زلزال الحوز.. فرصة لمراجعة الحسابات واستخلاص الدروس لتحصين المستقبل
شهد المغرب، ليل الجمعة الثامن من شتنبر الجاري، زلزالا عنيفا ضرب منطقة الحوز على بُعد حوالي 70 كيلومترا من مراكش، وصلت حدّته 6,8 درجات على سلّم ريشتر، وامتدت ارتداداته إلى عدد من المناطق المغربية الأخرى؛ ما خلف أضرارا جسيمة في الأرواح والممتلكات، حيث تهدمت الكثير من المباني وفقد حوالي 3 آلاف شخص أرواحهم، فيما وصل عدد الجرحى والمصابين إلى أكثر 5 آلاف شخص، وفق إحصائيات رسمية مؤقتة، كما عمّ جو من الهلع والخوف بفعل الارتدادات التي أعقبت الزلزال.
ومنذ اللحظات الأولى للكارثة، تجنّدت مصالح الوقاية المدنية والقوات المسلحة الملكية والسلطات المحلية والدرك الملكي ووزارتي الصحة والداخلية وغيرها من المصالح لانتشال الضحايا وإنقاذ المتضررين وتقديم العون لهم.
وقد دعا الملك محمد السادس إلى تعبئة الجهود لأجل مساعدة المتضررين ومواكبتهم، وإلى توفير الاحتياطات اللازمة لمختلف الحاجيات الكفيلة بمواجهة هذه الكارثة، وإرساء برنامج استعجالي يروم تأهيل المناطق المنكوبة.
كما تم إطلاق مجموعة من التدابير المهمة بإشراف ملكي، في سياق التعاطي مع الانعكاسات الآنية والمستقبلية للزلزال، حيث تم تخصيص دعم مالي استعجالي للأسر المتضررة، علاوة على منح دعم آخر إضافي للأسر التي فقدت منازلها أو تهدّمت بصورة جزئية، مع التكفل بالأطفال اليتامى، ثم تخصيص فضاءات مناسبة لإيواء المتضررين، والحرص على إعادة إعمار المناطق المنكوبة؛ في إطار من الاحترام لخصوصياتها واستحضار متطلبات السلامة في هذا الشأن.
وعلاوة على هذه الجهود الرسمية، برزت مبادرات تضامنية مكثفة قادها عدد من المواطنين ومجموعة من جمعيات المجتمع المدني، من قبيل التبرع بالدم وتقديم مواد غذائية وألبسة وأغطية وخيام للمتضررين؛ فيما أعربت الكثير من دول العالم، بالإضافة إلى عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، عن تضامنها مع المغرب في هذه المحطة القاسية وأبدت استعدادها لتقديم مساعدات مختلفة في هذا الخصوص.
على الرغم من تعبئة الجهود، فإن عمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا والجرحى لم تخلُ من إشكالات وتعقيدات، مردّها صعوبة التضاريس في المناطق الأكثر تضررا، وهي مناطق جبلية، يفتقر جزء منها إلى الطرق، أو تتوفر على مسالك ضيقة، أو تعرضت لأضرار بسبب تساقط الأحجار، علاوة على انتشار الشائعات والأخبار الزائفة التي يلجأ إليها بعض رواد شبكات التواصل الاجتماعي؛ وهو ما حرصت السلطات على التصدي له بقدر من الصرامة.
إن حدوث الكوارث هو أمر طبيعي، فعلى الرغم من الخسائر والأضرار التي تخلّفها، فهي تدعم التّطور والبحث عن السبل الكفيلة بتقليل الخسائر. كما أنها تمثل فرصة لتقييم الأوضاع ومراجعة الحسابات واستخلاص الدروس، بصورة تدعم تحصين المستقبل.
إن المغرب وبحكم موقعه الجغرافي، جعله معرّضا لعدد من الكوارث الطبيعية، سواء تعلق الأمر بالزلازل (زلزال أكادير لعام 1960، وزلزال الحسيمة لعام 2004)، والفيضانات (فيضانات: طنجة في سنة 2008، والغرب في سنة 2009، وكلميم في سنة 2014..)، والحرائق، والجفاف..، فقد راكم تجربة مهمة على مستوى إرساء منظومة متطورة لتدبير الكوارث والمخاطر، حيث أحدث مجموعة من المؤسسات والمراكز المعنية بهذا الخصوص، نذكر منها: المديرية العامة للحماية المدنية التي شُكلت عام 2008، والمعهد الوطني للجيوفيزياء، والمديرية الوطنية للأرصاد الجوية، ومركز المراقبة.. كما تم إحداث صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية بموجب قانون المالية رقم 40-08 في عام 2009، والذي بدأ في العمل في عام 2020، وتم اعتماد استراتيجية وطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية (2021-2031) تحت إشراف وزارة الداخلية، كمدخل لتنسيق الجهود وتعبئة الإمكانيات المتاحة لمواجهة الكوارث بسبل متطورة وأكثر نجاعة.
لكن هول هذه الكارثة أصبح يفرض استحضار الأولويات المستقبلية، في سياق الاستفادة من هذه المرحلة الضاغطة وتحويلها إلى فرصة حقيقية، سواء عبر تأهيل وإعادة إعمار المناطق المنكوبة، أو باعتماد سياسات تدعم تعزيز العدالة المجالية، بتوفير سبل العيش الكريم للسكان في المناطق القروية والنائية، وإحداث البنيات التحتية من طرق ومستشفيات.. بالإضافة إلى تعزيز منظومة تدبير الكوارث والمخاطر.
لا يخفى الثقل الذي تمثله الكوارث الطبيعية على جهود التنمية في المغرب. ويبدو أن التدابير المعتمدة على طريق إرساء منظومة متطورة ومتكاملة لتدبير المخاطر والكوارث المختلفة، وبحكم موقعه الجغرافي وتنوع تضاريسه، وعلى أهميتها فهي ما زالت بحاجة إلى مزيد من المواكبة والتطوير.
رغم قساوتها، فقد مكّنت كارثة الزلزال من كشف الكثير من الصعوبات والاختلالات المجالية التي تعيشها بعض المناطق، وأبرزت أهمية الاستثمار في منظومة تدبير الكوارث والمخاطر، كما سمحت بإظهار القيم النبيلة التي يختزنها المجتمع المغربي من روح للمواطنة وتضامن وتآزر وتعاون..، مثلما كشفت سلوكات سّيئة لبعض الفئات التي تستغل ظروف هذه اللحظات القاسية لأجل تحقيق الأرباح والمصالح الخاصة على حساب المعاناة الإنسانية..
إن تعزيز سبل تدبير الكوارث يبدأ من بلورة استراتيجيات قادرة على الانتقال من مجرد تحسين الاستجابة البعدية (العلاجية) في التعاطي مع هذه المحطات الصعبة إلى سبل مستدامة تدعم ترسيخ المقاربة الوقائية التي تسمح بالتقليل من أضرارها وتداعياتها في حال حدوثها بالفعل.