التغيّر المناخي: هل تهدّد موجات الحرّ حياة الرياضيين المحترفين؟
“سيموت أحد اللاعبين يوماً ما، عندها ستدركون الوضع”، قال لاعب التنس الروسي دانييل ميدفيديف متوجهاً للكاميرا، خلال مباراة نصف نهائي بطولة أمريكا المفتوحة للتنس، الخميس.
وفاز ميدفيديف، المصنف ثالث عالمياً، في تلك المباراة، على مواطنه أندريه روبليف، بعد مواجهة صعبة، تحت سقف مغلق جزئياً، وفي حرارة بلغت 35 درجة مئوية.
وظهر الإرهاق بوضوح على اللاعبَيْن، جسدياً وعاطفياً، حتى أن ميدفيديف وصف الظروف المناخية بأنها “وحشية”. وقال: “في نهاية المجموعة الأولى لم أعد قادراً على رؤية الكرة”.
واحتاج اللاعبان إلى فترات راحة طويلة بين المجموعات خلال المباراة، واغتسلا بالماء البارد، واستخدما مناشف مثلجة.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ تتزايد معاناة أبطال الرياضات كافة، من الإرهاق الجسدي والعقلي الشديد، جراء الحرّ.
صحة الرياضيين بخطر
حين تحدّث ميدفيديف عن احتمال موت أحد اللاعبين، لم يكن يبالغ. فإلى جانب كبار السن، والأطفال، والمصابين بأمراض مزمنة، يعدّ الرياضيون من الفئات المعرضة لمخاطر صحية جدية، بسبب تغير المناخ، وارتفاع حرارة الأرض.
ففي عام 2018، سجلت بطولة أمريكا المفتوحة للتنس، انسحاب عدد من اللاعبين، بسبب الإجهاد الحراري والإرهاق، مع وصف الظروف المناخية بأنها “خطرة”.
وخلال بطولة العالم لألعاب القوى في قطر عام 2019، انسحبت 28 عداءة من بين 68 شاركن في ماراثون السيدات، بسبب الرطوبة ودرجة الحرارة المرتفعة، علماً أن المسابقة نظّمت في منتصف الليل.
كذلك سجل أولمبياد طوكيو 2020، عشرات الإصابات بالإجهاد الحراري في صفوف المتبارين.
وبحسب مقال بحثي نشر في مجلة “سبرينجر” الألمانية المختصة بالرياضة، فإن التغير المناخي ينعكس بشكل مباشر على صحة الرياضيين، بسبب موجات الحر، والظواهر الجوية المتطرفة، وتأثير الأشعة ما فوق البنفسجية.
يضاف إلى ذلك عدد من التأثيرات غير المباشرة، الناجمة عن التغييرات الشاملة في نظامنا البيئي، بسبب ملوثات الهواء، والمواد المسببة للحساسية، والبكتيريا، والفيروسات وغيرها.
وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة في الهواء الطلق إلى زيادة الضغط على القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والتمثيل الغذائي.
ولا يقتصر الأمر على الرياضات التي تنظّم في الهواء الطلق، مثل كرة القدم والرغبي والهوكي وألعاب القوى والتنس وسباقات المضمار والميدان والكريكيت، بل تؤثر الحرارة المرتفعة على اللاعبين في القاعات وصالات الرياضة غير المكيفة بشكل كافٍ.
ويؤدي ارتفاع حرارة الجسم أو ما يسمى بـ”فرط الحرارة” عادةً إلى الإصابة بما يعرف بضربة الحر أو ضربة الشمس، والانهيار، والإرهاق الحراري، والتشنجات الناتجة عن الحرارة.
وبحسب بحث أجرته جامعة ولاية جورجيا الأمريكية، نشر عام 2010، فقد توفي بين عامي 1980 و2009، 58 لاعب كرة قدم، في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بسبب أمراض مرتبطة بالحرارة، وكان معظمهم في المدرسة الثانوية. كما وجدت الدراسة، أن عدد لاعبي كرة القدم الذين يموتون بسبب الحرارة ازداد مع مرور السنين.
