زالزال الحوز يفضح تعاطي الإعلام الدولي مع الأحداث في المغرب
اعتبر زهير الوسيني، إعلامي مغربي مقيم بروما، مسألة قبول المغرب المساعدات من عدمه سؤالا تقنيا، مضيفا أن زلزال الحوز وضح التعاطي المتعمد الذي تنتهجه وسائل الإعلام الدولية في تغطية الأحداث المرتبطة بالمملكة.
وانتقد الإعلامي المغربي، ضمن مقال توصلت به هسبريس، “لا مهنية بعض الصحافيين، أبرزهم فرنسيون، وقلة إسبان، الذين اختاروا متابعة أطوار الزلزال خلف شاشات الحاسوب لتمرير مقالات وتحليلات تعج بالمغالطات”.
المقال:
بقدر ما أبان زلزال الحوز عن مدى تضامن المغاربة مع بعضهم البعض ساعة المحن، بقدر ما توضحت الكيفية المعتمدة من طرف الإعلام الدولي في مقاربته للأحداث المرتبطة ببلادنا.
بديهي أن أغلب “الحرفيين” استطاعوا تقريب الصورة بكثير من الموضوعية، بمن فيهم أولئك الذين انتقدوا تأخر المساعدات في بعض المناطق أو نواقص أخرى لا يمكن إغفالها، لمن يريد الحفاظ على الحد الأدنى من المصداقية التي تشكل الرأسمال الحقيقي لكل إعلامي يحترم نفسه.
ما يهمني هنا هم أولئك الصحافيون، وهم قلة والحمد لله، الذين قرروا متابعة الزلزال خلف الكومبيوتر عبر مقالات وتحليلات تعج بالمغالطات التي لا معنى لها.
أبرز هؤلاء ينتمون إلى وسائل الإعلام الفرنسية، وتعاملوا مع الحدث بكثير من السطحية، محاولين تضخيم قرار تنظيم المساعدات الدولية بربطه بالجفاء الذي يطبع علاقات الرباط وباريس خلال السنوات الأخيرة؛ أغلبهم وضع نصب عينيه مهاجمة القصر الملكي لصمته خلال الساعات الأولى بعد الزلزال، في محاولة بئيسة لخلق نوع من البلبلة، لهدم منظومة أكدت أهميتها في ترسيخ وحدة المغاربة وقدرتها على تشكيل المرجعية الكفيلة بتجنيب البلاد الكثير من المصائب التي عانت منها دول أخرى.
بالطبع جهل هؤلاء بطبيعة العلاقات بين مؤسسات الدولة والمواطن المغربي يجعلهم، مثل العادة، يسقطون في فخ ترجمة رغباتهم إلى حقيقة يؤمنون بها هم وحدهم. رد فعل المغاربة عادة ما يكون معاكسا لمطامح هؤلاء، الأمر الذي يجعل من كتاباتهم في النهاية حجرا آخر يسند عرشا له تاريخ طويل من الصمود في وجه من حاولوا إسقاطه.
جزء من الإعلام الإسباني سقط هو كذلك في هذا الفخ، مؤكدا أن الطريق نحو تحرير الصحافة الإيبيرية من الأحكام المسبقة مازال طويلا. صحيفة “إلباييس” مثلا ركزت في افتتاحياتها على صمت الملك أو على مفهوم السيادة “الخاطئ” من وجهة نظر أحد كتابها، متناسية أن نقاشا من هذا النوع لا يمكن أن يقوم به سوى المغاربة مع بعضهم البعض. لا أحد منا كإعلاميين يسمح لنفسه بإعطاء دروس للإسبان عن كيفية تدبير أمورهم الداخلية. صحفيو “إلباييس” وآخرون في الإعلام الإسباني لا يجدون حرجا في “تعليمنا” كيف يجب أن ندبر بلادنا، فشكرا لهم على “هوسهم هذا”.
صحيفة “إلباييس” استقبلت كذلك مقالات لمواطنة إسبانية من أصول مغربية انتقدت بحدة “النظام المستبد في المغرب”، بلغة قد تعجب كثيرا المتلقي الإسباني المنتمي إلى أقصى اليسار، ولكنها أبرزت جهل السيدة بواقع ربما سمعت به من فم جدتها. ومع احترامي لرأي الكاتبة فإني أتساءل إن كان مفيدا هذا النوع من التبخيس لكل ما هو مغربي بداعي الدفاع عن الفقراء والمحتاجين ببلادنا؟ هل تعتقد فعلا أن هذا هو السبيل لتغيير الأمور وإصلاحها؟.
لا يوجد مغربي (من أعلى هرم السلطة إلى آخر مواطن) يقول إن بلاده “قوة ضاربة” أو إنها ديمقراطية متكاملة تنافس في بنائها الدول الاسكندينافية، أو إننا نموذج للمساواة بين المواطنين. كلنا واعون بأن بناء دولة في مستوى طموح أبنائها مازال بعيد المنال. كمغاربة نقبل كل اختلافاتنا، وهي كثيرة، حول أسلوب تسيير بلادنا؛ المهم أن يكون النقاش مغربيا وبين مواطنين مغاربة وفي وسائل إعلام مغربية.
وأمام كارثة من حجم زلزال الحوز فإنه من المؤكد أن أخطاء كثيرة ارتكبت، لكن بشكل عام فإن المغرب أبان عن نضج كبير في التعامل مع هذا الحدث. الجيش مثلا تحرك بعد ساعات قليلة من الهزة الأرضية، وحركة التضامن بين المواطنين كانت في المستوى، والإعلام المغربي الرسمي نفسه قام بتغطية جيدة على غير عادته في مثل هذه الحالات.
كل الأخطاء الممكنة ستأتي لحظة مناقشتها، وبكل حدة إذا وجب ذلك. المهم أن يكون النقاش مغربيا-مغربيا. الدروس لم تعد مقبولة من أي كان مهما كانت نواياه.
هل أخطأ المغرب في عدم السماح للجميع بالإتيان لمساعدته في محنته؟ سؤال تقني سيجيب عنه مختصون وليس صحافيون و”خبراء” كل ما يعرفونه عن المغرب يعتمد على قيامهم في يوم ما برحلة منظمة إلى مراكش خلال عطلة نهاية الأسبوع.