إعادة الإعمار بعد “زلزال الحوز” تضع “المقاولات المواطِنة” على المحك
بعد ثلاث سنوات من جائحة وبائية-صحية وحدت المغاربة على “قلب رجل واحد” وأبانت عن معدن أصيل للتضامن الذي بإمكانه “تحويل المحن إلى مِنح”، اهتزت الأرض، ليلة الجمعة ثامن شتنبر الجاري، بقوة، من تحت أقدام ساكنة إقليم الحوز وأقاليم مغربية مجاورة في “ليلة رعب” أعادت إلى الأذهان واقع التنمية “الهش” في مناطق وقرى المغرب النائية؛ ما كشف “تردي البنيات التحتية الأساسية” بشكل زاد من متاعب مهام فرق الإغاثة والإنقاذ.
فاجعة “زلزال الحوز” أعادت تسليط الضوء وبكثافة على ضرورة إسهام القطاع الخاص وشركاته الكبرى، إلى جانب جهود الدولة، في تنمية المناطق المتضررة والمنكوبة من أعنف زلزال تشهده المملكة منذ أزيد من قرن.
محللون وفاعلون مدنيون سجلوا أن جهود القطاع الخاص يجب أن لا تقتصرَ على “منطق ربحي صِرف” أو مساهمات مالية “مناسباتية”، معتبرين أن زلزال الحوز فاجعة تقرع جرس الإنذار بخصوص “تباين الفوارق المجالية” ودور القطاع الخاص في ردم الهوة عبر الإسهام الفعلي في جهود التنمية الترابية أيضا”.
“المسؤولية الاجتماعية للشركات”
وديع الشحواطي، أستاذ التعليم العالي تخصص الاقتصاد في كلية تطوان، رأى أن “ما وقع، مؤخرا، في الحوز ومناطق مجاورة مهمشة يمنح فرصة ثمينة من أجل العمل على تحويل المحنة الكارثية للزلزال إلى مِنحة للتنمية بهذه المناطق بمختلف أبعادها”، معتبرا أن “إقرار الضريبة التضامنية على الشركات والتي تضمنتها قوانين مالية سابقة تجربة يمكن أن تنجح في المغرب شريطة إقرار تدابير أخرى موازية”.
ودعا الشحواطي، في تصريح لجريدة هسبريس، إلى “استغلال فرصة المحنة لتصحيح أخطاء الماضي والمرور إلى الأمام”، مذكرا بأن “مساهمة القطاع الخاص والمسؤولية الاجتماعية للشركات تجاه المجتمع بكل فعالياته تعد من بين توصيات النموذج التنموي الذي شُرع في تنفيذه لبلوغ مغرب تنموي رائد بحلول 2035”.
“الشركة المواطِنَة”
شدد أستاذ الاقتصاد، في معرض حديثه لهسبريس، على أن “مفهوم “الشركة المواطِنَة” بدأ الحديث عنه في السنوات الأخيرة؛ إلا أنه يجب أن يتكرس في النسيج الاقتصادي المغربي، لكي لا يكون مجرد شعار مناسباتي أو دعوات موسمية”.
ولفت المتحدث سالف الذكر إلى أن “القطاع الخاص بالمغرب بإمكانه أن يوفر استجابة مُرضية للحاجيات التنموية في المناطق النائية والتي لم تصلها بعد ثمار التوزيع العادل للفرص الاستثمار والتأهيل”.
وزاد شارحا: “الأمر يمكن أن يتم ليس فقط بالتمويل، بل هناك كفاءات وطاقات وخبرات مغربية خالصة يلزمهم المشاركة في الديناميات التنموية وعدم الركون فقط إلى المجهودات العمومية لبناء وتشييد أسس الدولة الاجتماعية”، موردا أن “الطابع المواطناتي” للمقاولة يتعين أن يهمين في تدبيرها لعلاقتها بمحيطها السوسيواقتصادي بدون قانون أو تدابير مفروضة عليها، بل من منطلق حسها الوطني.
