هل تخسر فرنسا نفوذها في المغرب العربي بعد انحساره في إفريقيا؟
يرى محللون أن مقولة “المصائب لا تأتي فرادى” تتماشى مع حال علاقات فرنسا الخارجية مع بعض دول إفريقيا والمغرب العربي حاليا.
فبعد تقلص النفوذ الفرنسي في عموم إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل، جاء الدور على نفوذها في المنطقة المغاربية بحسب مراقبين.
فقد رأت مجلة لوبوان الفرنسية أن بلدان المغرب العربي، تبتعد عن باريس أكثر فأكثر.
وأشارت المجلة في تقرير للكاتب بينوا دولما نُشر هذا الأسبوع، إلى أن العلاقات مع المملكة المغربية في أدنى مستوياتها، خاصة بعد أن رفضت الرباط بأدب عرض باريس مثل العديد من الدول خدماتها عندما ضرب الزلزال ست مناطق مغربية، واختارت قطر والإمارات وإسبانيا والمملكة المتحدة في دبلوماسية المساعدات.
أسباب تدني العلاقات
لم تقدم أي من باريس أو الرباط رسميا أسباب تدهور علاقات البلدين في الآونة الأخيرة.
لكن محللين يرون أن قضية برنامج بيغاسوس، الذي اتهمت وسائل إعلام ومنظمات المغرب باستخدامه ضد شخصيات فرنسية كبيرة مثل الرئيس إيمانويل ماكرون هو أحد الأسباب الرئيسية لتدهور علاقات البلدين أخيرا رغم أن الإليزيه لم يؤكد الاختراق كما نفاه المغرب.
كما يرون أيضا أن المغرب دائما ما يعبر عن انزعاجه من عدم اتخاذ فرنسا إجراءات تدعم موقف المملكة في قضية الصحراء الغربية.
ومن الأسباب الأخرى، قضية التأشيرات إلى فرنسا التي خفضتها باريس إلى الحد الأدنى “ردا على عدم تعاون المغرب في مجال الهجرة”، وهو إجراء اتخذته فرنسا أيضا مع كل من الجزائر وتونس، كما يرى مراقبون.
كما تتهم وسائل إعلام مغربية باريس بالوقوف وراء توتر علاقات المغرب مع جهات أوروبية مثل البرلمان الأوروبي والتأثير على قراراته المتعلقة “بمزاعم رشاوى مغربية”.
العلاقات الفرنسية الجزائرية
لا يختلف حال علاقات فرنسا مع الجزائر كثيرا عن علاقاتها مع المغرب من حيث السوء.
ويرى محللون أن علاقات باريس والجزائر تمر بأسوأ مراحلها على خلفية التصريحات الغاضبة والمستفزة، التي أطلقها مسؤولون فرنسيون، إثر إصدار الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مرسوما يقضي بأداء النشيد الوطني الجزائري بشكل كامل في المناسبات الرسمية.
ويعني هذا المرسوم التأكيد على إدراج الفقرة الثالثة من النشيد الوطني التي تتوعد فيها الجزائر فرنسا، وترفضها باريس لهذا السبب.
ورغم أن أصواتا جزائرية طالبت في أكثر من مناسبة بغض النظر عن تلك الفقرة أو حذفها، لأنها تتضمن اسم فرنسا، إلا أن كاثرين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية، عبرت عن استيائها من إعادة ما “قد تجاوزه الزمن” حسب ما قالت.
وسبق أن جرى التغاضي عن الفقرة الثالثة، أو بالأحرى حذفت بشكل غير معلن، خاصة في عهدي الشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة.
ولا تزال مسألة اعتذار فرنسا عن ماضيها الاستعماري في الجزائر (1830-1962) من أسباب التوترات المتكررة بين البلدين.
كان الرئيس ماكرون قال في مقابلة نُشرت مطلع العام الجاري، أنه لن يطلب الصفح من الجزائريين عن استعمار فرنسا لبلدهم وهو أمر تصر عليه الجزائر.
وقال ماكرون في مقابلة مطولة أجراها معه الكاتب الجزائري كامل داود ونشرتها مجلة لوبوان “لست مضطراً لطلب الصفح، هذا ليس الهدف. الكلمة ستقطع كل الروابط”.
وأوضح الرئيس الفرنسي أن “أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول نحن نعتذر ويذهب كل منّا في سبيله”، مشددا على أن “عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب، إنه عكس ذلك تماما”.
وفي عام 2020، تلقت الجزائر بفتور تقريرا أعده المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا بناء على تكليف من ماكرون، دعا فيه إلى القيام بسلسلة مبادرات من أجل تحقيق المصالحة بين البلدين. وخلا التقرير من أي توصية بتقديم اعتذار أو بإبداء الندم، وهو ما تطالب به الجزائر باستمرار.
وساعدت الرحلة التي قام بها ماكرون ، في إلى الحزائر في آب أغسطس إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها بعد الأزمة التي أشعلتها تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021 واتهم فيها “النظام السياسي العسكري” الجزائري بإنشاء “ريع للذاكرة” وشكّك كذلك بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار.
وفي مقابلته مع لوبوان، أقر ماكرون بخطأ تصريحاته تلك، وقال “قد تكون عبارة خرقاء وقد تكون جرحت مشاعر” الجزائريين، معتبرا في الوقت نفسه أن “لحظات التوتّر هذه تعلّمنا. عليك أن تعرف كيف تمدّ يدك مجدّداً”.
وقالت مجلة لوبوان في تقريرها الأخير “واجهنا للتو ضربة جديدة إلى نسيج العلاقات الفرنسية الجزائرية بسبب قرار اتحذ هذا الأسبوع، لا لمنع استخدام اللغة الفرنسية في المدارس، بل لمنع برامج تدريس اللغة الفرنسية في القطاع الخاص، خاصة بهدف الحصول على البكالوريا الفرنسية، وذلك بعد تأجيل الزيارة الرسمية للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس عدة مرات”.
وخلال قمة الدول الفرنكفونية التي احتضنتها جزيرة جربة التونسية في نوفمبر/ تشرين ثاني 2022، اعترف الرئيس ماكرون بأن مكانة “لغة موليير” تتعرض لانتكاسات على جبهات عديدة خاصة في المنطقة المغاربية وأشار بالخصوص إلى فئات الشباب ووصفها ب “مقاومة شبه سياسية” للنفوذ الثقافي الفرنسي.
وحتى في تونس، تجاهل الرئيس الفرنسي الانقلاب الذي قاده الرئيس قيس سعيد في عام 2021 عندما نسف القوس الديمقراطي لعام 2011، وبالفعل أغلقت فرنسا عينيها وواصلت التنويه بتونس كحل لأزمة الهجرة غير النظامية كما يشير التقرير.
لكن القصر الرئاسي بقرطاج يواصل ترديد كلمة “السيادة” وعينه على موسكو ودول البريكس، كما أن ليبيا لم تعد محل زيارة بعد أن تفككت، ولا يبدو أن محاكمة الأموال الليبية المرتبطة بالرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ستحسن الصورة، وبالتالي فالطريق مسدود في كل اتجاه كما تقول المجلة.
لماذا ساءت العلاقة بين كل من الجزائر والرباط من جهة وباريس من جهة ثانية في الآونة الأخيرة؟
ما المسؤولية التي تتحملها باريس في توتر العلاقات مع العاصمتين المغاربيتين؟
هل لقضية الصحراء الغربية وموقف باريس منها علاقة بهذا التوتر؟
هل يصل التوتر حد القطيعة بين عاصمتي المغرب العربي وباريس على غرار ما جرى مع دول إفريقية؟
سنناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الأربعاء 4 تشرين الأول/أكتوبر
خطوط الاتصال تفتح قبل نصف ساعة من البرنامج على الرقم 00442038752989.
إن كنتم تريدون المشاركة عن طريق الهاتف يمكنكم إرسال رقم الهاتف عبر الإيميل على nuqtat.hewar@bbc.co.uk
يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message
كما يمكنكم المشاركة بالرأي على الحوارات المنشورة على نفس الصفحة، وعنوانها:https://www.facebook.com/NuqtatHewarBBC
أو عبر منصة إكس X على الوسمnuqtat_hewar@
كما يمكنكم مشاهدة حلقات البرنامج من خلال هذا الرابط على موقع يوتيوب