أخبار العالم

الكنبوري يكتب عن انتصارات دبلوماسية في التدبير السياسي لـ”زلزال الحوز”



قال الباحث والكاتب إدريس الكنبوري، في حديثه عن “زلزال الحوز”: “خَلْفَ التدبير التقني والإنساني للكارثة الذي نهضت به الدولة والمواطنون، هناك نوع آخر من التدبير هو التدبير السياسي للكارثة، الذي ستكون له بدون شك انعكاسات على صورة المغرب الخارجية خلال المرحلة المقبلة”، مشيرا إلى أن “المغرب اختار منذ بداية الكارثة أسلوبا خاصا في التدبير السياسي، فلم يفتح الباب أمام جميع الدول لتقديم المساعدات الإنسانية والتقنية”.

وأشار الكنبوري، في مقال له، إلى أن “المغرب سجل نقاطا عدة لصالحه تجاه الخارج وتجاه شركائه بوجه خاص”، مؤكدا أن “فرنسا تشعر بأنها الشريك الذي لم يعد مرغوبا فيه من لدن المغرب، أو على الأقل لم يعد بذلك الوزن الذي كان يحظى به في الماضي”، قبل أن يخلص إلى أن “المغرب ربح سياسيا من كارثة الزلزال، واستطاع تغيير المعادلة الخارجية بما يراه متوافقا مع مصالحه”.

هذا نص المقال:

إذا كان زلزال الحوز الذي ضرب المغرب قد شكل علامة بارزة لظاهرة “موت السياسة” في المغرب، بسبب غياب التواصل الحكومي مع المواطنين واختفاء الأحزاب السياسية، مما أدى إلى انتقاد شعبي واسع، فإن هناك جانبا آخر للمظهر السياسي لهذه الكارثة، تمثل في الأداء السياسي للدولة المغربية تجاه المجتمع الدولي والموقف من عروض المساعدات التي قدمت للمغرب من طرف عدد من البلدان، فخلف التدبير التقني والإنساني للكارثة الذي نهضت به الدولة والمواطنون، هناك نوع آخر من التدبير هو التدبير السياسي للكارثة، الذي ستكون له بدون شك انعكاسات على صورة المغرب الخارجية خلال المرحلة المقبلة، بالشكل الذي يمكنه تغيير عدد من الخيارات.

لا شك أن الكوارث الطبيعية لها مضاعفات سياسية في أي بلد تحصل فيه، إذ ترسم لوحة عامة عن الوضع الداخلي ومدى وجود التلاحم الوطني ومدى قدرة الدولة على النهوض باستحقاقات الكارثة، وقد تظهر تلك الكوارث هشاشة الدولة وضعف البنيات السياسية وعجز المؤسسات والمحدودية المالية للاستجابة لحاجيات السكان، بل قد تثير أحيانا غضبا شعبيا تجاه أسلوب تدبير الدولة لمخلفات الكارثة، مما يكون له تأثير على صورة الدولة في الخارج، بل قد يفتح ثغرات جديدة أمام شركائها الذين يعملون على توظيف تلك الهشاشة لصالحهم، وكثيرا ما حصل أن تحولت كارثة معينة في بلد معين، كالزلازل والفيضانات والحرائق، إلى إخفاق سياسي.

وقد اختار المغرب منذ بداية الكارثة أسلوبا خاصا في التدبير السياسي، فلم يفتح الباب أمام جميع الدول لتقديم المساعدات الإنسانية والتقنية، بل أظهر قدرة على التحكم في هذه العروض، وحدد أربع دول فقط لقبول مساعداتها، هي قطر والإمارات العربية المتحدة وإسبانيا وبريطانيا، ورفض عروض الجزائر وفرنسا وعدد آخر من الدول مثل ألمانيا وإيطاليا. وقد تفهمت بعض الدول مثل ألمانيا موقف المغرب، وبررته بالحاجة إلى ضبط تنسيق أعمال الإغاثة، وأعلنت أن موقف المغرب موقف سيادي، فيما انبرت فرنسا عبر صحافتها إلى انتقاد المغرب ومهاجمته، وخرج الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في كلمة مصورة موجهة إلى المغاربة يعلن تضامن فرنسا معهم، وكانت تلك سقطة ديبلوماسية كبرى عرت حقيقة النزوع الاستعماري التقليدي لباريس، لأن ماكرون تجاوز جميع الأعراف البروتوكولية.

