إعصار دانيال: مقابر جماعية لدفن جثث الضحايا وفرق الإنقاذ تسابق الزمن بحثا عن ناجين في ليبيا
أعدت فرق الإغاثة مقابر جماعية لدفن العديد من الجثث التي انتُشلت جراء الفيضانات العارمة التي دمرت مناطق في مدينة درنة الساحلية الواقعة في شرقي ليبيا.
وقال مسؤولون إنه عُثر على ما يزيد عن خمسة آلاف جثة حتى الآن في مدينة درنة الساحلية، وتوضع العديد منها في الشوارع حتى يتمكن الأقارب من التعرف عليها، قبل دفنهم في مقابر جماعية.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة، يوم الأربعاء، إن ما لا يقل عن 30 ألف شخص أصبحوا بلا مأوى في مدينة درنة شرقي البلاد بسبب الفيضانات المدمرة التي أحدثتها العاصفة.
وأضافت المنظمة أن آلافا آخرين أصبحوا بلا مأوى في المدن المجاورة.
ومن المتوقع أن يسجل عدد الضحايا زيادة، في ظل الإبلاغ عن فقدان 10 آلاف شخص.
وقال محمد قماطي، متطوع في درنة، إن فرق الإنقاذ لا تزال تبحث عن ضحايا.
وأضاف لوكالة رويترز للأنباء: “ندعو جميع الشباب الليبيين، وأي شخص لديه شهادة جامعية أو أي انتماء لمؤسسة طبية، إلى الحضور ومساعدتنا. لدينا نقص في الممرضات، نحن بحاجة إلى مساعدة”.
وبدأت بعض المساعدات في الوصول إلى البلاد، من بينها مساعدات أرسلتها مصر، بيد أن جهود الإنقاذ يعرقلها الوضع السياسي في ليبيا، مع انقسام البلاد بين حكومتين متنافستين.
وتضم قائمة الدول التي قالت إنها أرسلت مساعدات أو مستعدة لإرسالها: الولايات المتحدة وألمانيا وإيران وإيطاليا وقطر وتركيا.
وقال خبراء هندسة المياه لبي بي سي إنه من المحتمل أن سدا، يبعد عن المدينة نحو 12 كيلومترا، انهار أولا مما دفع المياه خلفه إلى الأسفل نحو المدينة، التي تقع في قلب الوادي، باتجاه السد الثاني والذي يقع قرب درنة.
وأظهرت لقطات فيديو جرى تسجيلها بعد حلول مساء يوم الأحد اجتياح مياه فيضانات مدينة درنة، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 100 ألف نسمة، بينما كانت السيارات تتأرجح بفعل قوة تيارات المياه.
وبحلول الصباح تبين دمار أحياء كاملة وكانت شوارعها مغطاة بالطين والركام، كما جرفت المياه العديد من السيارات.
ورُويت قصص مروعة عن أشخاص جرفتهم المياه إلى البحر، بينما تشبث آخرون بأسطح المنازل للبقاء على قيد الحياة.
وقال هشام شكيوات، من الحكومة الليبية المتمركزة في شرقي ليبيا، لبي بي سي نيوز: “صُدمت بما رأيته، إنه أشبه بتسونامي”.
وقال عثمان عبد الجليل، وزير الصحة في شرقي ليبيا، لوكالة أسوشيتد برس للأنباء عبر الهاتف من درنة: “أذهلنا حجم الدمار… المأساة هائلة، وتتجاوز قدرة درنة والحكومة”.
كما تأثرت مدن سوسة والمرج ومصراتة بالعاصفة التي هبت يوم الأحد.
وتشهد ليبيا حالة من الفوضى السياسية منذ الإطاحة بمعمر القذافي، الذي حكم البلاد لفترة طويلة وقُتل عام 2011، ما أدى إلى انقسام فعلي في الدولة، الغنية بالنفط، بين حكومة مؤقتة معترف بها دوليا تعمل من العاصمة طرابلس وأخرى في الشرق.
ولكن على الرغم من الانقسام، أرسلت الحكومة في طرابلس طائرة تحمل 14 طنا من المساعدات الطبية وأكياسا لحفظ الجثث وما يزيد عن 80 طبيبا ومسعفا.
وتقع درنة على بعد نحو 250 كيلومترا شرق بنغازي على طول الساحل، وتحيطها التلال القريبة في منطقة الجبل الأخضر الخصبة.
وكانت المدينة، ذات يوم، مسرحا لنشاط مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية داخل ليبيا، بعد سقوط القذافي. وقد ُطردوا بعد سنوات من قبل الجيش الوطني الليبي وهي القوات الموالية للجنرال، خليفة حفتر، المتحالف مع إدارة شرق البلاد.
وقال الجنرال إن المسؤولين في شرق البلاد يقيّمون حاليا حجم الأضرار الناجمة عن الفيضانات، لإعادة بناء الطرق واستعادة الكهرباء للمساعدة في جهود الإنقاذ.
ونقلت وكالة رويترز عنه قوله في خطاب بثه التلفزيون: “يتعين على جميع الجهات الرسمية، وخاصة البنك المركزي الليبي، تقديم الدعم المالي اللازم العاجل حتى يتمكن القائمون على تنفيذ إعادة الإعمار من القيام بمهامهم والمضي قدما فيه”.
جهود دولية في ظل تفاقم الوضع لإنساني
في ظل حالة من القلق العالمي بشأن تداعيات الكارثة، عرضت عدة دول تقديم مساعدات عاجلة وفرق إنقاذ لمساعدة ليبيا التي مزقتها الصراعات، وتعاني حاليا مما وصفه أحد مسؤولي الأمم المتحدة بأنها “كارثة ذات أبعاد واسعة النطاق”.
وأعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الأربعاء، إرسال مساعدات من ألمانيا ورومانيا وفنلندا إلى ليبيا.
وقالت المفوضية الأوروبية إن المساعدات “في طريقها” إلى مدينة درنة المتضررة، وإن الاتحاد فعّل رسميا آلية حماية مدنية لحشد المساعدات.
وتأتي الخطوة في أعقاب طلب من السلطات الليبية بشكل رسمي، يوم الثلاثاء، حاجتها إلى مساعدات.
وقال الاتحاد الأوروبي إن المساعدات المقدمة من الدول الثلاث الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عبارة عن “خيام وأسرّة وبطانيات و80 مولدا كهربائيا ومواد غذائية، بالإضافة إلى خيام مستشفيات ميدانية وخزانات مياه”.
وقال المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات، جانيز لينارتشيتش، إن التكتل خصص أيضا مبلغا بصفة مبدئية قدره 500 ألف يورو كتمويل طارئ.
وأضاف: “الاتحاد الأوروبي لا يزال مستعدا لتوسيع نطاق الاستجابة بالنسبة للأشخاص الأكثر تضررا في ليبيا خلال هذا الوقت العصيب”.
وفي مناطق أخرى في شرقي ليبيا، قال المجلس النرويجي للاجئين، يوم الثلاثاء، إن “قرى بأكملها غمرتها الفيضانات ولا يزال عدد القتلى في تزايد مستمر”.
وأضاف: “عانت المجتمعات المحلية في شتى أرجاء ليبيا على مدار سنوات من صراع وفقر ونزوح. وستؤدي الكارثة الأخيرة إلى تفاقم الوضع الإنساني بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، مما يشكل ضغوطا على الطاقة الاستيعابية للمستشفيات ومراكز الإيواء”.
كما أعلنت السلطات وصول فرق إنقاذ من تركيا إلى شرقي ليبيا، وعرضت الأمم المتحدة والعديد من الدول إرسال المساعدات، من بينها فرنسا التي أعلنت أنها سترسل مستشفى ميدانيا ونحو 50 عسكريا ومدنيا قادرين على علاج 500 شخص يوميا.
وأرسلت الإمارات طائرتي مساعدات على متنهما 150 طنا من المواد الغذائية والإغاثة والإمدادات الطبية إلى بنغازي.
كما أرسلت الكويت 40 طنا من المساعدات، وأرسل الأردن طائرة عسكرية على متنها شحنات غذائية وخيام وبطانيات.
وتستجيب منظمات الأمم المتحدة وشركاؤها لمواجهة تداعيات الكارثة التي أسفرت عن وقوع خسائر فادحة في الأرواح خلال عطلة نهاية الأسبوع، حسبما أعلن العاملون في الحقل الإنساني خلال مؤتمر صحفي في جنيف يوم الثلاثاء.
وقال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إن نحو آلاف الأشخاص لقوا حتفهم، واعتُبر نحو 10 آلاف آخرين في عداد المفقودين جراء الفيضانات العارمة بسبب إعصار دانيال الذي اجتاح المناطق الشرقية من البلاد نهاية الأسبوع.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وفي بيان أصدره المتحدث باسمه، عن تعازيه القلبية للسلطات الليبية وأسر الذين لقوا حتفهم، وقال: “نعرب عن تعاطفنا، في هذا الوقت، مع آلاف الأشخاص المتضررين هناك في مجتمعاتهم”.
وأضاف المتحدث، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحفي في نيويورك: “متضامنون مع جميع الأشخاص في ليبيا في هذا الوقت العصيب”.
وقال إن فريقا من الأمم المتحدة موجود بالفعل لتقديم المساعدة فضلا عن تعبئة الموارد وفرق الطوارئ لدعم المتضررين، مشيرا إلى التعاون مع الشركاء المحليين والوطنيين والدوليين للحصول على المساعدة الإنسانية الملحة وتوصيلها للأشخاص في المناطق المتضررة.
وأضاف أن الأمم المتحدة تعمل مع السلطات الليبية لتقييم الاحتياجات ودعم جهود الإغاثة المستمرة.
ووفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، انهار سدان خلال عاصفة شديدة خلال عطلة نهاية الأسبوع، مما أدى إلى جرف أحياء بأكملها في مدينة درنة إلى البحر.
ووصلت مياه الفيضانات إلى ذروتها في شمال شرقي ليبيا يوم الأحد، مصحوبة برياح قوية وصلت سرعتها إلى 80 كيلومترا في الساعة، مما أدى إلى انقطاع الاتصالات وسقوط أبراج الكهرباء والأشجار.
وأكد تامر رمضان، رئيس بعثة الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في ليبيا، متحدثا من تونس عبر تقنية الفيديو، أن الاحتياجات الإنسانية هائلة وتتجاوز بكثير قدرات الهلال الأحمر الليبي، بل وتتجاوز قدرات الحكومة نفسها.
ولهذا السبب أصدرت الحكومة في شرق البلاد نداء دوليا للحصول على مساعدات.
وقالت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، إن الفيضانات كانت هائلة، مضيفة أن البلاد لم تشهد عاصفة مثل هذه من قبل لذا فهي صدمة كبيرة.
وقالت إن العمل الآن ينصب في الواقع على الحصول على مساعدات، وللأسف، بعض هذه المساعدات تتمثل في الحصول هي أشياء كأكياس حفظ الجثث.
وأعلنت الحكومة الليبية الحداد لمدة ثلاثة أيام في جميع المدن المتضررة ووصفتها بأنها مناطق منكوبة.
ولا تزال فرق الإنقاذ والعاملون الحكوميون والسكان يحفرون بين الأنقاض بحثا عن ناجين.
وقالت هاريس: “أولويتنا الثانية هي النظر إلى الأشخاص النازحين”.
وأضافت: “يوجد الكثير من الأشخاص الذين يعيشون بالفعل في ظروف محفوفة بالمخاطر، وعلينا أن نفكر في إنشاء مستشفيات ميدانية وعيادات متنقلة. لذلك يوجد المزيد من العمل يتعين القيام به والإعداد له حاليا”.
وحذرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة من أن “ليبيا أصبحت نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين من أكثر من 40 دولة يقصدون جميعا أوروبا، والذين على الأرجح تأثروا بشدة بالفيضانات”.
وقال بول ديلون، المتحدث باسم المنظمة: “يوجد نحو 600 ألف مهاجر في ليبيا في هذا الوقت، ونحن ندرك أنه في بعض المناطق المتضررة يوجد سكان مهاجرون، ولكن في هذه المرحلة المبكرة، وبالنظر إلى العديد من مشكلات الوصول التي تواجهنا وتواجه فرق الإغاثة الإنسانية، ليس لدينا صورة واضحة عن مدى تضررهم”.