موّال “العدل فوق الجميع” يعيد بدريّة السيد إلى الضوء
- Author, محمد همدر
- Role, بي بي سي نيوز عربي
في بحري، أقدم أحياء الإسكندرية، المعروف بمعالمه التراثية العائدة إلى الحقبتين الفاطمية والأيوبية، وبوِرَش حرفيي صناعة السفن، والمراكب، ومطاعم السمك المواجهة للبحر، ولدت في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، بدور مصطفى أحمد الشامي، في حارة البندقة.
لن يتذكر كثيرون اسم بدور، لأن صاحبته عرفت باسمها الفني “بدرية السيّد” أو “بدارة”، وتربعت لسنوات على عرش الطرب الشعبي في مدينتها، وباتت تلقّب بـ”ملكة الموال الاسكندراني”.
اعتزلت بدرية السيّد الفن وارتدت الحجاب، قبل وفاتها عام 1989. لكنّ أثرها الفني بقي حاضراً بقوة، خصوصاً في الاسكندرية، المدينة التي شكّلت محوراً لأغانيها، بشخصياتها، ومعالمها، وتفاصيل حياتها.
في الآونة الأخيرة، انتشر موّال “العدل فوق الجميع” بصوت بدرية السيّد على منصات التواصل الاجتماعي، وحقق أرقام استماع ضخمة عبر تطبيقات الموسيقى، بعد بثّه خلال إحدى حلقات مسلسل “سفاح الجيزة”.
المسلسل مستوحى من قصة حقيقية، عن رجل مصري، قتل أربعة أشخاص من بينهم زوجته ما بين 2015 و2018، ويحظى بمتابعة واسعة عبر منصة “شاهد”.
اسم بدارة لا يزال حاضراً في ذاكرة أهل الإسكندرية، حتى في أوساط الجيل الذي لم يعايش حقبتها الغنائية. ومع انتشار موّال “العدل فوق الجميع”، عادت أغانيها وموواليها الشهيرة الأخرى، لتظهر عبر حسابات مستخدمي مواقع التواصل، لتثبت مدى حضورها في ذاكرة الطرب الشعبي المصري.
ويقول مطلع الموال: “العدل فوق الجميع وبيعشقه المخلوق وابن الغفير والوزير من التراب مخلوق”.
صوت الاسكندرية وصورتها
“حين أسمع صوتها، أشعر بالإسكندرية. كانت تغني نغماً اسكندرانياً”، يقول سيّد ربيع، وهو عازف ناي في فرقة بدارة، تحدّث عن إرث المغنية الراحلة، في تقرير نشر على موقع “ذات مصر”، قبل عامين.
في الفيديو يظهر ثلاثة عازفين رافقوا بدرية السيّد، هم علاء الدين علي، وسيّد ربيع، وسالم ناصر الدين. يشاركون مع موسيقيين من الجيل الجديد عزف أغاني بدارة.
أصغر عازف إيقاع في فرقة بدرية السيد، هو علاء الدين علي، يقول إنها بالنسبة له “منارة الاسكندرية”.
غنّت بدرية السيّد حكايا وشخصيات ومشاهد من المدينة التي عاشت تفاصيل حياتها اليومية، لكنها في الأصل بنت عائلة رشيدية، أي من مدينة رشيد الساحلية في شمال مصر.
ترسم لنا في واحدة من أشهر أغنياتها “إدّلع يا رشيدي”، صورة البحّار حين تقول: “بحيري يا واد بحيري وآه من البحراوية، وعايق بالسديرى واللاسة والطاقية”.
وتقول في مقطع آخر من الأغنية نفسها: “يا طالع بالفلوكة والدفة مطاوعة إيدك، وخالي البال وراضي يا عمّ الله يزيدك”.
وتأخذنا في جولة على الكورنيش البحري مع أغنية “فسحنا يا اسطى ولف ودور، تهدى وتحلوّ السكة، خلي الحمار مع الحنطور زي القانون والدربوكة”.
وكأن بدارة تساهم من خلال أغنياتها، في حفظ تراث المدينة في ذاكرة أبنائها وذاكرة المصريين.
ملكة الموال الاسكندراني
تقدّمت بدرية السيّد للعمل في الإذاعة عام 1954، بعد الإعلان عن استقبال تجارب أداء لأصوات من الجنسين، فنجحت، ونالت اهتمام الملحن محمد الحماقي الذي ساهم في إطلاقها وبداية شهرتها.
وتحتلّ بدارة ومجموعة من سيّدات الطرب الشعبي المصري، مثل روح الفؤاد، وجمالات شيحة، وفاطمة عيد، وخضرة محمد خضر، مكانة عالية في التراث المصري الموسيقي الغني. ولدى كلّ منهنّ لون ونغم خاص.
أستاذ الغناء في جامعة الاسكندرية الدكتور محمد حسني قال لبي بي سي نيوز عربي، إن بدارة كانت تجمع بين اللونين الصعيدي والفلاحي، وهذه ميزة ليست موجودة عند كثيرين.
كانت بدارة المطربة المفضلة لدى عائلة والدته. بالنسبة لحسني، يستحضر صوتها سريعاً صوراً من الاسكندرية القديمة.
يقول إن حفلات زفاف الأعيان والطبقة الوسطى في مصر، كانت تجذب عدداً كبيراً من المدعوين، من أجل الاستماع إلى بدارة، التي كان حضورها ضرورياً وأساسياً في “الأفراح الشعبية” والمناسبات العامة.
حسني هو ابن الجيل الذي استعاد أغنيات بدارة، فعمل على تجربة موسيقية بعنوان “استحضار” تدمج بين تجربة بدرية السيّد وتجربة الشيخ أمين أبو أحمد، المطرب الاسكندراني.
اشتهرت بدارة أيضاً بأداء المووايل الشعبية، وأكثرها شهرة موّال “طلعت فوق السطوح” و”العدل فوق الجميع”.
ويتمتع الموّال بحضور قوي في ثقافة مصر الشعبية والموسيقية. وله أشكال أو وظائف مختلفة مثل الموال القصصي الطويل الذي يروي حكاية ما مثل موّال “حسن ونعيمة”، أو موّال “الدرس” الذي يحمل عبرة أو حكمة، أو موّال يروي حكايات بطولية مثل موّال “أدهم الشرقاوي”.
ولم تمرّ حقبة بدارة من دون أن تطلّ بنت الاسكندرية على محبيها عبر الشاشة الكبيرة، فشاركت في فيلم “مملكة الهلوسة” بدور “المِعَلِّمة بلطية” إلى جانب محمود عبد العزيز وسعيد صالح وحسين فهمي وآثار الحكيم وماجدة الخطيب. وغنّت في الفيلم إلى جانب نجم الطرب الشعبي أحمد عدوية.