أخبار العالم

الانقلابات وتراجع فرنسا يسيلان لعاب إيران بإفريقيا .. والمغرب مهدد بالاستهداف



يبدو أن تراجع النفوذ الغربي، خاصة الفرنسي، في منطقة الساحل، الذي كان آخر تمظهراته إعلان الرئيس الفرنسي، بضغط من السلطة الجديدة في النيجر، عن إنهاء الوجود العسكري والدبلوماسي في هذا البلد الإفريقي؛ يوفر أرضية خصبة لبعض الدول الأخرى من أجل التغلغل في المنطقة وخدمة أجندتها السياسية والاقتصادية المعلنة منها وغير المعلنة.

في هذا الصدد سلط تقرير لمركز التفكير الأمريكي “ستيمسون” الضوء على الفرص التي توفرها الانقلابات الأخيرة في منطقة الساحل وتراجع النفوذ الغربي فيها لإيران لتعزيز شراكاتها الجيو-سياسية ودعم اقتصادها، مشيرا إلى أن طهران ترى كغيرها من المناهضين للتوجه الغربي أن “الانقلابات فرصة جيوسياسية قيمة لتعزيز علاقاتها مع إفريقيا وعلى نطاق واسع مع الجنوب العالمي”.

وأشار المصدر عينه إلى خطابات المسؤولين الإيرانيين في هذا الإطار، آخرهم الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي أشاد خلال زيارته الأخيرة إلى كل من أوغندا وزيمبابوي وكينيا بـ”مقاومة البلدان الإفريقية ضد الاستعمار، باعتبارها رمزا لصحوتها ويقظتها”، مسجلا أن طهران تربطها علاقات عميقة مع بعض الدول في منطقة الساحل، خاصة مالي وبوركينافاسو.

في السياق ذاته لفت التقرير إلى أن “التزام المجلس العسكري الحاكم في بوركينافاسو بإيديولوجية مناهضة للإمبريالية ووحدة إفريقيا يعكس كذلك موقف إيران المناهض للغرب”، مشيرا إلى الزيارة الأخيرة لوزيرة خارجية هذا البلد الإفريقي، أوليفيا روامبا، إلى إيران، حيث التقت بمسؤولين إيرانيين على رأسهم رئيسي الذي أعرب عن استعداد بلاده لـ”نقل تجاربها وإنجازاتها إلى الدول الصديقة، خاصة في إفريقيا”.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية عن المسؤولة البوركينابية قولها إن بلادها “ملتزمة بتعزيز التعاون المتبادل مع إيران”، مشيرة إلى أن “الدول الإفريقية بما فيها بوركينافاسو تستمد الإلهام من مقاومة ومثابرة الثورة الإسلامية ضد الغطرسة والإمبريالية”.

كما أشار مركز التفكير الأمريكي إلى زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، علي باقري، إلى واغادوغو في يناير الماضي، فيما زار وزير الخارجية الإيراني نفسه مالي في العام الماضي، حيث تحدث حينها عن “مكانة مالي المهمة في السياسية الخارجية لبلاده وثقته في فتح فصل جديد في العلاقات بين البلدين”.

وسجل المصدر عينه أن “إيران إلى جانب روسيا تأملان ملء الفراغ الذي خلفه رحيل فرنسا عن المنطقة، ومساعدة الجيش المالي على هزيمة الجهاديين الإسلاميين السنة”، لافتا إلى أن “القيادة الإيرانية تحاول إقناع المسؤولين الماليين بالنظر إلى طهران كشريك قوي في هذا الصراع ضد الإرهاب”، مستندة في ذلك إلى “سجلها وتجربتها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام”.

ورغم هذه حضور البعد الإيديولوجي في أجندة إيران الخارجية في المنطقة فإن الاقتصاد بدوره يلعب دورا مهما في هذه الأجندة، ذلك أنه “مع العقوبات الغربية المستمرة عليها وفشلها في إحياء الاتفاق النووي فإن طهران تتطلع إلى الشرق والجنوب بحثا عن طرق للتحايل على العقوبات وتعزيز اقتصادها المدمر”.

في السياق نفسه، لفت التقرير إلى أن “مالي وبوركينافاسو ودول أخرى في الساحل تعد مستودعات رئيسية للذهب واليورانيوم والليثيوم والفوسفاط وغيره من الموارد الطبيعية القيمة”، مشيرا إلى أن “الصفقات بين الحكومة الإيرانية وهذه الدول ستوفر لشركات طهران فرصا كبيرة لاستغلال هذه الموارد الطبيعية وتجاوز العقوبات”.