وأضاف الشحواطي: “من الواضح أن كل مقاولة أو شركة تتأسس من أجل أهداف ربحية؛ بيد أن الإنسان والمجتمع وتنميتهما يجب أن لا يغيبَا عن تفكيرها”، مؤكدا أن “هناك بعض المبادرات لمقاولات مغربية مواطنة تساهم في المجهود التنموي الوطني والترابي لا بد من تكريسها أكثر استنادا لعلاقة رابح- رابح مع المجتمع والمحيط”.
وفي علاقة بالتنمية الأساسية للمناطق المعزولة، والتي عانت من تداعيات الزلزال، استحضر الأستاذ الجامعي المتخصص في الاقتصاد محورية وحتمية تطبيق “العدالة المجالية” التي قال إن المغرب “قطع أشواطا كبيرة فيها؛ لكن الأثر على الميدان لم يظهر بعد”.
وخلص قائلا: “لا يمكن الحديث عن تنمية بدون اقتصاد.. يمكن التفكير في هذه المناطق المهمشة تنمويا في خلق مشاريع مدرة للربح تراعي الاقتصاد الاجتماعي التضامني أو الإيكولوجي في بُعده السياحي، شريطة أن تحفظ هذه المشاريع التنموية لمواطني تلك المناطق حياة كريمة تُجنبه الهجرة إلى الحواضر وإشكالية الاندماج الاقتصادي”.
تأهيل “الاقتصاد المحلي”
من جانبه، ذهب رشيد ساري، محلل اقتصادي، في الاتجاه نفسه، مسجلا أن “مساهمات مالية عينية من القطاع الخاص بدأت تتراكم في حساب الصندوق الخاص المحدَث لتجاوز آثار زلزال ثامن شتنبر”، قبل أن يستدرك بـ”أهمية المساهمة المكثفة من كبريات الشركات والمقاولات لتجاوز الأزمة على المستويين القريب والبعيد، وهنا عليها أن تبرهنَ على حس وطني عالٍ ونكران ذات”.
وشدد ساري مصرحا لـ هسبريس على حتمية تضافر جهود القطاع الخاص مع نظيره العمومي في “استعجالية تنزيل عملي لعمليات إعادة الإعمار وتأهيل بينات تحتية على المديين القريب والمتوسط”، حسب تقديره “في أفق جني ثمار إقلاع اقتصادي للمنطقة المتضررة برمتها مع مراعاة خصوصية كل منطقة”.
وأضاف: “التوجيهات الملكية بعد جلسة العمل التي أعقبت زلزال الحوز تظل واضحة، وهي خارطة طريق لكل الفاعلين الاقتصاديين؛ ما يجعل القطاع الخاص معنيا بشكل مباشر بهذه التوجيهات، إذ يجب أن لا يُفهَم أنها توجيهات تقتصر على الجهات الحكومية”.
وعدد ساري، في حديثه للجريدة، ما قال إنها عناصر أساسية تؤطر مساهمة القطاع الخاص في “تنمية إستراتيجية وبعيدة المدى”، موردا “ضرورة توفر إرادة وتجند تام في جهود إعادة التنمية وتوزيعها العادل، مع تحلي المقاولات بروح الوطنية وتجاوز منطق الربح”.
واسترسل بأن “تقوية النسيج التعاوني لفائدة أنشطة شبابية وتطوير الموجود منها مهمة يمكن للقطاع الخاص أن ينهض بها، عبر مواكبة الاقتصاد المحلي المعيشي والرقي بالأنشطة الاقتصادية التي تميزها في الغالب أنشطة معيشية بسيطة”.
واعتبر المحلل الاقتصادي ذاته أن “التنمية المنشودة يجب أن تأتي مخططا لها ملائمة لخصوصيات كل منطقة”، ذاكرا غلبة أنشطة “صناعات تقليدية معينة أو زراعات طبية عطرية معيشية بعينها”، ومسطرا على “تطوير الاقتصاد السياحي الترابي/المحلي عبر تأهيل المآوي السياحية التقليدية والعصرية”.