حريق الحمدانية: “الحريق كان كالجحيم”
- Author, إيثار شلبي
- Role, بي بي سي نيوز عربي
“كان الحريق في القاعة مثل الجحيم. حاولت أنا وأصدقائي اقتحام الباب المغلق للقاعة ولكن لهيب النيران أجبرنا على الابتعاد”. بهذه العبارة روى لي غالي نسيم، لحظات محاولته إنقاذ أصدقائه الخمسة، ممن كانوا داخل قاعة أفراح التهمتها النيران في محافظة نينوى شمالي العراق مساء الأربعاء.
هرع غالي إلى موقع “قاعة الهيثم” الموجودة في قضاء الحمدانية، بعد أقل من خمس دقائق من اندلاع الحريق فيها، وتمكن من الدخول فيها بعدما نجحت فرق الدفاع المدني في السيطرة الأولية على النيران.
“أنا في حالة صدمة. إنها مأساة حقيقة، كان هناك 26 شخصا ميتا أمامي في الحمام، ورأيت طفلة تبلغ من العمر نحو 12 عاما محترقة تماما في أحد زوايا القاعة”. يقول غالي إن أصدقائه خرجوا بسلام من القاعة، ولكنه أصيب بجروح سطحية في يده.
تحولت المناسبة السعيدة إلى “شعور عام بالكآبة” ليس في نينوى فحسب، بل في كل أنحاء العراق، هكذا وصف لي غالي شعوره بعدما شهد الحريق الهائل، الذي قال لي إنه أودى بحياة جميع أفراد ثلاث عائلات على الأقل، ممن يعرفهم معرفة وثيقة.
يقول شهود عيان إن الحريق اندلع داخل القاعة بعد لحظات من رقصة أولى للعريس والعروس، ترافقت مع إطلاق ألعاب نارية داخل القاعة، ما أشعل النيران في السقف. أمر أكده لي العميد جودت عبد الرحمن، المتحدث باسم الدفاع المدني العراقي، الذي قال لبي بي سي إن الحريق اندلع بسبب “مخالفات” في مواد البناء التي وصفها “بسريعة الاشتعال” وتشمل مادة الأيكوبوند. وقال إن “الألعاب النارية هي السبب الأولي لاندلاع الحريق”.
ووفقا للمسؤول العراقي، تمت السيطرة على الحريق الذي اشتعل حوالي الساعة 10:30 بالتوقيت المحلي للعراق، بعد “ساعتين تقريبا” من اندلاعه، مضيفا أن الدفاع المدني أنهى العملية تماما “في حدود الساعة الثالثة صباحا تقريبا”.
وقالت السلطات العراقية إن الحريق أودى بحياة نحو 100 شخص، وإصابة العشرات، وهي حصيلة غير نهائية.
“أخي فقد أكثر من نصف عائلته”
بصوت مرتعش ساد عليه التوتر والحزن، تحكي لي إيسان عن أخيها الذي كان وعائلته داخل القاعة وقت اندلاع الحريق.
“غزوان أخي كان مع زوجته وأبنائه الثلاثة في العرس داخل القاعة. هو من أصدقاء العريس. استطاع أن يخرج هو سالما، لكن ابنته الصغيرة أصيبت بحروق بالغة، أما زوجته وابنه وابنته الآخرون فهما لا يزالون في عداد المفقودين جميعا”.
لم تستطع إيسان أن تتمالك نفسها عن البكاء عندما قالت لي إن أخاها الآن يتنقل من مستشفى لأخرى في محاولة للعثور على أفراد عائلته. “لقد فقد هاتفه في الحفل أثناء الحريق ولا نستطيع معرفة المستجدات منه لا نعرف إن كان عثر عليهم أم لا، هو في حالة سيئة للغاية، إذ فقد أكثر من نصف عائلته”.
أما تومي عدي، نجل إيسان، فكان هو الآخر في الحفل، ولكنه قال لي إنه نجح في الخروج بسرعة من القاعة فور رؤيته لدخان أسود يخرج من سقف القاعة. “أنا كنت بالصدفة موجودا بجانب أحد المخارج الرئيسية للقاعة وخرجت فورا”. قال لي تومي، البالغ من العمر 17 عاما، إنه رأى الجميع يحاول الخروج من البوابة الرئيسية التي دخلوا منها. فلم يستغرق الوقت “أكثر من خمس دقائق حتى التهمت النيران القاعة بأكملها”.
“غالبية المصابين من النساء والأطفال”
في مركز الموصل التخصصي للحروق، تحدثت لنا رئيسة الممرضات إسراء محمد عن لحظات استقبالها نحو 200 مريض ممن كانوا داخل القاعة. “الوضع صعب للغاية، أكثر من 50 في المائة ممن وصلوا إلينا أصيبوا بجروح طالت أكثر من 98 في المئة من أجسادهم”.
وأضافت الممرضة التي لم تتوقف عن استقبال الجرحى منذ منتصف ليل الأربعاء أن غالبية المصابين كانوا من النساء والأطفال. وقالت بنبرة حزينة: “للأسف، وصل خمسون طفلا متوفين بالفعل”. وعزت إسراء حالات الوفاة إلى الحروق البالغة والاختناق.
تم توجيه الحالات الصعبة لمستشفيات أخرى في المدينة لأن المركز “لن يتحمل جميع المصابين” وفقا لإسراء التي قالت إن الطاقم الطبي بدأ يعاني من نقص في بعض المواد الطبية اللازمة لعلاج المرضى.
أما الطبيب وعد سالم، في المركز ذاته، فقال إن غالبية الحروق التي رصدت في المصابين كانت في مناطق الوجه والصدر واليدين، مشيرا إلى أن حروق الدرجة الأولى سجلت فقط في 20 في المائة من جمالي عدد المصابين الذين وصلوا إلى المستشفى.
أما عن غالي وأصدقائه الخمسة، فهم لا يزالون في حالة “صدمة” تسيطر عليهم، كما يقول لي الشاب العراقي الذي يؤكد لي أن مشهد ألسنة النيران لا تفارق مخيلته حتى الآن.