“زلزال الحوز” ينهك السياحة بأوريكا.. وعودة الحياة تنعش آمال المهنيين
ها هي المطاعم المطلّة على مجرى النهر بأوريكا تعود إلى روتينها الطبيعي: استقبال الزوار؛ وها هي تتيح بعناد مجددا جلساتها على الأرض التي تمنح للسياحة طعما شبه حصري بجماعة ستي فاطمة، وها هي الدراجات رباعية الدفع تحمل الباحثين عن دفء الجبل، فيبدو أن “الزلزال الذي أنهك السياحة بالمنطقة لوهلة من الزمن صار بالنسبة للفاعلين السياحيين أمرا مضى، مثله مثل فيروس كورونا”، حسبهم.
يعرف العرض السّياحي لأوريكا في اليومين الماضيين حركية مقبولة تشكل، بالنسبة للمهنيين في القطاع السياحي، إرهاصات لانتعاش جديد، لانطلاقة تطوي صفحة الزلزال، خصوصا أن بداية الموسم السّياحي، المعروفة بين العاملين بـ”لاهوت سيزون”، باتت تبعث بوادرها، لكي يتجند كل هؤلاء الذين تصادفهم هسبريس، في سيتي فاطمة.
وربّما أقوى نقطة تلتقطها عدسة الجريدة في هذا الركن الجبلي الساحر، الذي يعيش من السياحة، هو أن زائرة فرنسية قالت عبر هسبريس للعالم: “لا تنساقوا مع التضليل، ولا تثقوا بما يقوله الإعلام (ربما تقصد إعلام بلدها).. تعالوا إلى مراكش، فالوضع بخير وآمن للغاية، والقطاع ينتعش رويداً رويداً، وأوريكا رائعة وفيها أنشطة كثيرة يمكن القيام بها”.
زلزال ينهك
حكى لنا معظم الذين صادفناهم في سيتي فاطمة أن “السياحة تراجعت خلال الأيام الأولى بعد الزلزال، ولم تفتح المطاعم أبوابها، لأن الوضع كان ضبابيا وملتبساً”؛ وبحكم أن “العديد من العائلات بالدواوير القريبة من أوريكا تضررت، ومنها من توفي، فقد ظلّ العاملون في السياحة منشغلون بآثار الهزة الأرضية بين ذويهم”.
من جانبه، قال المرشد السياحي بأوريكا مصطفى آيت شيبوب إن “السياحة عرفت نوعا من الركود مرحليا، بعد الزلزال، لكون العديد من الزبائن فضلوا عدم زيارة المنطقة حتى تتضح الأمور”، مبينا أن “الزبائن كانوا يوجدون منذ الأسبوع الماضي، لكن الخدمات تقريبا كانت متوقفة بسبب صدمة الزلزال الذي ضرب المنطقة؛ ومن حظ أوريكا أنها محاطة بالجبال التي جعلت آثار الزلزال أخفّ”.
وبينما يتأمل أعضاء المجموعة القادمة من فرنسا التي يقودها آيت شيبوب لحظة تصريحه لنا، يواصل هو قائلا: “السياحة مورد أساسي للعيش هنا، يعتمد عليه الكثيرون، خصوصا أن الفترة التي تلت الزلزال لاحظنا فيها خسائر طفيفة من الناحية المادية، لكن لا فنادق تخربت أو مآوي”، مضيفا: “الرياضات بمراكش والفنادق بحكم أنها تلقت إلغاء العديد من الحجوزات فهي بدورها لم تراسل المجموعات السياحية كالعادة”.
وأورد المرشد السياحي وهو يراهن على إنهاء الجدل بخصوص السياحة بأوريكا أن “المنطقة بخير”، مردفا: “كما نلاحظ، لا شيء خطير، وما أنهك القطاع لفترة هو المغالطات، ولكن هذا بدا ينتهي لكون الجميع أصبح يعرف أن منطقة سيتي فاطمة قادرة على استقبال السياح مغاربة أو أجانب”، وزاد: “هناك خسائر فعلاً، لكن لنأخذ الأمر من الجانب الإيجابي؛ فترة نقاهة بيئية صارت معها المنطقة تستعيد عافيتها بقوة”.
“الحركة كانت ‘مْقتولة، ميْتة’”، هكذا كان جواب عبد الغني، سائق سيارة أجرة مهني، بين مراكش وأوريكا، التقينا به في محطة “الطاكسيات الكبيرة” بالمكان عينه، مبرزا أن “الحركية السياحية شهدت فتوراً أثّر على قطاع النقل، خصوصا بالنسبة لهم، باعتبار الكثيرين يزورون أوريكا عبر ‘الطاكسي’، بحكم قدرتهم الشرائية أو بحكم أنها الوسيلة المتبقية”، لافتا إلى أن “القطاع تضرر في فترة يرتفع فيها ثمن الغازوال”.
وهو ينظر إلى السّياح يتمشّون بجانبه، يسترجع عبد الغني، في حديثه إلينا، أسبوعاً كان صعباً على سائقي “الطاكسيات”، قائلاً: “هناك من ذهب وعاد بلا ركاب، وهناك من لم يتحرك، وثمة من ذهب إلى مراكش بسيارة فارغة ليضمن سياحا هناك، لكنه عاد خالي الوفاض”؛ ومضى شارحاً: “كانت فترة قصيرة زمنيا، لكنها صعبة ولها تأثير كبير على عمل السائقين، الذين ليس لديهم أي عمل سوى ‘الطاكسي’”.
