أخبار العالم

الرئيس الفرنسي ماكرون يطلق حملة تبرع وطنية لترميم آلاف الكنائس المتهالكة



بعدما خرج ليعلن للشعب المغربي استعداده للمساعدة على تجاوز محنة زلزال 8 شتنبر، وبعد الهجمة الإعلامية المتواصلة ضد المملكة ورموزها السيادية على خلفية تجاهلها عرضه المثقل بحمولات سياسوية أكثر منها إنسانية، يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو من يحتاج هذه المرة إلى المساعدة، إذ أطلق، أمس الجمعة، حملة تبرع وطنية لجمع المساهمات التطوعية والنقدية من المواطنين الفرنسيين من أجل “ترميم بعض الكنائس الآيلة للسقوط”.

في هذا السياق، أعلن ماكرون بمناسبة “أيام التراث” عن خطة واسعة النطاق للحفاظ على المباني والمآثر الدينية، تستهدف إطلاق حملة وطنية لجمع التبرعات من الفرنسيين على مدى أربع سنوات من أجل جمع أكثر من 200 مليون يورو بهدف ترميم ما لا يقل عن 5000 كنيسة متهالكة في جميع أنحاء فرنسا.

سقوط القناع وانتكاسة اقتصادية

عباس الوردي، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “ماكرون بعد عدم تمكنه من فتح سوق جديدة على أنقاض الكارثة التي عرفتها المملكة، أزال قناعه السياسي وكشف عن حاجته الداخلية على المستوى الاقتصادي والمالي من أجل إعادة ترميم المباني والمآثر المرتبطة بالمعتقد من كنائس وكاتدرائيات داخل الجمهورية الفرنسية”.

وأضاف الوردي أن “البروباغندا التي كان يروج لها الرئيس الفرنسي وإعلامه المنحاز، على اعتبار أن باريس تملك كل المقومات لمساعدة المغرب على تجاوز محنته وأن الرباط تتحمل مسؤولية سقوط العديد من الضحايا بعدم قبولها للعرض الفرنسي، انكشفت جليا للعيان، على اعتبار أن فرنسا لم تكن تملك الإمكانيات لمساعدة المغرب على المديين القريب والمتوسط وأن الخطابات التي رُوج لها كان هدفها الحقيقي هو تحقيق مكاسب سياسية خارجية على حساب الأزمة الإنسانية في المغرب”.

ولفت المتحدث لهسبريس إلى أن “الرئيس ماكرون إنما كان يريد تجاوز حالة السخط والغضب الشعبيين تجاهه، سواء داخل الأوساط الشعبية أو حتى داخل الوسط السياسي الفرنسي، حيث عبرت مجموعة من النخب الفرنسية عن رفضها لسياسته الداخلية والخارجية على حد سواء”، مشيرا إلى أن “ساكن الإليزيه عليه أن يستخلص الدروس من محيطه ومن الوضع الذي آلت إليه فرنسا في عهده داخليا وخارجيا، وبالتالي إعادة مراجعة أوراقه لإنجاح ما تبقى من عهدته الانتخابية، ولكن ليس على حساب الدول ذات السيادة ومصالحها القومية”.

“إطلاق ماكرون حملة تبرعات وطنية لترميم الكنائس يحمل إشارات واضحة على الانتكاسة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة والخزينة الفرنسيتين”، يسجل الوردي الذي أوضح أن “هذه الانتكاسة راجعة إلى العديد من الأسباب، أهمها ضمور مجموعة من الأسواق الخارجية لفرنسا كمالي وبوركينافاسو والنيجر وغيرها من المعاقل الاستعمارية الاقتصادية التي كانت باريس تستنزف ثروات شعوبها”.

وخلص الأستاذ الجامعي عينه، في تصريحه لهسبريس، إلى أن “استجداء الفرنسيين من أجل ترميم الكنائس، مؤشر آخر على فشل سياسة ماكرون الداخلية، وهو الذي شهدت عهدته اضطرابات اجتماعية كبيرة”، مشيرا في الوقت ذاته إلى “فشل سياسته الخارجية هي الأخرى، حيث تعيش فرنسا ماكرون أسوا فترات ضعفها الاقتصادي والسياسي، كما أنه أخطا الموعد مع التاريخ تجاه شركاء فرنسا التاريخيين، على رأسهم المغرب”.

فشل ماكروني وحزم مغربي

البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع، قال إن “إعلان الرئيس الفرنسي عن إطلاق هذه الحملة يؤكد بالملموس أن ما عبرت عنه باريس باستعدادها لمساعدة المغرب كان الهدف منه استغلال الأزمة الإنسانية للمغاربة من أجل خدمة أهداف وأجندة السياسة الماكرونية، ذلك أن ماكرون يعي جيدا أن المغرب لا يحتاج إلا أي مساعدات مغلفة بأغلفة سياسية”.

وأضاف البراق أنه “بعدما فشلت سياسته الاستغلالية مع المغرب القائمة أساسا على مجانية المواقف والمصالح، ذلك أنه كان يريد أن يحقق تقاربا مع الرباط بأقل الخسائر السياسية والاقتصادية، يحاول ماكرون الآن استغلال الأصوات الدينية داخل فرنسا ورفع شعبيته في أوساطهم بالأموال الخاصة للشعب الفرنسي، خاصة وأن جل استطلاعات الرأي التي أنجزت في الفترة الأخيرة كشفت عن تراجع كبير في شعبيته”.

وشدد المتحدث عينه على أن “ماكرون أثبت من جهة فشل سياساته الاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطنين الفرنسيين الذي صاروا ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء عهدته الانتخابية، ومن جهة أخرى أثبت أن عرض المساعدة الذي قدمه للمغرب لا يغدو أن يكون مجرد محاولة فاشلة للتقرب من المملكة في أفق استعادة المصالح الاقتصادية لباريس في المنطقة المغاربية دون أن ينعكس ذلك على المواقف السياسية لفرنسا تجاه قضايا المنطقة، أبرزها قضية الصحراء المغربية”.

ولفت الخبير في إدارة الأزمات وتحليل الصراع إلى أن “الحاجة الاقتصادية لماكرون على المستوى الداخلي هي التي تحرك سياسته الخارجية؛ فبعدما فشل في جني ثمار تقاربه مع الجزائر على حساب المغرب، حاول أن يستغل زلزال الحوز من أجل فتح صفحة جديدة مع المغاربة، على الرغم من أن الرباط أكدت مرارا وتكرارا أنها ليست بحاجة إلى المساعدات المسيسة، وأنها دولة ذات سيادة وقادرة على تجاوز أزماتها بسواعد رجالها ونسائها باعتراف من وزيرة الخارجية الفرنسية نفسها”.

وخلص البراق إلى أن “السياسة الماكرونية أضعفت فرنسا وتراجع معها النفوذ الفرنسي في عدد من مناطق العالم وفقدت باريس حلفاء استراتيجيين مهمين، على غرار المغرب الذي كان كل الرؤساء الفرنسيين حريصين على عدم خسارة صداقته، قبل أن يأتي ماكرون ليثور على المنطق السياسي الفرنسي في المنطقة المغاربية”، مشددا على أن “المغرب اليوم لا يحتاج مساعدات من فرنسا ماكرون، وإنما يحتاج موقفا واضحا من قضاياه الوطنية كشرط أوحد ووحيد لأي مصالحة مغربية-فرنسية محتملة، وهو الشرط الذي يحاول ماكرون التحامل عليه وتجاوزه باستغلال أزمة الحوز”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى