مجزرة صبرا وشاتيلا: الصدمة الجماعية المحفورة في ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين
عام 1982 شهد مخيما صبرا وشاتيلا للّاجئين الفلسطينيين في لبنان أعمال قتل جماعية، استمرت ثلاثة أيام 16 و17 و18 سبتمبر/أيلول، وراح ضحيتها مئات القتلى.
وتمثّل مجزرة صبرا وشاتيلا واحدة من أبشع المجازر التي شكلت صدمة جماعية، لا تزال آثارها محفورة في ذاكرة اللبنانيين والفلسطينيين.
وُجّهت الاتهامات بارتكاب أعمال القتل، إلى ميليشيات لبنانية دخلت إلى مخيمي صبرا وشاتيلا بعد يومين على اغتيال قائد “القوات اللبنانية” المُنتخب رئيساً للجمهورية بشير الجميّل.
ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على تاريخ المجزرة التي وقعت خلال محاصرة الجيش الإسرائيلي لبيروت بعد اجتياحه لبنان صيف ذلك العام، لم يُحاسب أي شخص أمام القضاء اللبناني أو الدولي.
الطريق إلى المجزرة
أحداث كثيرة ومتسارعة سبقت وقوع المجزرة. وكان لبنان يشهد منذ عام 1975 حرباً أهلية، بمشاركة الفصائل الفلسطينية التي شكل وجودها المسلح أحد أهم أسباب الانقسام السياسي اللبناني.
وكانت إسرائيل قد اجتاحت للمرة الأولى جنوب لبنان عام 1978، وأقامت شريطاً حدودياً في محاولة منها لمنع تسلّل المقاتلين من لبنان.
لكن بداية صيف عام 1982، حملت تصعيداً أمنياً وعسكرياً، بدأ مع قرار الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملية اجتياح واسعة النطاق، انطلاقاً من جنوب لبنان نحو العاصمة بيروت.
ما الذي حدث في عام 1982؟
- في 6 يونيو/حزيران 1982 بدأت إسرائيل عملية اجتياح للبنان، قالت إنها تهدف إلى طرد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والقضاء على إمكانيات تنفيذها عمليات عسكرية ضدّ إسرائيل.
- حقّق الجيش الإسرائيلي تقدماً عسكرياً سريعاً ووصل بعد نحو خمسة أيام إلى مشارف العاصمة بيروت، حيث فرض حصاراً على سكانها، في ظلّ قصف عنيف استمر أكثر من 80 يوماً.
- في 20 أغسطس/آب، أعلنت الأطراف المعنية عن توصل المبعوث الأمريكي فيليب حبيب إلى اتفاق، يقضي بوقف إطلاق النار وخروج مقاتلي وقيادات الفصائل الفلسطينية من لبنان.
- 23 أغسطس/آب انتخب بشير الجميل قائد ميليشيا “القوات اللبنانية” المتحالفة مع إسرائيل، رئيساً للجمهورية.
- 14 سبتمبر/أيلول اغتيل بشير الجميل في انفجار عبوة ناسفة، قبل أيام قليلة على توليه رسمياً مهام الرئاسة.
- 15 سبتمبر/أيلول اجتاحت قوات الجيش الإسرائيلي العاصمة بيروت، وأحاطت بمخيمات اللاجئين.
- 16 سبتمبر/أيلول مساء دخلت مجموعات من ميليشيات لبنانية مناوئة للفلسطينيين إلى مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين تحت وهج القنابل المضيئة.
- 18 سبتمبر/أيلول توقفت أعمال القتل وبدأ المراسلون بدخول المخيم، وخرجت أنباء وصور المجزرة المروعة إلى العلن.
المجزرة بالأرقام
اختلفت الأرقام والمصادر التي وثّقت عدد القتلى في المخيمين المتجاورين.
وشكّلت السلطات الإسرائيلية لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة العسكرية يتسحاق كاهان، للتحقيق في ملابسات ما حدث، بعد خروج مظاهرات ضخمة في تل أبيب ومطالبة رئيس الوزراء مناحيم بيغن بالاستقالة من منصبه.
