إغريفوغن.. دوار جبلي منسي أمام توجيه بوصلة المساعدات نحو قرى بعيدة
كانت المساعدات المقدمة إلى دواوير إقليم الحوز “المنكوب” تتركز في الأول تجاه تلك التي يصل عداد المسافات فيها إلى كيلومترات بعيدة، ومع مرور أزيد من أسبوع على الفاجعة أصبحت “الوساطات” تلعب دورا “حاسما” في مسارها، لتبقى دواوير أخرى قريبة في خانة “النسيان”، وهو الحال لدى ساكنة “إغريفوغن”.
الحظ كان لمرة واحدة
هذا الدوار الواقع بجماعة “ستي فاضمة” في منطقة “أوريكا” الشهيرة لم يكن محظوظا للفت انتباه شاحنات وحافلات المحسنين المغاربة المحملة بالمواد الغذائية، إلا مرة واحدة منذ فاجعة الزلزال، رغم “تضرر جل مبانيه وانهيار بعضها”.
يصل عدد المنازل بهذا الدوار إلى 79 منزلا، في حين يتوفر فقط على 15 خيمة، أما المواد الغذائية فتم تسلمها مرة واحدة فقط، على يد شاحنة محسنين بكمية قليلة تكفي فقط لمدة أسبوع على الأكثر.
“لا نعلم السبب حقا، لكننا نرى دواوير مجاورة كـ’أسني أغري’، و’دوازير’ استفادت من كميات كبيرة من المواد الغذائية عكسنا، رغم تشابه الأضرار بيننا”، يقول لحسن (29 سنة)، انخرط كما هو الحال لدى الشباب هنا في مهمة توزيع المساعدات على ساكنة “إغريفوغن”.
ويضيف لحسن لهسبريس: “تم توزيع المواد الغذائية لمرة واحدة فقط، وقد كانت مهمة صعبة للغاية، لأن الكمية لم تكن كافية على الإطلاق، لكن الساكنة اقتنعت بما لديها رغم كل شيء”.
“في الأيام القليلة الماضية صادفنا شاحنة محملة بالمواد الغذائية، وعند طلبنا المساعدة، أخبرنا السائق بأنها متوجهة إلى دوار محدد بطلب من أحد المحسنين بأحد المدن الكبرى، ليتكرر الأمر بشكل متواصل، قبل أن نعي أننا لسنا محظوظين لإقناع المجتمع المدني بحاجتنا”، يورد المتحدث ذاته.
الطبخ تحت سقف الموت
هذا الوعي بدأ يتجسد بين نساء الدوار، اللواتي يفضلن المنازل الآيلة للسقوط من أجل طبخ الطعام الضئيل، في ظل غياب أمل حول توفر الخيام بشكل مناسب، التي لا يصلح فيها بالأصل إعداد أي وجبة بفعل الحرارة والاكتظاظ.
فاضمة (سبعينية) مازالت تعتبر منزلها مأواها الآمن رغم تضرر جميع أجزائه، إذ تقول: “لا أجد أي مكان أذهب إليه غير منزلي، رغم علمي الكامل بقرب سقوطه علي”.
“ما حصلنا عليه من المواد الغذائية قبل أيام قليل للغاية، إذ يتوفر منزلي على قنينة زيت، وعلبتي سردين وحليب، وكيلوغرام واحد من العدس والفاصولياء ودقيق الخبز، إضافة إلى علبة شاي واحدة، وكل هذا يقترب من النفاد في آخر الأسبوع، لأن عدد أفراد أسرتي سبعة؛ فيما لا نعلم هل سيأتي محسن آخر لمساعدتنا في المستقبل، لكننا نحمد الله على كل شيء”، تضيف فاضمة.
عند الدخول إلى منزل هاته السبعينية تحس بأن حركة واحدة من المطر المقبل في الشتاء ستكمل مهمة زلزال الجمعة بشكل كامل، وهذا الأمر لا يضع فاضمة في حالة خوف، إذ تورد: “الأمور بيد الله، فحلول المطر سيهدم منزلي بكل تأكيد، لكن الأمر ليس بيدي على الإطلاق”.
يتكرر هذا الأمر بشكل كبير بين عائلات إغريفوغن، فداخل منزل شبه منهار، بقي فيه المطبخ وبيت واحد فقط ضمن “عداد الناجين”، تواصل إحدى النساء عملية تحضير الطعام بانسيابية، وتقول: “الطبخ في الخيام غير ممكن بفعل الحرارة، وحتى إذا قررت إعداد الطعام بالخارج فإن الرياح تمنع ذلك”.
