أخبار العالم

ورقة بحثية تتوقع تحقيق المغرب المزيد من المكاسب الدبلوماسية في الصحراء



في استعراضها المستجدات الدبلوماسية التي عرفتها قضية الصحراء المغربية وتحليل دلالاتها وآثارها المستقبلية على ملف النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية للمملكة، توقعت ورقة بحثية صادرة عن وحدة الدراسات المغاربية بـ”مركز الإمارات للسياسات” أن يواصل المغرب تحقيق المزيد من المكاسب الدبلوماسية، التي ستؤدي إلى إنضاج مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط، ومن ثم تحويله إلى خيار وحيد وأوحد لحل ملف الصحراء المغربية.

الورقة ذاتها، المعنونة بـ”تحريك الجمود: أبعاد النشاط الدبلوماسي حول ملف الصحراء وآفاق التسوية”، لفتت إلى أن ملف الصحراء المغربية شهد حراكا دبلوماسيا نشطا قبيل التقرير الذي سيوجهه الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن حول هذا الملف في نهاية الشهر المقبل، مشيرة إلى أنه رغم الجمود الطويل الذي عانى منه ملف الصحراء المغربية إلا أن تعيين وزير الخارجية الإيطالي الأسبق ستافان دي ميستورا في منصب المبعوث الأممي إلى الصحراء، في نونبر من العام 2021، مثل نقطة تحول هامة في هذا الملف الإقليمي.

في هذا الصدد سجل المصدر عينه أن المبعوث الأممي بدأ مهمته في ظروف اتسمت بمجموعة من التحولات، أبرزها القطيعة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر في غشت من العام 2021، واعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه في سياق “المعادلة الشرق الأوسطية الجديدة التي ولدتها الاتفاقيات الإبراهيمية بين بعض الدول العربية وإسرائيل”، إضافة إلى إعادة الرباط بناء رؤيتها للحل بطرح الحكم الذاتي النهائي بصفته الحل الوحيد الواقعي لهذا النزاع، وهو المقترح الذي حظي بتأييد عدد من البلدان، خاصة الإفريقية، التي ترجمت تأييدها بفتح قنصليات لها في مدينتي الداخلة والعيون؛ قس على ذلك الموقف الإسباني الأخير الذي دعمت من خلاله مدريد المقترح المغربي.

وحول إستراتيجية دي مسيتورا في هذا الإطار، سجلت الوثيقة عينها أنها ارتكزت أساسا على الزيارات الميدانية إلى منطقة النزاع وتبني خط الحلول الواقعية بدل التشبث بحل الاستفتاء الذي ظهر أنه مستحيل عمليا، مشيرة إلى أن هذه الرؤية الجديدة “انعكست على القرار الأممي الأخير رقم 2654 الذي نص على تحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول لهذا النزاع”؛ كما ارتكزت سياسة المسؤول الأممي على “ربط موضوع الصحراء بأزمات المنطقة في جوانبها السياسية والأمنية، وإخراج الملف من بعده الإقليمي الضيق إلى المجال الشرق أوسطي الذي يعرف راهنا حركية متسارعة”.

أما في ما يخص المواقف الإقليمية الراهنة من النزاع حول الصحراء المغربية فأشار المصدر ذاته إلى الموقف المغربي المتشبث بمشروع الحكم الذاتي، الذي أصبح المقياس العملي والنظري في العلاقات الخارجية للرباط، مقابل تبني الجزائر موقفا متشددا من هذا النزاع، لتبذل إثر ذلك “جهودا واسعة لمواجهة الدبلوماسية المغربية في إفريقيا، كما حاولت التأثير على الموقف الأمريكي الجديد”؛ فيما تتشبث جبهة البوليساريو بـ”خط الانفصال عن المغرب”.

وبخصوص الموقف الموريتاني، أشارت الورقة البحثية إلى انتقال نواكشوط، بعد وصول الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة، من “خط الموالاة للجزائر والبوليساريو إلى موقف أكثر حيادية ومرونة، مع اكتفائها في موقفها الرسمي بدعم مسار التسوية الأممية للنزاع، دون تفاصيل أو من دون تحميل طرف بعينه مسؤولية الاحتقان الدائم في المنطقة”.

وحول أبرز تجليات الاختراق الدبلوماسي المغربي في هذا الملف، لفت المصدر عينه إلى نجاح الرباط في استمالة طرفين أساسين لصالحها، هما الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، ثم ألمانيا التي عبرت وزيرة خارجيتها في لقاء بنظيرها المغربي في غشت من العام الماضي عن موقف متقارب مع الرؤية المغربية؛ فيما يبقى الموقف الفرنسي دون ما تأمله المملكة.

أما موسكو، التي تبدو أقرب إلى الموقف الجزائري، فسجلت الورقة البحثية أن “المغرب حريص على الإبقاء على علاقات متميزة معها من أجل تحييدها في هذا الملف الحيوي”، مع حرصه على عدم إدماجه في أزمة العلاقات الدولية الحالية. بينما تكتفي الصين عادة بسياسة الحياد في هذا النزاع، إذ صوتت لصالح قرار مجلس الأمن الأخير، وتحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف.

واستشرف التحليل ذاته ثلاثة سيناريوهات محتملة لحل النزاع حول الصحراء المغربية، أولها سيناريو الحل الدولي من خلال دعم المقترح المغربي للحكم الذاتي، مشيرا إلى أن واشنطن وعددا من الدول الأوروبية تتبنى هذا الحل، ومسجلا أن الأمين العام للأمم المتحدة “يبدو قريبا منه”، غير أنه “يصطدم راهنا بمعادلة الاستقطاب الدولي التي تحد من إمكانية التوافق بين القوى الكبرى حول الأزمات العالمية الساخنة”.

أما السيناريو الثاني فيتمثل في أحد الحلول البديلة، على غرار “حل الدولة المستقلة في إقليم وادي الذهب”، وفق البحث ذاته، مشيرا إلى “وجود تسريبات عن طرحه على طاولة النقاش من قبل الأوساط الرسمية الجزائرية”؛ أو حل “تنازل المغرب عن ممر أطلسي لصالح الجزائر في إطار عملية توافق إقليمي واسعة”، ومشددا في الوقت ذاته على أن حظوظ هذه الحلول البديلة ضعيفة ومحدودة.

وفي ما يخص سيناريو تصاعد التوتر والاحتقان في المنطقة، من خلال عودة الحرب إلى الإقليم وتزايد حدة سباق التسلح بين المغرب والجزائر، فلفتت الورقة البحثية إلى أنه “لا يبدو قويا في الوضع الحالي نتيجة توازن القوة بين الدولتين، وعجز البوليساريو عن استهداف القوات المغربية في الصحراء”.

ورجحت الورقة “استمرار مشهد الجمود في الصحراء”، مع استمرار الرباط في تحقيق المزيد من المكاسب السياسية والدبلوماسية لصالح مقترحها للحكم الذاتي، غير أنها لفتت في الوقت ذاته إلى أن “المعادلة الدولية الحالية لا تبدو ملائمة لتمرير الخيار، كما أن انفجار الموقف العسكري في المنطقة لا يبدو واردا، وبالتالي فإن السيناريو الأرجح هو جمود الموقف حتى لو كان المشروع المغربي سجل مكاسب متزايدة دوليا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى