دوار إغلوان .. ساكنة مكلومة تتوجس من التساقطات المطرية وفاجعة ثانية
وأنت تخترق جبال الأطلس الكبير في الـعمق، سيظهر لك دوار “إغلوان” الواقع بجماعة “إيميندونيت” بإقليم شيشاوة؛ هذا الدوار الجبلي الذي نجت ساكنته من الموت جراء الزلزال، تشكل منازله الآيلة للسقوط “خطرا جديدا”.
خطر “إيمنتسوكت”
أخذت الساكنة لعقود من الجبل ملجأ حميما لها، واليوم تهجره بقسوة وحزن، لتأخذ من منبسط وادي “ايمنتسوكت” موطنها الجديد، غير أن هذا الوادي المعروف بـ”هيجانه” وقت الشتاء، يشكل النوم فيه راحة ممزوجة بالقلق والترقب.
“بغينا فين نسكنو، ديورنا يقدرو يطيحو فأي وقت”، بهذه الكلمات عبرت إحدى ساكنات “إغلوان” عن المطالب الفجائية للساكنة، التي اعتادت العيش في عزلة دون مساعدة، لكن زلزال الحوز غير كل شيء.
وأضافت المتحدثة لهسبريس: “ننام في البرد ونحن نراقب السماء ونسيمها تحسبا للمطر، وهو الاحتمال القادم بكل تأكيد في المستقبل، الذي لا نملك لمواجهته أي شيء”.
“المغاربة محسنون، ساعدونا كثيرا في هاته المحنة، نشكرهم كثيرا على الأغذية، فنحن حاليا لا نعاني من أي نقص في المأكل والمشرب، لكن كل هذا المخزون الكبير لا نعرف أين نخزنه، فمنازلنا قد تسقط في أي لحظة، وما نتوفر عليه حاليا قد لا يصلح للأكل مستقبلا إذا جاء المطر”، تورد السيدة ذاتها.
“مشكل التخزين” يتضاعف مع استمرار هبات المحسنين من مختلف مدن المملكة، ما يدفع الساكنة إلى المخاطرة واستخدام المدرسة الابتدائية المتضررة بالزلزال، الوحيدة بالدوار، ولو أن احتمال عدم صمودها في حالة سقوط المطر كبير جدا.
“كنت معولة نكمل قرايتي مورا السادس ابتدائي”، كان هذا حلم إحدى فتيات “إغلوان” اللواتي فقدن الأمل من جديد في استكمال الدراسة بعد سنوات من المحاولة لإقناع آبائهن.
تقول لهسبريس: “كنت أستعد لولوج المرحلة الثانوية بعد إقناع أبي أخيرا هذا العام، لكن الزلزال وضع حدا لطموحاتي، خاصة وأن الثانوية الوحيدة بالمنطقة هي الأخرى مهدمة جراء الزلزال، وما يزيد من تحطيم حلمي غياب مسكن”.
منازل الموت بإغلوان
تبدو منازل إغلوان “صامدة” لكنها تخفي قصصا وأسرارا؛ أزقة يخيم عليها صمت “رهيب”، بيوت مهجورة تنذر تشققاتها بالفاجعة في أي وقت وحين، أما الأبواب فمفتوحة على مصراعيها بدون رقيب.
عندما دخلنا منزل محمد (شاب عشريني)، شرع يحكي قصة أسرته التي نجت بأعجوبة من الموت: “كنا نائمين فأحسسنا بهول الهزة الأرضية وهرعنا بسرعة وبدون شعور إلى الخارج، لنكتشف بعدها أننا نسينا جدتنا وأختي الصغيرة”.
“وجدناهما تحت الركام في حالة جيدة، لم تتعرضا لأي إصابات، وهو أمر لا نعرف كيف يمكن أن نفسره إلى حدود الساعة، ربما كان ذلك فضلا من الله”، يقول المتحدث.
قصة أخرى “فريدة” لمسنة ضعيفة السمع نجت هي الأخرى رفقة ابنتها الستينية من الموت، فرغم الدمار الحاصل في المنزل إلا أنها ترفض مغادرته وتقول متسائلة: “إذا خرجت من منزلي فإلى أين سأتجه؟ لا يوجد شيء في الخارج سوى الخلاء”.
على الرغم من محاولات حثها المتعددة على الانضمام إلى الساكنة في منبسط “إيمنتسوكت”، إلا أن هذه السيدة المسنة، التي تحكي تجاعيد وجهها عن قسوة العيش في الجبال، ما تزال تمارس حياتها بشكل طبيعي وتتحرك في أرجاء البيت بدون خوف.
تقول ابنتها لهسبريس: “منزلنا قابل للسقوط ووالدتي ترفض مغادرته، وعند حلول المطر لا أعلم إذا كنت سأراها مجددا وأنا التي كنت محظوظة ببقائها على قيد الحياة على الرغم من اهتزاز الأرض من تحتنا”.
بينما نغادر هذا المنزل يأخذنا محمد إلى مسجد الدوار، الذي بات هو الآخر مهجورا، ويقول: “هنا كنا ندرس القرآن في صغرنا، وكنا نؤدي فيه الصلوات الخمس جميعا قبل الزلزال، أما اليوم فإن صلواتنا تكون في بطن الوادي”.
لا تعيش ساكنة إغلوان على أي نشاط زراعي معيشي عكس دواوير إيميندونيت الأخرى، إذ تعد زراعة اللوز وتربية الماشية موردها الوحيد. ومع الزلزال الذي أتي على نصف القطيع وبقي جزء آخر منه محاصرا في المباني الآيلة للسقوط، تعتمد الساكنة لأول مرة على مساعدات الغير.
الخوف من الموت لا يمنع الساكنة من خرق القواعد التي فرضها الزلزال، فهي تطبخ جل طعامها داخل هاته المباني الخطيرة وتتفقد ماشيتها التي نجت من الموت، معللة ذلك بكون “الطبخ في الخارج قد يعرض الطعام إلى التلوث، لذا نحرص على طبخ ما تبقى من الخضر التي جلبناها من السوق قبل الزلزال ثم العودة بسرعة إلى إيمنتسوكت”، بتعبير إحداهن.
الملجأ القاتل
وادي إيمنتسوكت عادة ما ينغص حياة سكان هذا الدوار في الشتاء ويحولها إلى جحيم. ومع الزلزال الذي أبعدهم عن منازلهم التي كانت مأواهم “الوحيد” و”الضعيف”، يجدون أنفسهم وسط وضع “غير مسبوق”، وهو ما تلهج به ألسنتهم في كل حين: “انتهينا من فاجعة، ونحن في انتظار أخرى”.
اللجوء إلى هذا الوادي الذي يشق الدوار إلى نصفين، مشكلا على ضفتيه أرضا منبسطة اتخذتها الساكنة المتضررة مأوى مؤقتا، والذي قد يأتي على ما صمد من زلزال الحوز مع أولى التساقطات المطرية، يجعل ضرورة توفير الخيام في مكان آخر آمن أولوية قصوى.