فنّ الجرّ: ما هو؟ وما علاقته بالجندر؟
- Author, جوي سليم
- Role, بي بي سي نيوز عربي – بيروت
قبل أيام، هاجمت مجموعة من الشبان في العاصمة اللبنانية بيروت روّاد حانةٍ كانت تستضيف عرض “دراغ” أو فن الجرّ.
هدّدت المجموعة الفنانين والحضور وأمرتهم بمغادرة المكان، باعتبار أن ما يحصل هو “عرض شيطاني” وأن تلك المظاهر (ارتداء رجال ملابس نسائية) غير مقبولة من قبل تلك المجموعة و”سكّان المنطقة”.
انتشرت مقاطع فيديو للهجوم وأظهر واحد منها فنانين داخل الحانة يزيلان الماكياج عن وجهيهما قبل المغادرة تحت وقع التهديد.
فما هو فن الجرّ؟ وما هي علاقته بمجتمع المثليين والعابرين جنسياً وبحقوقهم حول العالم؟
ما هو فنّ الجر؟
الدراغ أو فن الجرّ هو فن استعراضي يقاطع بين الجنس المذكر والمؤنث، إذ يرتدي الفنان أنواعاً من الملابس والمكياج التي تنتمي إلى الهوية الجنسية الأخرى مع المبالغة في إبراز هذه الهوية.
وعلى الرغم من أن هذا النوع من الفنّ بدأ على خشبة المسرح وفي حدود العروض الفنية والترفيهية، إلا أنه أصبح طريقة للتعبير عن الذات والاحتفال بفخر بالانتماء إلى مجتمع المثليين والعابرين جنسياً.
إحدى النظريات الشائعة والتي يعتقد أنها الأصح حول أصل مصطلح “الجرّ”، هي أنه يرجع إلى الطريقة التي “تجر” بها الفساتين والأثواب على الأرض خلف الممثلين الذين كانون يلعبون أدوار نسائية.
وتشير نظرية أخرى إلى أن كلمة “دراغ” مشتقة من “بولاري” وهي نوع من العامية البريطانية التي كانت شائعة بين الرجال المثليين والمجتمع المسرحي في أواخر القرنين التاسع عشر والعشرين. وتعني كلمة “دراغ” في هذه اللغة: الملابس.
ترتدي ملكات الجرّ في العادة ملابس نسائية مبهرجة من حيث الألوان والأشكال، يضعن شعراً مستعاراً إضافة إلى مستحضرات التجميل كثيفة، من أجل تقديم عرض أنثوي.
وفيما لا تزال النسبة الأكبر ممن يلعبون دور ملكات الجرّ من الرجال المثليين، تؤدي النساء العابرات جنسياً، وغير ثنائيات الجنس، وذوات الهويات الجنسية المتنوعة الأخرى تلك العروض أيضاً.
وفي المقابل، هناك الـ”دراغ كينغز” أو ملوك الجرّ، إذ يرتدي الفنانون ملابس مضخِّمة لهوية الرجل مع مكياج يظهرهم أكثر ذكورة. ومع ذلك، هذا النوع من الفنّ الأدائي ليس شائعاً في الثقافة الشعبية بقدر فنّ ملكات الجرّ.
ويجذب هذا الفن الأشخاص المهمشين من مختلف الهويات الجنسية عموماً، وأولئك الذين يجمع بينهم أنهم لا يجدون قبولاً من أسرهم ومحيطهم الاجتماعي.
تاريخ فن الجرّ
تعود جذور فن الجرّ إلى اليونان القديمة والحضارة الرومانية، إذ لعب رجال أدوار نسائية على المسرح، الأمر الذي نجده أيضاً في مسرح شكسبير.
ويرجع ذلك إلى منع النساء في تلك الحقبات من الأداء والتمثيل على المسرح الذي ظلّ لفترات طويلة حكراً على الرجال.
وفي القرن التاسع عشر، كانت يعرّف عن ملكات الجرّ بكونهن رجال مقلّدين للنساء، لا سيما في المسرح الهزلي (الفودفيل).
ثم بدأ فن الجر يرتبط، في أوائل القرن العشرين، بمجتمع المثليين والعابرين جنسياً. وبعدما كان لعب الرجال أدوار نساء محصوراً بالمسارح، بدأ ذلك يمتدّ إلى المشهد البديل في المدن الأمريكية والأوروبية، أي الحانات والنوادي الليلة، خصوصاً في أماكن مثل سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس ومدينة نيويورك.
أصبحت ثقافة مجتمع المثليين والعابرين أكثر انتشاراً، بما في ذلك ثقافة الجر، بعد أعمال الشغب في حانة ستونوول في نيويورك عام 1969، والتي شكلت محطة بارزة في نضال مجتمع الميم.
ونالت تلك الثقافة رواجاً في حي هارلم في مدينة نيويورك في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
وتعدّ روبول تشارلز وليدي باني من أشهر ملكات الجرّ في تاريخ الثقافة الشعبية الأمريكية والعالمية، إضافة إلى ديفاين التي اشتهرت بتعاونها مع المخرج الأمريكي جون ووترز ونالت أفلامهما معاً، مثل “بينك فلامينكو” و”بولييتستر” وغيرها، شهرةً واسعة.
