انتخابات الرئاسة في مصر: ما الذي يدور في “معركة التوكيلات” قبيل المعركة الانتخابية؟
شروط كثيرة يتطلبها الترشح لخوض انتخابات الرئاسة في مصر المقررة نهاية العام الجاري، لكن هناك شرطا إجرائيا يبدو عقبة رئيسية حتى الآن أمام مرشحين محتملين بارزين.
يتمثل هذا الشرط في حصول المرشح على دعم وتوقيع 20 نائبا في مجلس النواب، أو الحصول على توكيلات انتخابية بالترشح من 25 ألف مواطن، موزعين على 15 محافظة على الأقل بحد أدنى ألف توكيل من كل محافظة.
لن تمثل تلك العتبة صعوبة أمام الرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، الذي يدعمه نواب حزب “مستقبل وطن” وحزب “حماة الوطن” وآخرون، أو حتى لمرشح حزب الوفد، عبدالسند يمامة، الذي لديه 26 نائبا وفديا في مجلس النواب، لكن ربما تبدو صعبة أو مستحيلة لآخرين.
وأبدى سبعة سياسيين مصريين على الأقل رغبتهم في الترشح حتى الآن، وهم عضو مجلس النواب السابق والرئيس السابق لحزب الكرامة، أحمد طنطاوي، ورئيس الحزب الاجتماعي الديمقراطي فريد زهران، ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، ورئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد فؤاد بدراوي.
ولشدة وصراحة انتقاداته لنظام السيسي، يعد طنطاوي أبرز المرشحين المحتملين، كما بدا له تأييد واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت صفحات مؤيدة له تضم إحداها أكثر من 160 ألف عضو.
وشكا مؤيدو طنطاوي على مواقع التواصل الاجتماعي من التضييق عليهم، ومنعهم من تحرير التوكيلات لمرشحهم المحتمل بأساليب مختلفة، منها تعنت موظفي مكاتب التوثيق (الشهر العقاري) وتقديمهم أعذارا متنوعة، مثل تعطل منظومة العمل الإليكترونية أو انقطاع الكهرباء أو ضرورة حجز دور وراء حشود كبيرة مصطنعة.
وقال آخرون إنهم تعرضوا لمضايقات، وصلت لحد الاعتداء بالضرب من جانب بلطجية (خارجين على القانون) مدعومين من الشرطة، وربما تم احتجازهم من قبل الشرطة.
“مضايقات واحتجاز”
يقول عصام، ويعمل بإحدى المؤسسات الحكومية، إنه ذهب يوم الثلاثاء 26 من سبتمبر/ أيلول الجاري لتحرير توكيل انتخابي لطنطاوي في مكتب التوثيق المجاور لمركز شرطة حلوان جنوبي القاهرة، إلا أنه منع من جانب الشرطة وبلطجية.
وقال: “أنا أقطن في منطقة شعبية حيث يعرف الناس بعضهم بعضا، وحين ذهبت للشهر العقاري وجدت أناسا أعرف أشكالهم من المسجلين خطر والخارجين على القانون محتشدين هناك”.
ويهدف ذلك الحشد إلى ترويج صورة بأن الناس محتشدة لتحرير توكيلات انتخابية للرئيس السيسي، حسب عصام.
وأضاف في اتصال مع بي بي سي: “حين وصلت استوقفني أمين شرطة (مساعد ضابط)، وبعد أن علم برغبتي أخبرني بأن منظومة العمل الإليكترونية متعطلة، كما علي أن أنتظر دوري وراء ذلك الحشد من الناس”.
“غادرت وعدت ثانية قبيل انتهاء موعد العمل بساعة، إذ استوقفني رجلان ضخما الجثة يرتديان الزي المدني وسألاني ماذا تريد؟ وحين أخبرتهم، قالا: (مفيش توكيلات) فجادلتهم، فطلبا مني أن أتحدث إلى الضابط الموجود بالقرب”.
وحين أبلغ عصام الضابط بنيته عمل توكيل انتخابي طلب منه أن يقف وراء المحتشدين، وأبلغه في ذات الوقت أن منظومة العمل الإليكترونية متعطلة.
ويقول: “فلجأت لحيلة، وقلت له أنا أريد أن أعمل توكيل للرئيس السيسي فطلب مني بطاقة هويتي وقال: سأحرر لك التوكيل في غضون دقائق”.
ويضيف: “قلت له حينها: كيف عادت المنظومة للعمل الآن؟ فرد مبتسما: الأمر كما أنت تفهم (في إشارة لدعم الرئيس السيسي)، فرددت قائلا: عذرا، لقد نسيت بطاقة هويتي في المنزل، وغادرت”.
ويقول محمد وهو أحد مؤيدي طنطاوي إنه، أثناء محاولته توثيق توكيل في مدينة شربين بمحافظة الدقهلية، تم احتجازه من قبل الشرطة لفترة وجيزة.
ويضيف: “فور دخولي مكتب التوثيق وعلمهم برغبتي، فوجئت برئيس الأمن الوطني في شربين، وقد جاء من خلفي وأمسكني من يدي وقال تعالى معي دون أن تتحدث”.
“اصطحبوني في توكتوك (مركبة صغيرة ذات ثلاث عجلات). حدث هذا في مكتب توثيق قرية “الحصص” بمركز شربين بالدقهلية”.
ويضيف أن اثنين من أمناء الشرطة احتجزوه لفترة وجيزة داخل التوكتوك، وصادرا هاتفه وبطاقة هويته، قبل أن يعيداهما إليه طالبين منه أن يغادر وأن يتخلى عن فكرة عمل توكيل.
وأعلن طنطاوي، مساء الثلاثاء 26 سبتمبر/ أيلول، تعليق حملته الانتخابية لمدة 48 ساعة احتجاجا على ما وصفه بالتضييق على مؤيديه، وقال في بث مباشر عبر موقع فيسبوك إن حملته لم تجمع سوى توكيلين فقط حتى ذلك الوقت.
ويوم الخميس، تقدم طنطاوي إلى المحكمة الإدارية العليا بطعنين قضائيين، ضد رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، مطالبا بقيام الهيئة “بكل ما يلزم لتأمين حقوق المواطنين في تحرير توكيلات، دون منع أو إكراه أو ترهيب أو اعتداء من أي جهات أو أشخاص”.
“شركاء المعركة”
الأمر لم يقتصر على مؤيدي طنطاوي، إذ تحدثت المرشحة المحتملة جميلة إسماعيل عن مضايقات واجهها مؤيدوها في عمل توكيلات.
وأشارت إلى أن بعضهم حقق المهمة بنجاح، بينما واجه آخرون “اختبارا أصعب”.
وكتبت عبر صفحتها على فيسبوك: “تم منع عدد من مؤيدينا من تحرير توكيلات لنا، في عدد من مقار الشهر العقاري بالقاهرة والمنوفية والدقهلية، ولم يكن المنع فقط بالمماطلة والتضييق بل وصل للتحرش والعنف الجسدي تجاه إحدى السيدات”.
وأضافت: “مشاركتنا في معركة التوكيلات هي محاولة منا لانتزاع حق الشعب المصري في انتخابات، تتمتع بالحد الأدنى من الجدية. نخوض هذا كتفا بكتف مع كل من قرر اختيار هذا الخيار من مرشحي المعارضة لاستكمال شروط الترشح”.
كما أثار الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي يقوده المرشح المحتمل فريد زهران مسألة عرقلة التوكيلات، وتقدم نائب رئيس الحزب وعضو مجلس النواب، فريدي البياضي، بسؤال برلماني موجه لوزير العدل ورئيس الوزراء بهذا الشأن.
وجاء فيه: “وردت إلينا العديد من الشكاوى من مواطنين تقدموا لتحرير توكيلات لمرشحيهم للرئاسة، سواء للسيد فريد زهران أو لمرشحين آخرين، إلا أنهم فوجئوا برفض الموظفين تحرير أي توكيلات لمرشحين غير الرئيس الحالي”.
وأضاف أن “موظفي الشهر العقاري قدموا أعذارا واهية، وذكر الشاكون أنه في نفس الوقت قام نفس الموظفين بتحرير توكيلات للرئيس الحالي”.
وتساءل النائب: “هل ترغب الحكومة بحق، كما نرغب نحن، في أن تكون الانتخابات الرئاسية القادمة خطوة هامة في بناء مسار ديمقراطي؟”
“تشكيك وتطاول”
من جانبها رفضت الهيئة الوطنية للانتخابات، المشرفة على الانتخابات الرئاسية في مصر، هذه الاتهامات وقالت في بيان مساء الخميس إنها “تابعت بأسف شديد ما أثاره البعض من تشكيك وتطاول غير مقبول على عملها” في الإشراف على الانتخابات المرتقبة.
وقالت إن جميع الإجراءات والقرارات التي اتخذتها في سبيل إجراء الانتخابات “تتفق مع أحكام الدستور والقوانين والمعايير الدولية في هذا الشأن، وأن عملية تنفيذها تتم بشكل منضبط ويتسق مع ما حددته الهيئة”.
كما شددت على أنها “لن تقبل أن يتم التشكيك في عملها، أو الزج بها في ادعاءات كاذبة”، مؤكدة على “عدم وقوع أي مخالفات أو أعمال محاباة لأحد قط، من قبل الجهات الحكومية المكلفة بتنفيذ قرارات الهيئة المتعلقة بالانتخابات ومن بينها مكاتب التوثيق التابعة لمصلحة الشهر العقاري، المكلفة بتحرير توكيلات للراغبين في الترشح”.
وقال محمد سلطان، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب عن حزب مستقبل وطن، إن أجهزة الدولة تقوم بجهود كبيرة لضمان نزاهة الانتخابات الرئاسية، وتعمل على “توفر كل الضمانات لجميع المرشحين”.
كما أن المرشح المحتمل عبدالسند يمامة، الذي يعتبره معارضون مواليا للرئيس السيسي، أكد في وقت سابق أنه “يرى في الإشراف القضائي الضمانة الكافية لنزاهة الانتخابات”.
وحتى كتابة هذا التقرير، أفادت صحف محلية بأن كلا من عبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد وحازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري، قد حققا الحد الأدنى من توقيعات النواب اللازم للترشح، بينما حصل فريد زهران رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي على دعم أربعة نواب فقط.
أما الرئيس السيسي فقد حصل على توقيعات كافية من نواب حزب “مستقبل وطن” وحزب “حماة الوطن” وآخرين، كما أنه من المتوقع أن يحصل على التوكيلات الشعبية أيضا.
ورغم عدم إعلانه رسميا عزمه الترشح حتى الآن، إلا أنه أمر شبه مؤكد وفق محللين ووفق وسائل إعلام محلية مقربة من نظامه.
يذكر أن السيسي جاء إلى السلطة عقب إزاحته للرئيس المنتخب حينذاك، محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بانقلاب عسكري دعمته مظاهرات شعبية، جرت في يونيو/ حزيران عام 2013.
وتولى الرئاسة بعد فوزه في انتخابات عام 2014، أمام مرشح واحد فقط هو السياسي اليساري حمدين صباحي.
كما فاز بانتخابات عام 2018 أمام مرشح واحد هو رئيس حزب الغد، موسى مصطفى موسى، الذي أكد مع إعلانه الترشح أنه مؤيد للسيسي، فيما اعتبره معارضون “مسرحية هزلية”.
كانت فترة الولاية الرئاسية 4 سنوات وفقا للدستور المصري، لكن تم تمديدها إلى 6 سنوات في تعديلات دستورية أقرت عام 2019، ما مدد الفترة الرئاسية الثانية للسيسي حتى مطلع أبريل/ نيسان عام 2024، كما سمحت له بالترشح لولاية ثالثة تستمر حتى عام 2030.
لكن جرى تقديم موعد الانتخابات بنحو أربعة أشهر لتجري نهاية العام الجاري، وسط تكهنات بأن السبب وراء ذلك هو الحاجة الملحة لاتخاذ قرارات اقتصادية قاسية، أبرزها تعويم جديد محتمل للجنيه المصري، ما قد يثير غضبا شعبيا ربما يؤثر على الانتخابات.