وقدّرت لجنة “كاهان” في تقريرها أن عدد القتلى هو 300 شخص.
بينما نشرت الباحثة والكاتبة بيان نويهض الحوت، زوجة القيادي الفلسطيني في منظمة التحرير الراحل شفيق الحوت، كتاب “صبرا وشاتيلا” بعد 20 عام على وقوع المجزرة.
وسعت بيان نويهض في كتابها إلى توثيق شهادات وأحداث المجزرة بالأرقام والأسماء والتفاصيل.
وذكرت أن عدد القتلى الذي استطاعت توثيق أسمائهم، بلغ 906 ضحية، بالإضافة إلى 408 شخص في عداد المفقودين والمخطوفين.
وذكرت وكالة أسوشييتد برس العام الماضي أن عدد القتلى المؤكد هو 328 شخص، وأن 991 شخصاً اعتبروا في عداد المفقودين.
وذكرت مصادر أخرى منها “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” أنّ عدد القتلى وصل إلى أكثر من 3 آلاف ضحية.
وكان من الصعب إجراء إحصاء دقيق لعدد القتلى، بسبب استخدام الجرافات لدفن عدد كبير من الجثث.
اقتحام المخيمات: ردة فعل أم خطة مسبقة؟
جرى تصوير المجزرة على أنها ردّ فعل ثأري من مقاتلي “القوات اللبنانية” – الجناح العسكري لحزب الكتائب للبناني – على اغتيال رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميّل.
بعد يومين على الاغتيال، أوقف جهاز الأمن في “القوات اللبنانية” اللبناني حبيب الشرتوني، عضو “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، واعترف لاحقاً بتنفيذ اغتيال بشير الجميّل.
تسلّمت السلطات اللبنانية الشرتوني في أبريل/نيسان 1983 لمحاكمته. واستطاع الفرار عام 1990، بعد اقتحام الجيش السوري مقرّ وزارة الدفاع اللبنانية حيث كان محتجزاً.
عام 2018، تناقلت وسائل إعلام وثيقة قيل أنها الملحق السري لتقرير لجنة كاهان، والذي بقي طي الكتمان إلى أن نشره باحث أمريكي في جامعة كولومبيا، يدعى سيث أنزيسكا.
وجاء في الوثيقة أن مسألة التعامل مع وجود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد مغادرة المقاتلين، أثيرت في أكثر من اجتماع بين مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين، بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 1982.
وذكرت أنّ آخر نقاش جرى في 12 سبتمبر/أيلول، قبل يومين على اغتيال الجميّل. وقال خلاله آرييل شارون لبشير الجميّل “يجب تهيئة الظروف التي ستؤدي إلى مغادرة الفلسطينيين”، وفق ما ذكرت الوثيقة.
ونقلت الوثيقة عن رئيس الموساد السادس ناحوم أدموني قوله إن الجميّل كان يتحدث دائماً عن “ميزان الديمغرافيا اللبنانية”.
أما تقرير لجنة كاهان الذي صدر بعد إتمام التحقيقات، فذكر أن “قرار دخول الكتائبيين إلى مخيمات اللاجئين اتخذ صباح يوم الأربعاء 15 سبتمبر/أيلول”.
وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يُبلّغ بالقرار في حينه، بل عرف مع بقية الوزراء من خلال تقرير قدّمه رئيس الأركان في جلسة للحكومة عُقدت في اليوم التالي، بعد أن كان الكتائبيون قد دخلوا فعلاً.
وعرض أمام الحكومة تقريراً يفيد بأن نحو ألفي مقاتل فلسطيني، ما زالوا داخل المخيمات.
كما جاء في تقرير اللجنة أن مناحيم بيغن لم يتسلّم أي تقرير حول “أفعال الكتائبيين في المخيمات”، بل عرف بما جرى من خلال هيئة الإذاعة البريطانية في بثّ يوم 18 سبتمبر/أيلول.
من يتحمل المسؤولية؟
حمّل تقرير لجنة كاهان الرسمي، المسؤولية الكاملة المباشرة عن ارتكاب أعمال القتل، لمقاتلي الميليشيات اللبنانية.