وخلص المصدر ذاته إلى أن “تصميم طهران على تنمية نفوذها في الساحل وغرب إفريقيا لا يهدف إلى تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة، بقدر ما هو جزء من إستراتيجيتها لتجاوز عزلتها الدولية”، مشيرا إلى أن “الموجة الانقلابية الأخيرة في المنطقة توفر فرصة كبيرة لإيران لتعزيز أجندتها المناهضة للغرب على الساحة الإفريقية”.

مخاطر وأهداف توسعية

هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، قال إن “خطورة التواجد الإيراني في منطقة الساحل والصحراء ومحاولة طهران التغلغل لإيجاد موقع قدم لها في الديناميكية الجيو-إستراتيجية التي تعرفها المنطقة تندرج في إطار أجندات خارجية تحاول إيران تنزيل جزء منها من أجل ضرب الاستقرار السياسي والأمني لعديد من الدول في المنطقة، التي تعتبرها ذات خلاف عقائدي معها أو فاعلا صاعدا يهدد مخططاتها الإيديولوجية، أو دولة تزعج مصالح قوى تقوم لهم طهران بدور محدد في المنطقة”.

وأضاف معتضد أن “بعض الفاعلين الإقليميين وضمنهم ايران يحاولون أيضا نقل ثقافات الصراع الجيو-سياسي في منطقة الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا والساحل والصحراء، من أجل خلق أسواق جيو-إستراتيجية جديدة تفتح آفاقا تتيح لهم تسويق منتجاتهم الفكرية والعسكرية والثقافية والاجتماعية، باعتبار ذلك جزءا من مخططهم الدولي”.

“إيران ترى في منطقة الساحل والصحراء متنفسا جديدًا لتفريغ عقدها العقائدية ذات الأبعاد السياسية والمرتبطة أساسًا بالهيمنة الفكرية من أجل خلق مناطق نفوذ خارج فضائها الجغرافي، ولو على حساب أمن الشعوب واستقرار الدول ومستقبلها السياسي”، يسجل المتحدث عينه، موضحا أن “إيران تشكل تهديداً حقيقياً وإستراتيجياً وأمنيًا مباشراً بالنسبة للمغرب وللمنطقة، لأن روح تحركاتها مبني على أسس عقائدية محضة وأهداف توسعية فكرية محددة، وترى في البنية السياسية للمغرب وهيكلة بنيته الفكرية سداً منيعًا لمخططها في الفضاء الإفريقي”.

ولفت المحلل ذاته إلى أن “المحاولات الإيرانية لإضعاف المغرب من الداخل وتهديد مصالحه الإستراتيجية ليست وليدة اليوم، ولكن هدف تحييد، أو على الاقل إضعاف دور الرباط الإستراتيجي في فضائها الطبيعي والدولي كان من المقاصد المستعجلة للقيادة الإيرانية في المنطقة منذ إدراج المغرب في خانة المنافس العقائدي للتوجهات الإيرانية”.

نجاح أمني ويقظة ضرورية

شدد معتضد على أن “المغرب نجح سياسيا وأمنيا في صد كل المحاولات الإيرانية لاختراق مجالاته الداخلية والمساس الكبير بمصالح الإستراتيجية على المستوى الخارجي”، وزاد: “أظن أن التحالفات الأمنية والدفاعية الأخيرة للرباط ستحصن أكثر مكتسباتها الحيوية، وستساعدها على إحباط الأجندات الخارجية، التي تسهر إيران على تدبير جزء مهم منها في محاولة للمساس بمصالح المغرب واستهداف أمن واستقرار المنطقة”.

وحول سر الاهتمام الإيراني المتنامي بالقارة الإفريقية، خاصة منطقة الساحل والصحراء، سجل المتحدث ذاته أن “التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط دفعت إيران إلى محاولة نقل مخططاتها خارج فضائها السياسي ومحيطها من أجل البحث عن بدائل إستراتيجية لتحركاتها التي تستجيب لرؤية العديد من فرقائها الداخليين، الذين يسعون دائمًا إلى فتح جبهات خارجية من أجل تحقيق أهداف عقائدية تستجيب للتطلعات الإستراتيجية للدولة الإيرانية”.

وخلص المحلل إلى وجود “استعداد إيراني كبير وجدي لنقل جزء مهم من حركتيها السياسية والإستراتيجية نحو شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، وهذا التوجه بدأ يتوسع بشكل كبير إثر الديناميكية الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة، وهو ما يحتم يقظة جادة وأكثر حزمًا في مراقبة جل التحركات الإيرانية في الفضاء الإفريقي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى