الوصفة الملكية تدمج التنمية البشرية وتأهيل المجال في إعادة بناء مناطق الزلزال

يستمر المغرب في تنزيل “الوصفة الملكية لإعادة البناء وتنمية المناطق المتضررة من زلزال الحوز”، مراهنا على “التنزيل السريع لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام لهذه المناطق، تحت قيادة حكيمة للملك محمد السادس، وفي إطار رغبة قوية تتجاوز معالجة هذه الآثار بالسرعة المطلوبة، إلى بناء نموذج جديد للتنمية الترابية المندمجة والمتوازنة على مستوى المناطق المتضررة”.
وبعد أسبوعين، لم تخطئ عيون الفاعلين والمتابعين قيادة حكيمة لم تعد خافية، أولا، من خلال “الفترات الفاصلة بين جلسات العمل” التي ترأسها الملك محمد السادس (جلسة العمل المنعقدة يوم 20 شتنبر الجاري)، مؤكدين أن “الفترة الفاصلة بينها لم تتجاوز ستة أيام، والتي جعلت كل منها استجابة لما تستدعيه المرحلة من إجراءات؛ ثم ثانيا عبر “لبنات البرنامج المدروس والمندمج والطموح الذي يهدف إلى تقديم أجوبة قوية منسجمة سريعة وإرادية”.
هدف واحد
رصد المتتبعون لفترة استعجال تدبير أولى تلَتْ زلزال ثامن شتنبر أن كل أهداف النموذج الجديد وغير المسبوق تلتقي في “التعامل مع زلزال الحوز في هدف واحد؛ هو توحيد التدخلات انطلاقا من تشخيص للحاجيات وتحليل للحاجيات وتقديم الأجوبة السريعة التي تتناسب مع انتظارات المواطنين”.
كما أن ارتكاز التوجيهات الملكية على مجموعة من المبادئ؛ في مقدمتها الإنصات إلى انتظارات الساكنة، وإدماج الأولويات التي تعبر عنها من قبل كافة المتدخلين، يجعل من نموذج التنمية بالحوز والأقاليم الأخرى طفرة نوعية مبنية على برنامج مندمج وتنمية متوازنة بين الأقاليم.
وفق معطيات كان قد فصلها الديوان الملكي، في بلاغ سابق، فإنه تم “تخصيص ميزانية توقعية إجمالية تقدر بـ120 مليار درهم، على مدى خمس سنوات، تغطي الصيغة الأولى من البرنامج المندمج ومتعدد القطاعات الذي قُدم بين يدي الملك الستة أقاليم والعمالة المتأثرة بالزلزال (مراكش، الحوز، تارودانت، شيشاوة، أزيلال، وورزازات)، مُستهدفة ساكنة تقارب 4,2 مليون نسمة.
كما شدد عاهل البلاد على “ضرورة تشخيص محدد للحاجيات وتحليل للمؤهلات الترابية والفاعلين المحليين، مشاريع تهدف، من جهة، إلى إعادة بناء المساكن وتأهيل البنيات التحتية المتضررة، طبقا للتدابير الاستعجالية المقررة خلال اجتماع 14 شتنبر، ومن جهة أخرى، على تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المستهدفة”.
يتمحور برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، الذي يعد بمثابة نموذج جديد للتنمية الترابية، حول أربعة مكونات أساسية؛ وهي إعادة إيواء السكان المتضررين، إعادة بناء المساكن وإعادة تأهيل البنيات التحتية وفك العزلة وتأهيل المجالات الترابية، وتسريع امتصاص العجز الاجتماعي، خاصة في المناطق الجبلية المتأثرة بالزلزال وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل، وكذا تثمين المبادرات المحلية.
“التقائية واستشراف”
أكد يونس التايب، خبير في الحكامة الترابية وسياسات الإدماج، أن “خارطة الطريق التي وضعت في الاجتماعات التي ترأسها الملك واضحة، وتكتسي طابع الشمولية والالتقائية والاستشراف”.
وتابع التايب، في تصريح لهسبريس، أنه “في أقل من عشرة أيام، مررنا من محطات عديدة”، معددا إياها في “تدبير جهود الإغاثة والإنقاذ، تسطير أشكال الدعم الإنساني والتضامني عبر توفير الأكل والشرب والخيام والأغطية والدعم الطبي والنفسي، تحديد الدعم المالي للأسر المتضررة وحصر عدد الدور المتضررة في رقم 50 ألف وحدة سكنية”.
وتابع الخبير في الحكامة الترابية وسياسات الإدماج أن “وضع برنامج استراتيجي للتأهيل المجالي للستة أقاليم والعمالة المتأثرة بالزلزال تم وفق نهج يستند إلى دعم الأسر ورد الاعتبار لمجالهم العمراني ودعم الأنشطة الاقتصادية؛ خاصة تلك التي بإمكانها تحريك دينامية التنمية المحلية وتأهيل التجهيزات والبنيات الأساسية”، مذكرا بأنه غلاف مالي ضخم سيعبئ 120 مليار درهم خلال خمس سنوات.
حكامة مندمجة وجيدة
لم يفوّت المصرح لهسبريس الإشارة إلى “حرص الملك على توجيه جميع الفاعلين إلى ضرورة احترام الموروث العمراني التاريخي والحضاري عند التعاطي مع المجالات الجغرافية والدواوير المنكوبة، حيث لا مجال للقفز على الخصوصية المحلية أو تجاهل القيم التي تميز ثقافة سكان الأقاليم المعنية”.
ولفت يونس التايب إلى إلحاح ملكي واضح، أيضا، على “ضرورة استحضار البعد البيئي والمقاربة التشاركية المبنية على إشراك المواطنين المتضررين من أبناء المنطقة والإنصات إليهم من أجل تشخيص الوضع بشكل جيد، مع صناعة المستقبل بما يحقق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للسكان”.
“هذه المقاربة الملكية تؤكد أن المغرب يتحرك وفق ديناميكية حكامة مندمجة وجيدة، تعالج المشاكل الظرفية والراهنية، مع استحضار الأفق البعيد ذي المدى الاستراتيجي الذي يمكن أن يجعل برنامج إعادة البناء والتأهيل يندرج ضمن رؤية لتنمية المجال وتقوية قدرات الرأسمال البشري مع استحضار كل الرصيد الاجتماعي والثقافي والقيمي الذي يميز المجتمع المغربي ويعزز رسوخه الحضاري”، ختم المتحدث.
تنمية الجبل والبشر
اتفق أحمد الهوتي، خبير الهندسة القروية، في اتجاه تأكيد على أن “زلزال ثامن شتنبر ضرب مناطق جبلية نائية تقع بسلسلة الأطلس الكبير كان بعضها منسيا إلى عهد قريب”، مسطرا على أن المملكة انخرطت في ورش مهم لإعادة البناء لا يقل أهمية عن ورش التنمية المدشن منذ عقدين ونيف.
عضو مجموعة خريجي الهندسة القروية (من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة) ثمّن، في إفادات لجريدة هسبريس، نهج “المساعدات أو البناء العاجل المتشكل من إعانات متطلبات الحياة اليومية، وهو ما يقوم به المغرب حاليا كدولة ومؤسسات وفاعلين ومُحسنين”…
أما على المديين المتوسط والبعيد، أضاف الهوتي، أن “المجموعة توصي، فعلا، بأن يكون التدخل التنموي بعد زلزال الحوز في الأقاليم الستة تدخلا مندمجا يراعي إعداد التراب الوطني بمعناه العام/الشامل، في إطار استخلاص بعض العبر وما جاءت به خلاصات دراسات عديدة متراكمة حان وقت تنفيذ مضامينها”.
وسجل خبير الهندسة القروية بالمغرب “استعجالية إخراج مشروع تنمية المناطق الجبلية الذي يعد مشروعا متكاملا”؛ ما يستدعي، في نظره، “التفكير في سبل تنميتها وإنصافها بعقلانية ودون تسرع”. وزاد شارحا: “هناك دراسات حول التنمية القروية قامت بها وزارة الفلاحة يكفي تحيينها فقط للاستفادة منها وتنزيلها”.
كما شدد، ختاما، على أهمية اعتماد “تنمية الإنسان ـ أولا ـ في حياته اليومية ووسائل عيشه، دون إغفال تراثه وتاريخه وذاكرته التي تحفظها جبال المنطقة جيدا وعمرانها”.