط مستمر في الشؤون السعودية-الإيرانية؟ وأي مستوى من الالتزامات ستكون بكين مستعدة لتقديمه لضمان عدم الانتشار النووي والأمن في الشرق الأوسط؟”.
ورغم ذلك التعاون الوثيق بين البلدين، إلا أن باحثين سياسيين يرون أن الرياض تفضل الحصول على الدعم في مجال الطاقة النووية من الولايات المتحدة.
وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرا، نقلا عن مسؤولين سعوديين لم تسمهم، أن سعي المملكة لتوقيع اتفاق مع الصين بشأن إمدادها بخبرات إنتاج الطاقة النووية هو وسيلة “لاستنهاض إدارة بايدن لتقديم تنازلات بشأن شروطها المتعلقة بالحد من الانتشار”.
التطبيع مقابل التكنولوجيا النووية الأمريكية
يرى كثير من المراقبين أن تزويد الولايات المتحدة للرياض بالخبرات والتقنيات اللازمة لإنتاج طاقة نووية هو مطلب سعودي رئيسي مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولكن هذا الطلب يشكل معضلة كبيرة بالنسبة لواشنطن.
فأي اتفاق بشأن تزويد السعودية بتقنية أو مكونات نووية سيكون مصحوبا بمستوى عال من التزامات الحد من الانتشار: التعهد بالتخلي عن الحق في تخصيب أو إعادة معالجة المواد النووية، وذلك بموجب المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي، فضلا عن الموافقة على التوقيع على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يهدف إلى ضمان السماح للوكالة بتفتيش مواقع إنتاج الوقود النووي.
في الوقت الحالي، لدى المملكة اتفاقية منخفضة المستوى مع وكالة الطاقة الذرية، أو ما يعرف بـ “بروتوكول الكميات الصغيرة” الذي يعفيها من العديد من الالتزامات المتعلقة بالتفتيش. لكن المملكة أعلنت قبل أيام على لسان وزير طاقتها الأمير عبد العزيز بن سلمان أنها اتخذت قرارا بإلغاء ذلك البروتوكول والتحول إلى تنفيذ اتفاق الضمانات الشاملة.
وقد أجريت العديد من المفاوضات بين الرياض وواشنطن حول التعاون النووي، ولكن كان هناك حديث عن معارضة المملكة على ما يبدو للشروط الأمريكية الصارمة.
كما أن القيادة السعودية لم تستبعد تطوير سلاح نووي إذا ما تطلب الأمر. فقد صرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الإخبارية الشهر الماضي بأنه إذا نجحت إيران في تطوير سلاح نووي، “سيتعين علينا أن نحصل على [سلاح نووي]”. وكانت تصريحات مشابهة قد صدرت عن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل ابن فرحان في مؤتمر دولي عقد في أبو ظبي أواخر عام 2022.
مؤكد أن نقل المعرفة والتكنولوجيا النووية للسعودية سوف يخدم مصالح الشركات الأمريكية المتخصصة في هذا المجال، والتي ستربح مليارات الدولارات إذا حصلت على عقود بناء وتشغيل المنشآت النووية السعودية، فضلا عما سيمنحه ذلك من فرصة لمراقبة البرنامج النووي السعودي. كما أن تحقيق سلام بين السعودية وإسرائيل سيكون بمثابة إنجاز كبير لإدارة الرئيس جو بايدن الذي يأمل في أن يعاد انتخابه لفترة ثانية.
ولطالما أصرت الولايات المتحدة على رفض تخصيب اليورانيوم عند تفاوضها مع البلدان الأخرى بشأن التعاون في مجال بناء منشآت نووية مدنية – فقد اشترطت ذلك على دولة الإمارات، على سبيل المثال، عند توقيع اتفاقية تسمح للأخيرة بتلقي خبرات ومواد ومعدات تستخدم في ذلك المجال. وإذا استثنت واشنطن السعودية من شروطها الصارمة بشأن عدم الانتشار، فإن ذلك قد يدفع الإمارات إلى المطالبة بإعادة التفاوض، وربما “يفجر سباقا على تطوير قدرات التخصيب وإعادة معالجة [الوقود النووي] في الشرق الأوسط وما وراءه”، على حد قول ناكانو.
