إعادة بناء الإنسان.. مستشفيات عسكرية تُقرب الخدمة الصحية من متضرري الزلزال

بالقرب من مخرج جماعة أسني بإقليم الحوز، التي تبعد عن مراكش بنحو 50 كيلومترا، تنتصب مجموعة من الخيام العسكرية لتشكل مستشفى ميدانيا يروم تقريب الخدمات الصحية من الناجين من الزلزال الذي ضرب المنطقة، منذ الجمعة مساء، مخلفا العديد من الخسائر المادية والبشرية، بحيث يواصل منذ الاثنين تقديم العلاجات الضرورية للجرحى المنحدرين من المناطق المتضررة.
وصلنا إلى المستشفى المذكور ظهر اليوم الأربعاء، حيث الحرارة معتدلة نسبيا؛ الحركية التي تعرف ازدهارا في المستشفى صباحا تقل وسط النهار، بحكم “السرعة والحرفية العاليتين اللتين تطبع الطب العسكري”، كما قالت عائشة التي صادفتها هسبريس إلى جانب زوجها محمد الذي خرج للتو من عملية جراحية على مستوى “الفتق”.
تجلس عائشة في السرير المحاذي لزوجها، الذي يرقد دون دينامية واضحة في “قاعة الاستشفاء”. تتحدث عن هذه الخدمة التي يقدمها هذا المستشفى العسكري، قائلة: “هذا المستشفى كان ضروريا، وخصوصا أنه توفر بشكل عاجل بعد الزلزال، واستقبل العديد من السكان، بتخصصاته الكثيرة بعد إصابتهم، إذ سهل عليهم التنقل نحو جهات أخرى”.
لكن المتحدثة لم تكن مطمئنة مائة في المائة للحديث. لا تزال آثار الصدمة والذهول تنبعث من عينيها. تنظر إلى زوجها، كأنها تطلب “إذنا ما”، ثم واصلت: “وفروا لنا أجواء استثنائية، يعاملوننا بلطف كبير. يدركون أن الفترة التي نمر منها صعبة للغاية”، ثم قالت باطمئنان: “الخير مزال كاين فبلادنا، وكلشي وقف معانا فهاد المصيبة”، مشيرة إلى أن “المعركة لم تنته بعد، لأن السكان يخشون مجيء الشتاء والقرى صارت خرابا”.
بدا الزوج محمد (59 سنة) أكثر أريحية للدردشة، إذ كان يقاطعها بين الفينة والأخرى، فتوجهت إليه هسبريس بالسؤال عن المشكلة الصحية التي كانت وراء مجيئه للمستشفى، فحكى أنه “في ليلة الزلزال الذي ضرب “دوار العرب” بأسني سقطت عليه جدران البيت، فتسببت له في مشاكل صحية أبرزها “الفتق”، الذي أجرى على مستواه عملية جراحية ناجحة، في المستشفى الميداني ذاته”.
وهو يتحدث يستعجل محمد عملية إعادة إعمار كل الدواوير؛ لكنه يركز في كلامه، دون أن يشعر، على “إعادة بناء الإنسان المتحطم” ابتداء، إذ قال: “نركزو دابا على الإنسان لي حي، أما لي راب راه راب، والحمد لله على كل حال”.
وأضاف: “هذا المستشفى يجبر الكثير من الضرر الصحي، فلقد تضررت الناس كثيرا، جيران لنا ماتوا، تخربت النفوس والبيوت، ولا راد لقضاء الله”.
في هذه القاعة التي بقي فيها محمد وزوجته وقبالتهما توجد امرأة مسنة مع نجل “سليم” وآخر “معطوب”. ولعل تعطل جسم ابنها آدم (18 سنة) عن أداء العديد من وظائفه هو سبب مجيئها إلى هذا المستشفى الميداني العسكري، حيث قالت بدارجة ممزوجة بقليل من الأمازيغية: “ابني كان سيموت. لم يأكل شيئا لكونه كان منشغلا في المساعدة في عمليات الإجلاء قبل مجيء فرق الإنقاذ”.
وأضافت “رقية” شارحة: حين أحضرته الإسعاف من مولاي إبراهيم قدموا له هنا الإسعافات الضرورية، ووفروا له السيروم؛ لكن الأدوية اللازمة غير متوفرة في “صيدلية المستشفى الميداني”. لذلك، سيقوم شقيقه باقتنائها حين نغادر، فصحته بدأت تتحسن الآن شيئا فشيئا”. وأفادت: “الأدوية المتوفرة هي متاحة مجانا هنا؛ لكن ما وصفوه لابني ليس متوفرا، وهذا شيء طبيعي وعادي”.
نغادر قاعة الاستشفاء، لتفقد قاعات أخرى. تدخل سيارة إسعاف بشكل استنفر بعض أعضاء الدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية الموجودة. توقفت الإسعاف أمام قاعة المستعجلات، وخرجت منها طفلة صغيرة تبكي وتمسك بطنها متبوعة بوالدتها؛ سألتها إحدى نساء الجيش: “شنو سميت بنتك أ للا، عافاك؟” فأجابت الوالدة: أسماء.
تدور الأجواء في هذا المستشفى بشكل روتيني، كالبنايات الاستشفائية الأخرى؛ لكن الوضع هذه المرة مختلف. فبالقرب من قاعة المستعجلات، يجلس مجموعة من الرجال ينظمون طابورا للدخول إلى رؤية الطبيب. نتوجه إلى رجل، اسمه محمد الروحي ويبلغ من العمر 56 سنة، سجل أن “هذا المستشفى قدم خدمات مهمة لكافة الدواوير المجاورة”، مضيفا أنه “أتى لكي يجري تشخيصا لبعض عظامه التي تؤلمه بعد سقوطه، هو وزوجته، بالدراجة النارية أثناء الصعود إلى أحد الدواوير التي تدمرت”.
الروحي، الذي ينحدر من دوار تاوكارت، أفاد، في حديث مع هسبريس، بأن “ظروف الاستقبال متميزة بالمقارنة مع المستشفيات في الظروف العادية”، مشددا على أن “الفترة ضرورية لتلاحم كل المغاربة”، شاكرا “كل هيئة أو كل منظمة ساعدت هؤلاء المنكوبين، خصوصا في الجانب الصحي، بتوفير هذا الفضاء الاستشفائي الذي سهل علينا المأمورية وجعل الكثير من الآلام الصحية تخف نفسيا وجسديا”.
وفي دردشة “غير رسمية” مع بعض رجال الدرك والجيش الموجودين في المكان، أكدوا لهسبريس أن المستشفى الميداني يقلل الضغط على المستشفيات القريبة من أسني؛ فقد استقبل مئات الأشخاص من الدواوير المتضررة المحاذية، إذ تعبأ أطباء في مختلف التخصصات وأيضا ممرضون ومساعدون اجتماعيون لتقديم الدعم النفسي للأطفال والمسنين.