أخبار العالم

ورقة تستطلع مستقبل “الدراسات الاستشرافية” في زمن الذكاء الاصطناعي الشامل



قاربت ورقة بحثية حديثة عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد معطيات هامّة، وهي بعنوان “الجنوب ومستقبل الدراسات الاستشرافية في زمن الذكاء الاصطناعي العام”.

وضمن أبرز خلاصاتها، أكدت الورقة، التي ألّفَها المصطفى الرزرازي، الأستاذ الباحث في “إدارة الأزمات والدراسات الأمنية” وباحث رئيسي في مركز سياسات الجنوب الجديد يركز على دراسة الإرهاب وقضايا الأمن وشرق آسيا، أنه “لكــي يمتلِك الإنسان من دول الجنوب مســتقبلَه يتعين عليه امتــلاك كل وسائل الفهــم والتخطيط والأداء والتأثيـر المسـتبصِر، وغيرهـا مـن الكفايـات التـي تؤمِّن له مواكبة السير مـن الحاضـر نحو المسـتقبل”.

“مخاوف مشروعة”

الورقة البحثية، الواقعة في حوالي 20 صفحة (طالعتها هسبريس)، سجلت بوضوح أن “ارتفـاع منسـوب المخـاوف بيننـا بسـبب مـا يعتمل مـن تحولات تكنولوجيـة متسـارعة اليـوم، تبدو كلهـا مشـروعة”، مفسرة ذلك بأنه “لا نريـد أن نواجه معركتـيْ تحريـر في آن واحد: تحريـر المسـتقبل مـن مطبّات الماضـي ومقالب هيمنـة الشـمال، ومخاطـر معركـة تحريـر المسـتقبل من سـيطرة الآلة”.

وأوضح الرزرازي في تمهيد عام لورقته سياق نزولها، ويتمثل في “احتضان جامعة محمد السادس متعددة التخصصات بالرباط، قبل أسابيع، فعاليتيْن تُعنيان بالدراسات الاستشرافية، بمشاركة نخبة متميزة من الباحثين والخبراء الدوليين في الاستشراف الاستراتيجي والتنمية المستدامة، الذين تداولوا وضعية الدراسات الاستشرافية في العالم”، مذكّرا بأنه تمت مناقشة “تجديد النظر في منهجيات التوقع وبناء سيناريوهات المستقبل في ظل التحولات السريعة للتكنولوجيا الرقمية، واتساع مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية في عالم يعيش حالة عدم اليقين”.

ويرى مؤلف الورقة أن كل ذلك “يستدعي مرونة في التفكير والتخطيط للمستقبل، حيث يمكن أن يحدث تغيّر مفاجئ في المشهد التكنولوجي وتأثيره على مختلف القطاعات”.

“وبينما كانت الندوة الأولى دولية الأفق، مع الانشغال بالبحث في سبل ترسيخ الممارسة الاستشرافية بدول العالم الإسلامي، اتخذت الفعالية الثانية منحى قارياً إفريقياً، وركزت على مناقشة الممارسات التوقعية والاستشرافية والرؤية المستقبلية في إفريقيا، والتوجهات الكبرى التي تؤثر بشكل كبير في تشكيل مسار مستقبل القارة السمراء”، يسترجع الباحث ذاته، قبل أن يؤكد وجود “حاجـة ملحـة لرصـد التوجهـات التكنولوجيــة ومتابعــة تطوراتهــا وفهــم كيفيــة تأثيرها علــى مختلف الصناعات والقطاعات، بما يشمل الابتكارات فــي مجالات الذكاء الاصطناعي، والتعلّم الآلي، والروبوتات، والاستشعار الذكي، والواقـع الافتراضي، وسلسلة الكُتل (البلوكتشين)، وتحليل البيانات الضخمة وغيرهـا…”.

أربعة انشغالات

بحسب الورقة، فإنها تحديات تطرح “أربعة انشغالات تحتاج إلى معالجة خاصة ومستَعجَلَة من لدن علماء الدراسات المسـتقبلية والاستشراف، والخبراء العاملين في الدراسات الاســتراتيجية وبناء وصنع السياسات العامـة”.

وأضافت أن “مجال الاشتغال العلمي يؤكد أن المجتمـع يتشـكل مـن البشـر وبواسطتهم، لكـن مـع انتشـار تقنيـات التعلـم الآلـي والـذكاء الاصطناعـي مـن الواضـح أن هـذا لـم يعـد هـو الحـال. إذ باتـت مليـارات الأنظمة الآليـة تسـاهم ضمنيـاً فـي البنـاء الاجتماعي للواقـع عبر رسـم الفـروق والتمايـزات الخوارزميـة بيـن المرئــي وغير المرئــي مــن داخل المنصات وخارجهـا”.

وأثار الرزرازي أهمية “مقاربــة الخوارزميات مــن منظــور السوســيولوجيا الرقميــة، واعتبارهــا وكلاء اجتماعييـن يشاركون بنشاط فــي الحيــاة الاجتماعية؛ مما يجعــل فضولنـا يمتــد نحو محاولــة فهــم كيفية تشكيل المجتمع بـ”الكـود” الخوارزمــي، وكيــف تقــوم هــذه الثقافة فــي “الكود” بتوجيــه الســلوك العملــي للرمــز فــي الثقافــة، وإعــادة تشــكيل المجتمــع بــدوره”.

البشرية تجد نفسها أمـام “بيئـة الآلة”، التـي سـتلعب دور الآلية المولّدة فـي العمـل عبـر عـدد لا يحصـى مـن حلقـات التغذية الراجعــة feedback loops، التــي تربــط البشــر بــوكلاء اجتماعييــن اصطناعييــن، فــي ســياق بُنـَـى تحتيـة رقميـة وهيـاكل اجتماعيـة مـا قبـل رقميـة.

تزويد الشباب بالمهارات الرقمية

“عنــد النظــر إلى المســتقبل ثمة اليوم حاجة لمراعاة أمرين اثنين: التركيز على الشباب، وتزويدهـم بالمهارات الضرورية لمواجهـة تحديـات المسـتقبل”، يورد الباحث في إدارة الأزمات، منبها إلى “الوعي بأن الشـباب بصدد تشـكيل قطائـع مـع جيــل المخضرمين، تسـير نحو بناء جيل المواطنيـن الرقميين Natives Digital “.

وعرّفت الورقة الجيل الرقمي الجديد بأنه “الأشخاص الذين وُلدوا أو نشؤوا خلال العصر الرقمي ولديهــم مستويات عالية مــن الإلمام بأجهزة الكمبيوتر والإنترنت والتكنولوجيا الرقمية منذ سـن مبكــرة، وبالتالي لديهم قبول أعلى للخدمات المتعلقة بالشبكة، كما أنهم مستخدمون متحمّسون لوسائل التواصل الاجتماعي”.

عام 2030.. “تجديد النظر الاستشرافي”

الرزرازي عدَّ عام 2030 حاسمًا لتقييم الخطط ومحطة أساسية لتجديد النظر الاستشرافي وسط أكثر مــن 124 اســتراتيجية أو رؤيــة استشــرافية شــاملة أو قطاعيــة فــي العالــم (وطنيــا أو إقليمياً أو دوليـا)، ربمـا تتصدرهـا أمميـاً خطـة التنميـة المسـتدامة لعـام 2030 و”إطـار سـنداي للحـد مـن مخاطـر الكـوارث” 2030-2015.

وتابع مستنتجاً أن كل استراتيجية ســتضطر للتسابق مــن أجـل “سدّ الفجــوة الرقميـة ضمـن الجـدول الزمنــي المحدد لها بحلول عام 2030 مع الوصـول إلــى أهدافهــا، دون تفويـت فرصــة تكييف إنجازاتها مـع متطلبـات الابتكارات التكنولوجيـة المتسـارعة فـي مجـال الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومـات، التّـي ستُغيّر الحالة الذهنيـة والنفسية لساكنة عام 2030 فــي التعاطــي مـع “الإنجازات” وتقييمهـا”. كما توقع أن “تكـون المحاسَبة مـن طـرف المواطنين الرقميين عَصِيّة لجيـل المخضرَمين”.

وخلص إلى أنه “لم يعُد يفصلنا عــن عـام 2030 إلاّ بضـع سنوات، تسير علــى وقــع تغيــرات مفصليـة حدثــت منـذ 2020؛ تتصدرهـا أزمـة “كوفيـد-19″، وتداعيات الصـراع الروسـي الأوكرانـي، والتحولات الكبرى التـي تشـهدها منطقـة الشـرق الأوسط، فضلا عن التسارع التكنولوجي الجديـد، وهـو مـا أثـر فعـلا علـى التوقعات السابقة، وسـيؤثر حتمـاً علـى الأجندات المقترنـة بهذا التاريـخ شبه السحري”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى