زلزال المغرب: توزيع مساعدات “محدودة” بالقرعة على المنكوبين في قرى نائية
على ارتفاع نحو كيلومترين فوق جبال الأطلس في المغرب، يجلس نحو عشرة رجال على قمة تل في مدخل قرية “آيت على امحند”، منتظرين بفارغ الصبر وصول أي مساعدات ترد إليهم، بعد أن دمر الزلزال قريتهم النائية.
الجميع ينتظر، منذ ساعتين تقريبا، وصول سيارة نقل محملة بكميات “محدودة” من المواد الغذائية والمياه والأدوية، فوعورة التضاريس تحول دون وصول سلس لقافلة المساعدات إلى مشارف القرية الجبلية المدمرة تقريبا.
وبالتزامن مع وصول السيارة، هرع الرجال، وهم من السكان المنكوبين، لاستقبال المتطوعين، واستلام احتياجاتهم الرئيسية.
“الله يعطيكم الخير، الله يجازيكم الخير، الله يرحم والديكم” كانت هذه الدعوات، أول ما خاطب به لحسن، وهو رجل أربعيني من أهالي القرية، وأربعة رجال آخرون، المتطوعين، الذين بدأوا – بمساعدة أهالي القرية – في تفريغ الحمولة من السيارة.
وبينما يكمل الرجال عملية التفريغ هذه، تخرج النساء والأطفال من الخيام بابتسامات تزين وجوههم المكلومة، في انتظار نصيبهم من عبوات الدقيق أو زجاجات زيت الطهي، أو غيرها من المواد الغذائية الواردة إليهم، في نقطة التقاء ثلاث قرى مجاورة، في جماعة أمزوضة بإقليم شيشاوة، الذي يبعد نحو 25 كيلومترا عن مركز الزلزال.
تقسيم المساعدات بنوع من “القرعة”
استغرقت عملية تفريغ حمولة المساعدات من السيارة نحو أربعين دقيقة، قبل أن أُفاجأ بأن توزيعها على المنكوبين يستلزم إتمام قرعة، اتفق أهالي القرى الثلاث المنكوبة، على تنظيمها؛ لتحديد طبيعة حصة كل منهم.
“نقوم بإجراء القرعة ليستفيد الجميع هنا. ما يحدث أننا نتسلم المساعدات، ونضعها جميعها على الأرض في مجموعات، ثم نضع ورقة تحمل اسم كل شخص على حزمة”، هكذا شرح لي لحسن، وهو يحاول الحديث باللهجة الدارجة المغربية، فهو وغيره من أهالي القرية، عادة لا يتحدثون سوى الأمازيغية.
جلس لحسن على الأرض وبجانبه ما يقرب من عشرين شخصا. “أعطني ورقة وقلما”، يخاطب لحسن طفلة صغيرة ترتدي جلبابا تقليديا زهري اللون. وبعد دقائق، وصل طلبه، فشرع في كتابة قائمة بأسماء ممثلين عن الأسر الموجودة في القرى الثلاث، والتي قال لي إن عددها لا يتجاوز خمسا وثلاثين أسرة.
على مدار ثلاثين دقيقة، حصر لحسن أسماء ممثلي جميع الأسر في القرى الثلاث، وأدرجها في قائمة مكتوبة. قطع المنظمون ورقة القائمة إلى قصاصات صغيرة، تضم كل منها اسما، قبل أن يضعوا كل قصاصة بشكل سري عشوائي، على مجموعة من المساعدات المتفرقة على الأرض.
على مدار ثلاثين دقيقة، حصر لحسن أسماء ممثلي جميع الأسر في القرى الثلاث، وأدرجها في قائمة مكتوبة. قطع المنظمون ورقة القائمة إلى قصاصات صغيرة، تضم كل منها اسما، قبل أن يضعوا كل قصاصة، على مجموعة من المساعدات المتفرقة على الأرض.
“فلنبدأ الآن” قال لحسن، ثم بدأ في النداء على كل اسم، يظهر في الورقة التي وضعت مسبقا على حزمة المساعدات. أقبل كل منادى عليه، ليجمع نصيبه ويغادر.
