زلزال إقليم الحوز يسلط الضوء على الوعود الانتخابية في “المغرب العميق”
سلّط “زلزال الحوز” الضوء على “المحن” التي يعيش فيها العديد من المغاربة في القرى والمداشر البعيدة، حيث ساءل هذا الوضع الوعود الانتخابية والمخططات التنموية المتوجهة لمناطق “المغرب العميق”؛ فغياب الطرق المؤدية إلى بعض المناطق المنكوبة صعّب عمليات الإنقاذ أو إيصال المساعدات إلى الناجين وإلى العائلات المتضررة عموما.
هذا الوضع، الذي أثار استياء العديد من المدونين والفاعلين المدنيين والحقوقيين المغاربة، وصفه البعض بأنه “مشكل مركب راجع إلى أسباب منها ما هو تاريخي وسياسي”؛ بينما اعتبرت جهات أخرى أن “الوعود التي تتقاطر في فترة الدعاية الانتخابية تكون ذات أثر محدود، ولا تجد طريقها إلى التحقق”؛ وهو ما تعتبره الجهات عينها “عائقا أمام إعمال مبادئ العدالة المجالية والاجتماعية بين مختلف مدن وجهات المملكة”.
“مشكل مركب”
عبد الرحيم العلام، محلل سياسي، قال، في تصريح لجريدة هسبريس، إن “مشكل انعدام الطرق بالنسبة للدواوير التي تضررت جراء الزلزال هو مشكل مركب يتداخل فيه التاريخي بالسياسي”، موضحا أن “بعض الدواوير من غير الممكن أن تُهيأ لها الطرق لكونها تقع في مناطق جبلية يصعب الوصول إليها، وبناؤها قديم ربما قبل حتى أن توجد الانتخابات بالمغرب المعاصر”.
وذكر العلام بأن “الجزء الآخر يتعلق بما هو سياسي، والذي يتحمل مسؤوليته الفاعل السياسي والحزبي والمؤسسات العمومية”، مشيرا إلى أن “حكومات عديدة تعاقبت وفاعلين حزبيين تعاقبوا على تدبير هذه الجماعات ولم يبادروا في طرح رؤى سياسية واقعية لمعالجة الاختلالات التنموية في العديد من المداشر والقرى”، مشددا على أن “الزمن التنموي متأخر للغاية في ما يسمى “المغرب العميق”.
ولفت المحلل السياسي ذاته إلى أن “سكان هذه المناطق معروفون بالبساطة والطيبوبة وضعف التأهيل، لذلك لا يحتجون في الغالب”، مسجلا أن “ضمن المناطق المتضررة جماعة إيغيل؛ وهي أفقر جماعة بالمغرب ووضعها يسائل السياسات العمومية الموجهة لهذه المناطق وغيرها، خصوصا تلك التي تقع في جبال وأماكن معزولة يصعب الوصول إليها حتى في الظروف العادية، قبل أن يدمر الزلزال تلك الطرق المهترئة”.
وأجمل المتحدث سالف الذكر قائلا: “هذا الواقع يكشف الكثير من المشاكل، ولو كانت الطرق معبدة لكانت، على الأقل، آليات الجيش والوقاية المدنية قادرة على الوصول بسرعة إلى المناطق المتضررة”، مبرزا أن “الدولة عليها أن تفكر مستقبلا في وضع هؤلاء السكان أمام اختيار إعادة الإعمار، فإذا أرادوا التمسك بمناطقهم فيجب توفير منازل بمعايير مغايرة وإذا قبلوا مغادرتها، فيمكن أن توفر لهم الدولة الشروط الملائمة لذلك”.
“إعمال العقل الإستراتيجي”
عبد الحميد بنخطاب، محلل سياسي، قال إن “هشاشة التنمية بالمناطق التي تضررت تبين أن هناك مغربا منسيا ويدار خارج تصورات الجهات الرسمية”، مؤكدا أن “هذه الهوة الشاسعة بين مدن المغرب وقراه ومداشره تبين أن هناك مشكلة تنموية حقيقية تطبع تعاطي المسؤولين مع مشكلة العدالة المجالية”.
وأوضح بنخطاب، في تصريحه لجريدة هسبريس: “لم يعد مقبولا أننا في سنة 2023 وهناك مناطق بدون طرق”، لافتا إلى أن “الهامش يذكرنا دائما بأن الوعود الانتخابية في الكثير من مناطق المغرب تكون منتعشة بحماس خلال الفترة الانتخابية فقط ولا تدوم طويلا لكي تجد طريقها إلى التحقق.. وهذا مشكل”.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس: “هذه المناطق لا تدخل في صميم العديد من البرامج الحكومية؛ لأن الاستثمار فيها يجب أن يكون بعيد المدى، بينما الكثير من الخطابات السياسية تكون قصيرة المدى”، داعيا إلى “إعمال العقل الاستراتيجي للدولة”، أي “العقل الذي يفكر في التدبير على المدى البعيد لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية وتمكين السكان من فوائد التنمية على المستوى الوطني”.
وشدد المتحدث سالف الذكر على أنه “لم يعد ممكنا اليوم الحديث عن “مغرب عميق” أو “غير نافع” لا يتوفر على الحد الأدنى من شروط العيش الكريم من الطرق والمستشفيات والمدارس، خصوصا أن لدينا مدنا ذات معايير عالمية في التنمية”.
وخلص المحلل السياسي إلى أن “هذه الفاجعة هي فرصة لكي نعيد التفكير في علاقتنا مع المناطق التي تبعد عن المركز”، مشددا على أنه “تجب إعادة تدوير مفاهيم التنمية وتكريسه لكوننا بلدا ناهضا ويتقدم بشكل مشرف. ومن ثم، لا بد أن نهتم أكثر بالإنسان المغربي البسيط”، مردفا: “لقد حان الوقت لفتح نقاش حقيقي في هذا الباب، لأن الأحزاب السياسية تقدم في العادة وعودا انتخابية كثيرا ما تعجز عن تحقيقها لاحقا تبعا للظروف المحيطة بتنزيلها”.