وأجمل المتحدث ذاته: “كل من يشتغل هنا في السّياحة بأوريكا تحديداً عرف ضرراً ماديا: المطاعم ودور الضّيافة والمآوي، وكان هناك بث غير مبرر وغير ضروري للهلع، الذي رسم صورة غير صحيحة، وأدى بدوره إلى ضعف الإقبال خلال الأسبوع الماضي”، وزاد موضحا: “الأمور صارت تعود إلى سابق عهدها، وهذا الفراغ النسبي الذي نراه الآن هو بحكم بداية السّنة الدّراسية، ونهاية الأسبوع لنا موعد مع ديناميّة جديدة”.
آمال تنتعش
صارت الوفود تظهر مع تقدم الوقت حين اقتربت الظهيرة، مجموعة تلو الأخرى تتجه نحو طريق الشلالات، وأخرى تتوقف لتستنشق هواء نقيا وتسمع صوت الطيور، وتتأمل الخصوبة، والاخضرار، الذي يسر النظر ويبين صورة عن مغرب آخر أصر أن يتمسك بوسائله الذاتية، غير عابئ بالتغيرات الجارية بالجوار المراكشي؛ فالذين يشتغلون بأوريكا أكدوا لنا أن “الانشداد إلى هذا النمط من الخدمات هو الطبق الأصلي الذي تقدمه المنطقة”.
قصدنا سيدتين تجلسان قرب النّهر، قبلت واحدة منهما التحدث، موضحة أنها “جاءت من آسفي، وليست المرة الأولى التي تزور فيها المنطقة، لكون أوريكا سنة بعد سنة تحافظ على هذا التشكيل الطبيعي، الذي يعيد النفس الإنسانية إلى نقطة الانطلاق”، مردفة: “هذه هي الأماكن التي يجب أن نستمد منها الطاقة الإيجابية، وهذه الشحنة الجديدة تستطيع أن تسعفنا لبداية من نوع آخر، بداية بثمار كثيرة”.
وواصلت السيدة الخميسنية التي تسمى فاطمة أمناي، وتشتغل في التعليم، محتجّة على ثمن الطاجين الذي وجدت أن “80 درهما لواحد يكفي لإطعام اثنين فقط هو ثمن مبالغ فيه ويسيء إلى السياحة بالمنطقة”، معتبرة أن “هذه الفضاءات التي يجب أن تلقى تشجيعاً يجب هي الأخرى أن تشجع المغاربة على الإقبال، بتوفير أثمان معقولة وفي المتناول تتلاءم مع كل الشّرائح المغربيّة وقدرتها الشّرائية”.
وعرضنا احتجاج السيدة على محمد، الذي يشتغل في المطعم المحاذي، فأكد أن “تلك الأثمان تتماشى مع أثمان اللحم بالسوق، على اعتبار أنها مازالت تتجاوز ال100 درهم، وكل طاجين يوضع داخله حوالي ربع كيلوغرام، وهو ما يرفع من ثمن المنتج النهائي”، مسجلا أن “الخضر بدورها مازالت تعرف ارتفاعا في أثمانها، وكل المطاعم تضطر إلى ضمان هامش للربح، لكن مراعاة للقدرة الشرائية للمغاربة فسابقا كان ثمن الطاجين هنا لا يتجاوز 70 درهما”.
من جهته، أفاد إلياس، مغربي مقيم بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، وينحدر من مدينة طنجة، بأنه لم يرد أن يلغي الحجز، وجاء رغم كل شيء، لدعم بلده، وزار المنطقة لكونها “تعتبر خزانا لجمال طبيعي زاخر بأشياء لا توجد في أماكن كثيرة”، وزاد: “أعجبنا كثيرا أنا وأصدقائي بالمنطقة. المغرب جميل ولديه إمكانات سياحية وطبيعية مهمة يجب أن نستثمرها، ونثمنها، خصوصا في الوقت الحالي”.
نلتقي في المكان ذاته هشام أوبنا، مرشد جبلي، قال: “المنطقة لم يحدث لها شيء، وبالتالي لا خوف عليها. والأمور تتحسن، وصارت تعود إلى طبيعتها، بحيث يراهن المهنيون على استقبال أعداد أكبر من السياح، فهذه الفترة تعد أساسية في برامج المنطقة”، لافتا إلى أن “الحجوزات بدأت، واللقاءات الخاصة بالنقد الدولي التي ستنعقد بمراكش أعادت الثقة للسياح الأجانب، وبرهنت أن الوضع تحت السيطرة”.
وهو يمني النفس بأن يرى كل المطاعم ممتلئة بالسياح لتضمن لأوريكا هيبتها القديمة، قال أوبنا إن “هناك توقعات حقيقية بأن أعدادا مضاعفة من الأجانب والمغاربة سيأتون لهذا الفضاء السياحي المتميز، خصوصا لكون هؤلاء السكان يقدمون خدمات في المستوى، مراعاة لكون السياحة عنصرا حيويا في بنية المنطقة”، وخاتما بأن “الإمكانات المتاحة بالمكان تتيح لأوريكا عرضا مثيرا للاهتمام في ما يخصّ السّياحة الجبلية، التي تعتبر عموداً فقريّا هنا”.