كما أن الولايات المتحدة سيتعين أن تأخذ بعين الاعتبار الموقف الإسرائيلي، الذي يرى كثير من المراقبين أنه لم يتضح بعد.
فقد نفت الحكومة الإسرائيلية في أغسطس/آب الماضي موافقتها على السماح بتطوير دول في الشرق الأوسط برامج نووية، وذلك بعد تصريحات سابقة لمسؤولين إسرائيليين فُهم منها أنها موافقة إسرائيلية على إنشاء السعودية برنامجا نوويا سلميا.
ويقول الدكتور أحمد أبو دوح الزميل المشارك في المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية (تشاتام هاوس) والزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي في تصريحات لـ بي بي سي إنه يعتقد أن هناك “محادثات جدية وذات معنى هذه المرة قد تثمر عن شيء ملموس إذا ما قرر الأطراف الثلاثة المضي قدما في مفاوضات التطبيع”.
ويضيف أن المملكة “تتبنى مقاربة متوازنة لكسب الدعم في الكونغرس، فهي تطلب الحصول على دورة الوقود النووي الكاملة، وفي المقابل تضع نفسها طواعية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة – فالاتفاق الأخير مع الوكالة أحد أحجار الدومينو المهمة واللازمة لطمأنة المجتمع الدولي، ويبدو أنه تم وفقا لتفاهمات مع الإدارة الأمريكية”.
الانعكاسات على منطقة الخليج والشرق الأوسط
يرى كثير من المراقبين، ولا سيما في الغرب، أن سعي المملكة لأن تصبح دولة نووية قد يؤدي إلى سباق نووي يزيد من حدة التوتر في منطقة الخليج والشرق الأوسط، إذ يعتقد غالبية المحللين أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية رغم عدم اعترافها بذلك رسميا، وثمة شكوك في أن إيران اقتربت من أن تصبح قوة نووية عسكرية. كما أن هناك حديثا عن أن دولا أخرى مثل تركيا ومصر ربما تمتلك بالفعل القاعدة التكنولوجية التي تمكنها من إنتاج طاقة نووية، وهو ما سيقربها من إنتاج أسلحة نووية.
لكن الدكتور أبو دوح يرى أنه إذا كان البرنامج النووي السعودي وفق المعطيات المتاحة سيؤدي إلى أي تنافس في المنطقة، “فسيكون تنافسا بين الدول العربية على بناء برامج نووية سلمية مماثلة لتوليد الطاقة، وقد يحول منطقة الشرق الأوسط إلى مركز جديد للطاقة النووية ضمن الاستراتيجيات الإقليمية للتحول للطاقة النظيفة”.
بيد أن هذا الوضع قد يتغير إذا ما سعت إيران إلى امتلاك سلاح نووي، فذلك على حد تعبير الدكتور أبو دوح سيؤدي إلى أن “تدخل المنطقة بلا شك في سباق تسلح نووي، وستكون السعودية على رأس المتسابقين”.
وتجدر الإشارة إلى أن الإعلان السعودي عن إنشاء محطة للطاقة النووية سبقته جهود من قبل المملكة لتخفيف التوترات في المنطقة.
فقد أبرمت السعودية اتفاقا مع إيران برعاية صينية في مارس/آذار الماضي يهدف إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كما أنها تُجري مفاوضات مع جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن – والتي استهدفت صواريخها في السابق منشآت حيوية سعودية ويخشى البعض أنها قد تطلقها في المستقبل صوب منشآت نووية سعودية.
وفي حين يتفق أبو دوح على أن إحلال السلام في اليمن سيوفر طبقة من الحماية للسعودية، فإنه يرى أن “بوليصة التأمين النووية الرئيسية” من وجهة نظر السعودية هي توقيع معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة، ويضيف: “يبدو أن هناك قناعة سعودية بأن هذه المعاهدة تضمن دفاع الولايات المتحدة عن المملكة في حال انهيار التفاهمات مع الحوثيين وتعرض المنشآت النووية المستقبلية لهجمات، أكثر من الاتفاق مع الحوثيين أنفسهم”.
يبدو أن الكرة الآن في ملعب واشنطن التي سيتعين عليها اتخاذ قرارات صعبة لضمان مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية وتفويت الفرصة على الصين لزيادة نفوذها في الشرق الأوسط، وفي الوقت ذاته ضمان عدم زيادة الاضطرابات في المنطقة.