وقالت اللجنة إنها لم تعثر على أي دليل حول تورّط الجيش الإسرائيلي في القتال داخل المخيمات.
وحدّدت مسؤولية ضباط الجيش والموساد ولا سيما وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون، الذي استقال من منصبه بعد صدور التقرير.
وأشارت تقارير إعلامية إلى ضلوع مجموعات من “جيش لبنان الجنوبي”، المتعاونة مع إسرائيل بقيادة الرائد اللبناني سعد حدّاد.
كما برز اسم قائد جهاز أمن “القوات اللبنانية” آنذاك إيلي حبيقة، في الإشراف على المجموعات التي دخلت إلى المخيمات.
لاحقاً أبرم حبيقة اتفاقاً عام 1985 مع النظام السوري وحلفائه من الأحزاب اللبنانية، وأقصي عن قيادة “القوات اللبنانية”، بعد معارك أدّت إلى طرده ومقاتليه من القسم الشرقي لبيروت.
اغتيل حبيقة في بيروت بواسطة سيارة مفخخة في يناير/كانون الثاني 2002، وكان قد أبدى استعداده للشهادة في محكمة في بلجيكا، أرادت النظر في محاكمة شارون على خلفية مجازر صبرا وشاتيلا.
كتاب “كرة الثلج – أسرار التدخل الإسرائيلي في لبنان” للمراسل الصحافي الإسرائيلي شيمون شيفر الذي صدر عام 1985، يذكر محضر اجتماع بين قادة عسكريين إسرائيليين ومسؤولين في الكتائب في 19 سبتمبر/أيلول 1982، أي بعد أقلّ من يومين على انتهاء المجزرة.
خلال الاجتماع طلب رئيس الأركان رفاييل إيتان من الكتائبيين توضيح ما حصل على أنه اشتباك مع مقاتلين من منظمة التحرير وأنّ “الأمر خرج عن السيطرة”.
وبحسب ما ورد في كتاب شيفر، ردّ المسؤول الكتائبي جوزف أبو خليل بالقول: “في الحقيقة ما تريدونه هو أن نأخذ الموضوع على عاتقنا وفي الوضع السياسي الحالي هذا غير ممكن”.
واقترح أبو خليل بأن توجّه السلطات الإسرائيلية وسائل إعلامها بأن لا تتهّم الكتائب.
وردّ إيتان بأن الجميع يعلم أن الكتائب مسؤولة عما حدث. وقال “وسائل إعلامنا حرة ويمكنها أن تقول ما تشاء”.
وعند سؤاله “إذن كيف ستوضحون ما حدث؟”، قال المسؤول الكتائبي “سنواصل النفي”.
مضمون هذه الشهادة يتطابق مع تقرير لمحلل الشؤون الأمنية الإسرائيلي رونين برغمان، نُشر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” في يونيو/حزيران 2020.
رواية المجزرة على لسان الجلّاد
كان لعدد من المراسلين الأجانب فضل كبير في نقل صور وأخبار المجازر، أبرز هؤلاء كان مراسل صحيفة الإنبندنت البريطانية في ذلك الوقت، روبرت فيسك الذي دوّن في كتابه “ويلات وطن” تفاصيل مشاهداته عقب دخوله إلى المخيم مباشرة بعد وقف المجزرة. بالإضافة شهادة قصيرة نقلاً عن المقاتلين دخلوا إلى المخيّم.
لكن يمكن النظر إلى وثائقي بعنوان “مجزرة Massaker” أو “مقاتل”، للمخرجة الألمانية مونيكا برغمان والباحث لقمان سليم، صدر عام 2006 على أنه الوثيقة الأولى والأهمّ التي يتحدث فيها ستة مقاتلين حول ما فعلوه وما شاهدوه في صبرا وشاتيلا.
ويُعرض الشريط الوثائقي حالياً على منصة “أفلامُنا” خلال أيام ذكرى المجزرة.
تفتتح برغمان مشاهد الفيلم مع مقاتل يرسم دائرة على أنها حفرة، قال إنّ أهل المخيّم اصطفوا حولها وحاصرهم ستة أو سبعة مقاتلين.
روى أن المقاتلين حول الحفرة “كانوا يطلقون النار على أحدهم، ويطلبون من (الشخص) الواقف بجواره انتشاله ورميه في الحفرة، وهكذا دواليك، هكذا حدثت المجزرة”.
تحدّث عن استدعائه ومجموعته يوم الخميس 16 سبتمبر/أيلول إلى ثكنتهم العسكرية. قيل لهم إنهم ذاهبون إلى صبرا وشاتيلا تحت عنوان “لا رحمة”. شهادة أكّدها مقاتل آخر قائلاً إن “الأوامر كانت واضحة، أن ندخل ونقتل من في الدخل”.
وأشار قائلاً “كان تفكيري حينذاك أنّ هذا الطفل سيكبر وقد يقتلني، وهذه المرأة ستلد طفلاً يكبر وهكذا”.
تحدث المقاتلون للمخرجة خلال مشاهدتهم وتفاعلهم مع صور ومشاهد لقتلى المجزرة.
سلّطت مونيكا برغمان الضوء على طفولتهم وما شاهدوه من عنف وأحداث. وتابعت انضمامهم إلى صفوف “القوات اللبنانية” وجولات قتالهم الأولى في الحرب، وخضوعهم لتدريبات عسكرية قاسية على يد ضباط الجيش الإسرائيلي في حيفا، إلى أن أتى يوم مشاركتهم في المجزرة.
قال أحدهم إن شهادته للمرة الأولى عن المجزرة هي بمثابة محاكمة وتمثيل للجريمة بالنسبة له.
روى المقاتلون الذين لم تكشف هوياتهم ولا وجوههم، تفاصيل دخولهم إلى المخيم ومباشرتهم بإطلاق النار على المارة وعلى الناس داخل بيوتهم.
وذكروا تفاصيل مروّعة عن كيفية قيامهم بقتل أهل المخيّم.
أكّد أحد المقتحمين أنّ العملية كانت بالنسبة لهم، انتقاماً لاغتيال بشير الجميّل: “انطلقنا (نحو المخيمات) ثأراً لبشير، الفلسطينيون قتلوا بشير الجميّل وسنأخذ بالثأر”.
تحدّث زميله عن جرافات كانت تزيل البيوت خلال أيام المجزرة، بعضها تابع للقوات اللبنانية والبعض الآخر للجيش الإسرائيلي ويقودها إسرائيليون، وفق ما روى.
وذكر مقاتل آخر حادثة قتل وقعت عن طريق الخطأ ليلاً، بين المجموعات اللبنانية التي اقتحمت المخيم. وقال إنهم طلبوا من الإسرائيليين إضاءة المخيّم ليلاً.
وروى أحد المقاتلين أنهم تلقوا ليلاً تعليمات من القيادة بعدم ترك أي أثر لأي شيء، حتى “المصابين والأطفال”. وقال إن قائدهم أطلق على هذه العملية اسم “التنظيفات”.
شهادات وثقتها بي بي سي عن صبرا وشاتيلا
عرضت بي بي سي في أكثر من مناسبة شهادات ناجين وشهود على ما جرى في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982.
نعرض في ما يلي بعضاً منها مع الإشارة إلى أن بعض التفاصيل قد تكون مزعجة:
جيم ميور: مراسل بي بي سي في بيروت عام 1982 في لقاء مع برنامج “المشهد” على شاشة بي بي سي عربي 2019.
لم تكن هناك حماية للمخيمات، كانت هناك رواية بأن مئات المقاتلين الفلسطينيين بقوا في صبرا وشاتيلا، لكن لم يكن الأمر صحيحاً. كان واضحاً أن الإسرائيليين خططوا سابقاً لدخول الميليشيات. كانت هناك أخبار تصل للضباط الإسرائيليين على سطح مبنى يطلّ على المخيم، الذي أُضيئ خلال الليل.
وصلت أخبار بأن هناك مئات القتلى في المخيم، مقابل إصابة في قدم أحد المقتحمين.
إن كنت قائد مجموعة تقتحم مكاناً فمن الطبيعي أن تتكبد خسائر أكثر، إن واجهك مدافعون عن هذا المكان.
كفاح عفيفي: شاهدة ولدت ونشأت في مخيم شاتيلا – برنامج “المشهد” 2018.
كان عمري 11 عاماً، كنا جالسين في المنزل، بدأ الجيش الإسرائيلي بإلقاء قنابل مضيئة على المخيم وبدأ القصف.
خرجنا من المنزل باتجاه ملجأ قريب، لكن أحدهم جاء وأخبرنا بأنه علينا الفرار: إنهم يذبحون الجميع.
قرّرت مجموعة من المسنين مفاوضة الميليشيات لأن أغلب الباقين (بعد مغادرة الفصائل الفلسطينية) هم من الأطفال والنساء والكبار في السنّ، فلحق بهم أخي وشاهدهم يُقتلون.
سرنا وراء شاب حتى وصلنا إلى مستشفى غزة (داخل المخيم)، شاهدنا أفظع المشاهد، الجثث على الأرض ونحن نعبر من فوقها.
رآنا إسرائيليون، فأخذونا جميعاً إلى ملعب “المدينة الرياضية”، فرّقوا بين الرجال والنساء. بدأوا بمناداة الشباب ورميهم بالرصاص أمامنا. ابنة عمتي كانت حامل، شقّ أحدهم بطنها ووضيع الرضيع بجانبها.
رجل ركض ليحمي أبناءه – كانوا يرتدون زي الأطباء – فغمرهم لكنهم قتلوه مع أبنائه.
أسر الجيش الإسرائيلي كفاح بعد ست سنوات خلال محاولتها تنفيذ عملية عسكرية مع حركة “فتح” الفلسطينية، ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. وأُفرج عنها لاحقاً عام 1995.
بيان نويهض: باحثة ومؤرخة لبنانية، وثّقت تفاصيل ومعلومات المجزرة في كتاب “صبرا وشاتيلا” – “المشهد 2019:
رجل خمسيني ضربوه وروموه في حفرة إلى جانب آخرين، قال إن الرائحة المنبعثة من الحفرة كانت توحي بأن شيئاً ما قد حدث. ثمّ شاءت الصدفة أن يتعرف عليه أحد المسلحين الذي يعرفه سابقاً، فطلب إنقاذه من الحفرة. الرجل يروي أن خلال مغادرته المكان، سمع صوت إطلاق النار آت من الحفرة وتكهن أن جميع من فيها قُتلوا.
بيان نويهض قالت إنّ رواية القتل داخل الحفرة تكرّرت على لسان عدد من الناجين.
الدكتورة سوي آنغ شانغ: طبيبة كانت تعمل في مستشفى غزة داخل المخيم : برنامج “شاهد على التاريخ” – 2017
مساء يوم 15 سبتمبر/أيلول اقترب القصف من المخيم وعلمنا أننا محاصرون من قبل الجيش الإسرائيلي.
أغلب الجرحى كانوا من النساء، مع إصابات بأسلحة رشاشة. كانت الإصابات في الفكّ والرأس والذراع والساق. سمعت في البداية أن قناصاً يطلق النار على من يذهب لجلب الماء، وأنه خلال فترة بعد الظهر، دخل مسلحون إلى المنازل وأطلقوا النار على العائلات.
صباح يوم 18، أتى رجال الميليشيا إلى مستشفى غزة التي تحوّلت إلى ملجأ لسكان المخيم إلى جانب الجرحى. طلب أحد رجال الميليشيات من الأجانب الخروج.
كانت هذه المرة الأولى التي أغادر فيها الموقع. رأينا الرجال والنساء والأطفال في مجموعات محاطين بالجنود. قلت لنفسي يا إلهي، هل سيطلقون النار على جميع هؤلاء الأشخاص؟
خلال سيرنا، حاولت إحدى النساء إعطائي طفلها، وأدركت من خلال النظرات في عينيها أنها تعتقد أنها ستُقتل وأنى علي أن آخذ طفلها. لم يسمح لي الجنود ودفعونا في أحد الممرات، وعندها رأيت جثث الموتى. حاولت النظر إلى وجه أحدهم لأني اعتقدت أني أعرفه، واكتشفت أنهم اقتلعوا عينيه.