ظروف مناخية غير ملائمة
ستزداد الظواهر الجوية المتطرفة مثل الصواعق والعواصف والفيضانات بسبب تغير المناخ، وكلها تشكل عقبات جدية في تنظيم عدد من الرياضات الخارجية.
ستزداد الظواهر الجوية المتطرفة مثل الصواعق والعواصف والفيضانات بسبب تغير المناخ، وكلها تشكل عقبات جدية في تنظيم عدد من الرياضات الخارجية.
وتوفي أكثر من لاعب كرة قدم حول العالم في حوادث متعلقة بالصواعق، آخرها في شهر أغسطس/آب الماضي، حين قتلت صاعقة رعدية لاعب كرة قدم ومدربه في نيكاراغوا.
إضافة إلى ذلك، تشكل درجات الحرارة المتزايدة خطراً أساسياً على المتزلجين ومتسلقي الجبال مع ذوبان الأنهار الجليدية، والمناطق دائمة التجمد، والانهيارات الأرضية، والشقوق والانهيارات الجليدية.
كذلك هناك مخاطر على عشاق الرياضات المائية، مع التقلّبات في سرعة تيارات المياه.
وتشير الأبحاث أيضاً إلى مخاطر تعرّض الرياضيين للأشعة فوق البنفسجية، مع تزايد عدد الأيام المشمسة بسبب تغير المناخ، وذلك ما يسبب أمراضاً مثل التهاب السحايا أو تورم أنسجة المخ إلى جانب الحروق الجلدية.
أما على المدى الطويل، فيسبب التعرض للأشعة فوق البنفسجية، خصوصاً في رياضات مثل الترياتلون والتجديف والغولف والإبحار، أضرار مزمنة من أخطرها سرطان الجلد.
تأجيل المسابقات
يعدّ تأجيل المسابقات من أبرز نتائج التغير المناخي على الرياضات. ولعلّ المثال الأكثر شهرة، كان كأس العالم في كرة القدم عام 2022، والذي أقيم في قطر خلال الخريف، خلافاً للمعتاد، بسبب درجات الحرارة المرتفعة في البلد الخليجي صيفاً.
وكان قرار الفيفا بتنظيم المونديال في قطر لاقى انتقادات واسعة، خصوصاً بعد انتشار تقارير عن موت عمال مهاجرين خلال بناء الملاعب والفنادق، بسبب ضربات الشمس.
وفي خريف عام 2022، أجلت بطولة كأس العالم للتزلج للسيدات في جبال الألب، لأكثر من شهر ، ثم نقلت إلى مكان آخر، بعد هطول أمطار غير موسمية جعلت الدورة غير آمنة.
وفي صيف العام نفسه، دفعت موجة الحر التاريخية التي شهدتها فرنسا، منظمي دورة فرنسا الدولية للدراجات الهوائية، إلى رش المياه على الطرقات لمنع ذوبان عجلات الدراجات من شدّة الحر.
وبالعودة الى مونديال قطر، أنفقت البلاد أكثر من 200 مليار دولار للتحضير ، بما في ذلك الاستثمار في تقنيات تبريد متطورة، مثل موزعات ومكيفات الهواء تحت المقاعد في الملاعب.
يطرح ذلك إشكالية حول التكلفة التي ستتكبدها الدول والمنظمات الرياضية لاستضافة أحداث رياضية عالمية. فحتى إن توفرت القدرة المادية، لا يمكن للأموال ولا للتكنولوجيا أن تحلّ جميع المشاكل المرتبطة بالتغيّر المناخي.
وأشارت دراسة نشرت في عام 2018 بعنوان: “الجغرافيا المتغيرة للألعاب الأولمبية الشتوية والألعاب الأولمبية للأشخاص المعوّقين في عالم أكثر دفئاً”، إلى أنه مع استمرار معدل انبعاثات الغازات الدفيئة بوتيرته الحالية، لن تتبقى إلا 10مواقع قادرة على استضافة الألعاب الأولمبية الشتوية، بحلول عام 2050.