تجد المتحدثة قلة الطعام أمرا عاديا، وتضيف لهسبريس: “نحن اعتدنا على تناول ما لدينا، وأحد المحسنين قدم لنا ما لديه من المساعدات، ما يجعلنا شاكرين له بشكل كبير، وفي حالة نفاد ما لدينا سنحمد الله بكل تأكيد”.
نقاش التوزيع
يشكل مسجد الدوار الذي هو أيضا في خانة السقوط وقت الشتاء مكانا لتوزيع المساعدات على الساكنة، باعتباره مكانا للتخزين، وهو الأمر الذي تم باتفاق بين رجال الدوار وإحدى جمعيات المجتمع المدني بـ”إغريفوغن”، ما جعل عملية التوزيع الوحيدة ناجحة نوعا ما، وهو الأمر الذي يفسره يوسف (32 سنة) رئيس هاته العملية.
يقول يوسف: “منذ بداية الزلزال إلى حدود اليوم توصلنا بقافلة مساعدات غذائية واحدة فقط، قمنا بتوزيع موادها بالتساوي على كل الأسر، انطلاقا من أرقام عدادات الكهرباء لكل منزل”، وزاد: “واجهنا مشكلة كبيرة في توزيع قفف المساعدات على المنازل، إذ بفعل عدم تساوي المساعدات مع عدد الأسر اضطررنا إلى أن نطلب من المحسن صاحب الشاحنة أن يوفر الباقي، وهو الأمر الذي نجح في الأخير بعد محاولات عديدة”.
ويورد المتحدث ذاته: “المواد التي تم توزيعها على الساكنة كانت قليلة للغاية، ومن المرتقب أن تنتهي قريبا نهاية هذا الأسبوع، الأمر الذي نواجهه حاليا بعدم وجود أي ضمانات لقدوم مساعدات جديدة إلينا”.
“عدم تلقي هذا الدوار المساعدات بشكل كاف سببه غياب أي وساطة مع المحسنين في المدن الكبرى، فنحن لم نتلق في الأصل مساعدات رسمية، وهو أمر لا نعلم سببه إلى حدود الساعة، ما يعني أننا بكل تأكيد سنواجه مستقبلا سيئا”، يردف يوسف.
مشكل توزيع المساعدات المقدمة لهذا الدوار أشعل “فتيل” منازعات بين الساكنة، إذ يستطرد المتحدث: “كانت هنالك شاحنة محملة بالملابس قدمت لدوارنا، وبسبب رفضها تسلمينا في الأول حمولتها ثم توزيعها بطريقة منظمة على السكان بدافع غياب الثقة فينا، حدثت مناوشات بين الأفراد”، مبينا أنه “في ما يتعلق بتوزيع مساعدات المواد قبل 3 أيام لم يحدث الأمر نفسه بسبب تكفل رجال الدوار بعملية التسليم”.
عند التوغل بشكل أكبر في “إغريفوغن” سيظهر أن عملية التوزيع “لا تكسب إعجاب الجميع”، وهو الحال لدى عبد السلام (أربعيني)، الذي لم يستطع منع زوجته من الطهي داخل منزلهما الآيل للسقوط بسبب الحرارة داخل الخيام، التي يجدها عملية بدون فائدة، إذ لا يكفي ما يتم إعداده أسرة من خمسة أفراد.
يقول عبد السلام لهسبريس: “لقد فقدت الثقة في الرجال الذين يوزعون المساعدات، فأنا أعلم أننا لسنا ضمن خانة الدواوير المستفيدة من المساعدات، لكن الطريقة التي تم بها مثلا توزيع الخيام لم تكن منصفة، فعائلتي تستحق واحدة، خاصة أن ابنتي لم تتجاوز الشهرين بعد”.
“الطعام لا يكفينا، إذ أضطر إلى احتمال الجوع حتى يأكل أولادي، وهو وضع غريب نوعا ما، إذ قبل الزلزال لم نكن نعيش هكذا، بحيث كنت أوفر كل شيء من خلال اشتغالي في مهن متعددة”، يورد المتحدث ذاته.
ويطالب المتحدث ذاته بـ “ضرورة التدخل من قبل السلطات الرسمية من أجل توفير المواد الغذائية، خاصة أن ما يتوفرون عليه سينتهي الأسبوع المقبل، ما يهدد استقرار الوضع الاجتماعي والنفسي لدى عائلات إغريفوغن”.
انقلب واقع ساكنة هذا الدوار منذ ليلة الزلزال، فرغم غياب الوفيات فإن حالة النسيان التي عاشها طيلة هاته الأيام تجسد مرارة التهميش في نفوس الساكنة، ما يجعل ملامح بناياته تقول: “يذهب الجميع إلى أوريكا ويعرج التائهون فقط على إغريفوغن”.