ويمكن القول بأن المغرب سجل نقاطا عدة لصالحه تجاه الخارج وتجاه شركائه بوجه خاص، وبالتحديد فرنسا التي هي الشريك الأساسي للمغرب والمستعمر السابق. لقد أظهر بأن المواطنين المغاربة يصطفون وراء الدولة في الأزمات، وأن الشرعية السياسية والدينية للمؤسسة الملكية تحظى بالإجماع، وأن الدولة قادرة على تدبير أزماتها الداخلية بنفسها دون الحاجة إلى تسول الدعم الخارجي، وأنها تمارس سيادتها حتى في أصعب الظروف، وفي ذلك رسالة واضحة إلى فرنسا بسبب موقفها من الصحراء المغربية وتقاربها مع الجزائر على حسابه، كما أنها رسالة أيضا إلى الاتحاد الأوروبي بسبب تردده في الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وهو ما يظهر من خلال قبول المساعدات البريطانية، لأن بريطانيا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي بعد خروجها منه عام 2020 (البريكست)، والإسبانية، كون إسبانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة من داخل الاتحاد التي اعترفت رسميا بمغربية الصحراء.

لقد اعتبر الفرنسيون موقف المغرب الرافض لمساعداتهم إهانة لهم، وزاد الطين بلة ذلك التصريح الذي نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، على لسان ديبلوماسي مغربي لم تذكر اسمه، يرد على تصريح لوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، التي قالت فيه إن ماكرون تلقى دعوة رسمية من الملك محمد السادس لزيارة المغرب، حيث قال المصدر الديبلوماسي إن الزيارة غير مبرمجة وليست مدرجة في جدول الأعمال، وكان ذلك بمثابة “ضربة معلم” من المغرب لقنت درسا للرئيس الفرنسي ونزعته الأبوية.

ولا بد أن فرنسا تشعر بأنها الشريك الذي لم يعد مرغوبا فيه من لدن المغرب، أو على الأقل لم يعد بذلك الوزن الذي كان يحظى به في الماضي، وتدرك بأن المغرب صار بلدا يزن علاقاته الخارجية هو أيضا بميزان المكاسب ويريد تكييف تلك العلاقات وفقا لمصالحه، بيد أن المغرب بات يدرك هو الآخر بأن فرنسا أصبحت عبئا سياسيا، وقد ظهر ذلك من خلال الانقلابات التي حصلت في بعض البلدان الإفريقية وآخرها الغابون، والتي كان أبرز شعاراتها طرد النفوذ الفرنسي القديم فيها. وتأتي الخطوة المغربية الأخيرة كرسالة إلى فرنسا، مفادها أن التنازلات السياسية التي كانت تطلبها من مستعمراتها السابقة لم تعد ممكنة وفق الأسلوب القديم، وأن هذه التنازلات أصبحت مطلوبة من فرنسا نفسها تجاه هذه المستعمرات.

لقد ربح المغرب سياسيا من كارثة الزلزال، واستطاع تغيير المعادلة الخارجية بما يراه متوافقا مع مصالحه، وإذا كان جزء من الإعلام الفرنسي اليوم يهاجمه على خلفية موقفه، فإن هذا الموقف نقل الجدل إلى داخل فرنسا نفسها، إذ أصبح هناك من ينظر إليه كبلد يصنع لنفسه أسلوبا خاصا، بل سوف يزيد من تفاقم الأزمات السياسية للحكومة الفرنسية، التي تتهم اليوم بأنها فشلت في تدبير علاقاتها مع الأفارقة، وتدفع نحو عزل فرنسا عن القارة الإفريقية أمام شركاء جدد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى