عاصفة دانيال: لماذا تأثرت ليبيا إلى هذا الحد؟
- Author, علي القماطي
- Role, بي بي سي نيوز عربي
ضرب إعصار دانيال، السواحل الشرقية لليبيا، وبالتحديد مدن بنغازي والبيضاء وسوسة والمرج وشحات بالإضافة إلى مدينة درنة، التي كانت أكثر المدن الساحلية الليبية تضرراً جراء هذا الإعصار، مخلفاً قتلى وجرحى ومفقودين قدّرتهم السُلطات الليبية بآلاف الضحايا.
وتتضارب الأنباء حتى الأن حول العدد الفعلي للضحايا خاصة في مدينة درنة، التي أعلنتها الحكومة الليبية مدينة منكوبة، فيما تقدر السلطات عدد المتضررين بالألاف بين قتلى ومفقودين، وقال الناطق باسم الجيش الليبي في شرق ليبيا، اللواء أحمد المسماري، إن الوحدات التابعة للجيش انتشلت ما لا يقل عن ألفي جثة حتى مساء أمس الإثنين، جراء كارثة لم تشهدها البلاد منذ 40 عاماً.
وبين شهود عيان من مدينة درنة، لبي بي سي، أن السيول جرفت منازل وعمارات بكاملها نحو البحر، والتي كانت على ضفتي مجرى الوادي الذي يتوسط المدينة، في حين مازالت عمليات البحث عن مفقودين جارية حتى الأن، وسط انقطاع الكهرباء وشبكات الاتصالات في المدينة.
وأضاف أهالي المدينة أن السيول أدت إلى تقسيم مدينة درنة التي يقطنها قرابة مئتي ألف نسمة إلى قسمين شرقي وغربي، مشيرين إلى أن المياه جرفت كل ما في طريقها بما في ذلك أجزاء من مسجد الصحابة والمقبرة التاريخية على الضفة الشرقية لمجرى الوادي.
وقال الشهود الذين تحدثت إليهم بي بي سي، إن عشرات الجثث دُفنت أمس في مقابر مرتوبة والمخيلي في ضواحي مدينة درنة، بعد أن تعثر الوصول لمقابر وسط المدينة كمقبرة الصحابة التي دُمرت بالكامل، في حين ما زالت عشرات الجثث الأخرى في مستشفى شيحا وهو حي قريب من وسط المدينة ونجا من “الكارثة”.
“مياه السدين نحو البحر”
بعد ساعات قليلة من دخول إعصار دانيال للسواحل الليبية، شهدت مدن الساحل الشرقي للبلاد – المليئة بالأودية والسدود- هطولا كبيرا للأمطار تجاوزت في بعض مناطق الجبل الأخضر 400 مليلتر خلال 24 ساعة، وهي معدلات فاقت المعدلات التي يتم تسجيلها خلال العام بأكمله، بحسب المركز اللليبي للأرصاد الجوية.
ويقول خبير الأرصاد الجوية الليبي علي بوخريص لبي بي سي، إن “إعصار دانيال وصل إلى الشواطئ الليبية ليل الأحد، حاملا معه الغيوم والأمطار الغزيرة، بالإضافة إلى الرياح التي لم تتجاوز سرعتها 75 كيلومتراً في الساعة”، مشيراً إلى أن منطقة الجبل الأخضر، المشمولة بمناطق شحات ودرنة والمرج “تعتبر من المناطق المعروفة بكثافة هطولاتها المطرية كل عام”.
ويضيف بوخريص أن ما تشهده ليبيا حالياً من طقس متطرف، يعتبر دورة مناخية تجري في البلاد بين فترة وأخرى، موضحاً أن ليبيا شهدت خلال فترات زمنية سابقة طقساً متطرفاً وظواهر طبيعية غير مألوفة كالثلوج والزلازل.
وبرغم ذلك، أخذ الإعصار منحنى أخر في مدينة درنة الساحلية المنكوبة، إذ انفجر سدّي المدينة الواقعين جنوبها، ما أدى لسيل جارف نحو البحر.
وتقع مدينة درنة في منطقة تتوسط الجبل الأخضر جنوبي المدينة وساحل البحر الذي يقع شمالها، ما يجعلها منطقة منحدرة، ويفصلها مجرى واد من قمة الجبل إلى البحر يعرف بوادي درنة، وشُيد سدان على مجرى الوادي، أحدهما أقصى جنوبي المدينة يعرف باسم السد الكبير والآخر بالقرب من مداخل المدينة الجنوبية ويعرف بسد درنة.
مع غزارة الأمطار التي حملها إعصار دانيال، وتهالك السدين جنوبي المدينة، انهارَ السدان وتدفقت منهما المياه المُخزنة، مشكلة سيلاً عارماً باتجاه وسط المدينة، جرف عدداً من المباني ومساكن المواطنين، التي تحولت إلى حطام استقر أخيراً في البحر.
وبحسب روايات شهود العيان، فإن السكان في أحياء درنة المختلفة، سمعوا دوي انفجار بحدود الساعة الـ2:30 صباحاً، ليتبين بعد دقائق قليلة أنه انفجار السد الكبير الذي يبعد قرابة 20 كيلومتراً من مركز المدينة.
ووفق الروايات التي وصلت بي بي سي، فإن المياه كانت تغمر الشوارع جراء الأمطار الغزيرة، والتي بدأ يرتفع منسوبها في مجرى النهر، غير أنها تحولت إلى سيل عارم اجتاح قلب المدينة في غضون أقل من ساعة من ذلك الانفجار.
عجز عن التقدير
ويقول المتحدث باسم جمعية الهلال الأحمر الليبية، توفيق الشكري، إن عمليات البحث جارية عن “آلاف المفقودين” الذين جرفتهم المياه بعد أن دمرت السيول ثلاثة أحياء بالكامل، وجرفت قاطنيها إلى البحر، مشيراً إلى أن فرق الإنقاذ تحركت من المدن الليبية كافة، ووكذلك من دول جوار ليبيا والدول الصديقة للمساعدة في البحث عن المفقودين وانتشال الجثث.
وأوضح الشكري لبي بي سي، أنه يصعب تقدير العدد الفعلي للضحايا في الوقت الراهن، “نظراً للفوضى التي تجتاح المدينة وانقطاع الاتصالات فيها”، وموضحا أن الجهات المعنية تحاول حصر الضحايا والأضرار بشكل دقيق، مرجحاً أن يتم التوصل إلى احصائيات تقريبية مع نهاية يوم الثلاثاء..
من جانبها، طالبت الحكومة الليبية -المكلفة من مجلس النواب – الجهات الدولية بمساعدة ليبيا في البحث عن المفقودين والذين قدرتهم بأكثر من عشرة آلاف شخص، في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة الوحدة الليبي غربي البلاد، الحداد ثلاثة أيام على ضحايا السيول في مدينة درنة، وأكدت أنها في حالة انعقاد مستمر، وأرسلت فرقاً إغاثية ومساعدات للمدينة التي تبعد قرابة 1200 كيلومتر عن العاصمة طرابلس.