“هذه القرعة تفيد الجميع، والأهالي هنا يشعرون بالارتياح ولا تحدث مشاكل، فلا يشكو شخص أنه حصل على مساعدات بكميات أكبر من الآخر، فكل فرد يأخذ نصيبه حسب حظه من القرعة” هكذا قال لي لحسن، قبل أن يقبل علينا رجال آخرون من بينهم مصطفى، الذي وافقه الرأي وأكد لي أن القرعة “نظام عادل” يضمن حصولهم جميعا على قدر من المساعدات، وإن كانت الكميات غير كافية.
توصيل المساعدات
بعد فرحة استلامهم المساعدات، انصب تركيز الأهالي على كيفية توصيلها إلى القرى الثلاث النائية الموجودة في مناطق جبلية شاهقة الارتفاع. فغالبية السكان يوكلون بعض الأشخاص من القرى المجاورة للمساعدة في إيصال المساعدات إليهم عبر وسائل انتقال بدائية، من أكثرها شيوعا، الحمير.
بعد حصوله على نصيب من المساعدات التي سيحملها لقرية أزيلال مزوضة، حمل مصطفى، حزمة المواد الغذائية على ظهر حمار. قال لي إنه سيساعد في إيصالها إلى أهالي القرية التي لا يمكن الوصول إليها سوى عبر الدواب أو السير على الأقدام.
“هذه المساعدات ستصل إلى القرية فوق الجبل. لا يوجد طريق ممهد يؤدي إلى قرية أزيلال مزوضة، ولذلك نستخدم الحمار للوصول إلى هناك. الأهالي ينتظرون”.
الخيام طلب مشترك
أمام خيمة بسيطة مصنوعة من البلاستيك، نادت عليّ إيناس، وهي أم لثلاثة أطفال، لتطلب الحديث معي، وتشكو من أن المساعدات التي وصلت إلى القرية الآن، لا تشمل مستلزمات مهمة أخرى، من بينها الصابون ومساحيق الغسيل وعبوات الغاز، بجانب وهذا هو الأهم؛ الخيام.
جلستُ إلى جانبها على قطعة صغيرة من الحصير، وبصوت حزين، قالت لي إنها وأفراد أسرتها، يستيقظون كل صباح على أمل أن تصل لهم مساعدات من متطوعين وأعضاء جمعيات خيرية ومحلية، لعبت دورا كبيرا في إيصال المساعدات لمتضرري الزلزال.
“لم تصلنا أي مساعدات من الحكومة، كل ما حصلنا عليه كان من المحسنين، الله يجازيهم الخير”، قالت لي قبل أن تجهش بالبكاء، وتقول إنها لا تجد ما يكفي الاحتياجات المهمة لأطفالها.
الحكومة المغربية بدورها، وبالتعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، دشنت عددا من برامج الإغاثة في المناطق الأكثر تضررا. وأطلقت القوات المسلحة المغربية طلعات جوية، بمعدل أربعين طلعة يوميا، لإيصال المساعدات للقرى النائية والمعزولة، في الأيام الأولى لوقوع الزلزال.
وفي 15 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت السلطات المغربية خطة لإيواء المتضررين من الزلزال، وتعويض سكان ما يقرب من خمسين ألف مسكن تدمرت جزئيا أو كليا. كما تعهدت بمنح مادية، للأسر الأكثر تضررا من الزلزال.
وبعد حديث طويل عن الاحتياجات الأساسية اللازمة لإيناس وقريناتها من النساء اللواتي لم يهجرن القرية المنكوبة بعد الزلزال، اصطحبتني لتريني جانبا من منزلها، الذي دُمر كليا في مساء الثامن من شهر سبتمبر/أيلول الجاري.
“كل شيء طاح” تقول لي وهي تشير إلى كتلة من الركام يظهر منها بعض المستلزمات الشخصية، التي لا تزال عالقة بين الأنقاض. وتضيف متحدثة بالأمازيغية، أنها تخشى على أطفالها من الأمراض، مع اقتراب حلول الشتاء، مشيرة إلى أن هناك احتياجا ملحا للخيام، ليس في قريتها فحسب، بل في الغالبية الساحقة من المناطق الجبلية المنكوبة.
خيمة لحسن لا تبعد كثيرا عن خيمة إيناس وأطفالها. اقترب ليحدثني هو الآخر عن “النقص الحاد” في الخيام في القرى النائية. وقال: “نحن لا ننام في الليل. أعيش في خيمة أنا وتسعة آخرون من أفراد أسرتي. في الليل نشعر بلدغات البعوض وتزحف الحشرات على أجسادنا”.