وفي السنوات الأخيرة، حقق هذا النوع من الفنّ مرئية أكبر حول العالم، خصوصاً مع بثّ برنامج “روبولز دراغ رايس” (سباق الجرّ الخاص بروبول) على منصة نتفليكس.
كما أنتج موسمان للنسخة الفرنسية من البرنامج بعنوان سباق الجر الفرنسي (دراغ رايس فرانس) على قناة فرانس تي في الحكومية.
على الرغم من ذلك، لا يزال فنانو وفنانات الجرّ يشتبكون في بعض الدول والمدن حول العالم لانتزاع حقهم في ممارسة فنهم الذي هو أيضاً في أحيان كثيرة مصدر عيشهم.
فلقد أقرّت ولاية تينيسي الأمريكية في مارس/ آذار الماضي منع فنّ الجرّ خارج الحانات الليلية للراشدين، فيما تستعد ولايات أريزونا وتكساس وكنساس إلى إقرار المنع نفسه.
كذلك، لا يزال الفنانون الذي يقدمون هذا النوع من الاستعراض يُحاربون حول العالم في الأماكن التي لا زالت تضيّق على مجتمع المثليين والعابرين جنسياً.
فنّ الجرّ والجندر
يعتبر فن الجرّ فناً تحررياً ووثيق الصلة بنضالات مجتمع المثليين والعابرين جنسياً.
فمن جهة، يمكّن فن الجرّ مجتمع الميم عين من نيل الاعتراف بواسطة المرئية التي يوفّرها هذا النوع من الاستعراض.
ويستردّ أيضاً وصمة العار التي طالت تاريخياً الرجال “الذين يتصرفون مثل النساء” أو “المخنّثين”.
هو يقبض على الوصمة والتنميط، ويوظفّهما لمصلحة مجتمع المثليين وحقوقه، عوضاً عن استخدامهما لتعييره واقصائه.
ومن جهة ثانية، يجسّد هذا النوع من الفن فكرةً مركزية في دراسات الجندر، وهي انفصال جنس الإنسان عن جندره، أي انفصال تكوينه الجسماني عن نوعه الاجتماعي وميوله، وكون الأولى لا تحدّد الثانية ولا العكس.
وتشير النظرية الكْويرية (أحرار الجنس) إلى فكرة أساسية وهي رفض أن يكون هناك جوهر ثابت لكونك رجلاً أو امرأة. بمعنى آخر، إن الجندر ليس “طبيعة” إنسانية، وبناءً على ذلك فإن المولود ذكراً لن يظلّ رجلاً بالضرورة، كما أن المولودة أنثى ليست كذلك امرأةً “إلى الأبد”.
ويأتي فن الجرّ في صلب إثبات هذه الفكرة، إذ أنه منذ بداياته يظهر كيف يمكن للرجل أن يؤدي ببراعة دور امرأة وبالعكس.
وبحسب نظرية الفيلسوفة الأمريكية جوديث باتلر والتي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، فإن الجندر هو بالأساس أمرٌ “أدائي” أي مجموعة أفعال وتصرفات يتعلم الأشخاص أن يؤدوها من خلال بُنى اجتماعية سابقة لوجودهم. لذلك بات يُنظر إلى الجندر على نطاق واسع بكونه “مركّب اجتماعي”.
وتستشهد باتلر في عملها على فنّ الجرّ بعالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية إستر نيوتن التي ترى أن الجر هو “انعكاس مزدوج يؤكد أن المظاهر خادعة” أي أنه على سبيل المثال “مظهري الخارجي أنثوي، لكن داخلي مذكر”. كذلك، قد يكون “مظهري الخارجي مذكر، لكن داخلي أنثوي”.
ما تفعله “ملكات الجر”، برأي باتلر، هو “زعزعة استقرار المعاني الجنسانية في خطاب الصواب والخطأ”.
وتقول مؤلفة كتاب “مشكلة الجندر”: “إذا اعتقدنا أننا نرى رجلاً يرتدي زي امرأة أو امرأة ترتدي زي رجل، فذلك لأننا نأخذ المظهر الذي نراه كواقع للجندر”.
وتضيف “الجر يعمل على إظهار أن الواقع ليس ثابتاً كما نعتقد عادة. إنه (الجرّ) يخرّب فكرة أن هناك هوية جندرية حقيقية”.
وتشير باتلر إلى الجانب الساخر في استعراض الجرّ إذ تقول: “يجعلنا الجر بكونه محاكاة ساخرة نشكّك في حقيقة الأصل”. أي أننا عندما نشاهد رجلاً بزيّ ومكياج امرأة، ويستطيع تقليد تلك المرأة ببراعة، سنتساءل عن ثبات ونهائية كونه رجلاً في الأساس.
تقول باتلر: “من خلال محاكاة الجنس، يكشف الجرّ ضمنياً عن البنية المقلدة لهذا الجندر نفسه – إضافة إلى عرضيته”.
ويشير ذلك برأيها إلى “الآلية الثقافية التي تصنع الجندر، بكونه مركباً اجتماعياً”.