العنف على مواقع التواصل الاجتماعي .. مطالب التقنين تصطدم بصعوبة التطبيق
لا يزال ما يوصف بـ”الفوضى” في وسائل التواصل الاجتماعي يمثل نقاشا راهنيا بحكم “هيمنة نوع من خطابات التسيب الإلكتروني”، الذي ينظر إليه الكثير من خبراء القانون وعلم النفس الاجتماعي المغاربة على أنه “صار يحتاج إلى تدخلات قانونية عاجلة لتكريس المزيد من الأمن الرقمي والوعي القانوني والوعي بالحياة العامة في الفضاء الافتراضي الذي يشترك فيه المغاربة”.
وحين دخل قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ، أول أمس الجمعة، الذي يجبر “الوسائط الرقمية” على تشديد الخناق على المحتويات التي تروج للكراهية، فقد شكل “فرصة لتجديد المطالب لخلق نقاش قانوني جدي بالمغرب حول تسلط الخطابات الشاردة في وسائل التواصل الاجتماعي وحدود التقاطع مع خطابات الكراهية والعنف، في بعدها الإجرامي”.
تأهيل قيمي
محسن بنزاكور، أخصائي في علم النفس الاجتماعي، قال إن “المغرب عليه أن يستلهم الخطوة التي أقدم عليها الاتحاد الأوروبي، لأجل وضع قانون يخول محاصرة خطابات الكراهية والعنف والتنمر والإجرام، لكونها استفحلت في الآونة الأخيرة أكثر من أي وقت مضى”، موضحا أن “التقنين هو من بين المداخل الممكنة لكي يصبح الفضاء الرقمي آمنا، لكون دخوله صار مخيفا حيث انتشرت فيه مجمل أشكال الانهيار القيمي”.
وأفاد بنزاكور، ضمن حديثه لجريدة هسبريس، بأن “الفضاء الرقمي المغربي صار يعكس هوية مشروخة وتائهة”، ضاربا المثال بخطابات “كراهية المرأة، بحيث في فعاليات كأس العالم، عندما يخسرن ينادي المجتمع بعودتهن إلى المطبخ، وحين يفزن تصبح النقاشات مشجعة لدى الكثيرين”، مسجلا أن “هذا يبين أننا في حاجة في البداية إلى تأهيل قيمي وتربوي في الجذور، قبل القانوني، لكي يكون التأهيل المدني متماسكا وداعما لبعضه البعض”.
وأكد الخبير في علم النفس الاجتماعي أن “العديد من المغاربة يعيشون خللا وعلى مستوى البنية الفكرية وقضية احترام الآخر في العوالم الافتراضية”، مشيرا إلى أن “الوسائط الرقمية بينت حقيقتنا، خصوصا كما حدث مع خطابات التطرف والإرهاب وتبرير خطابات تخريبية مثل “التشرميل” والتشهير، الذي تورطت فيه نخب فنية”؛ وأفاد: “استلهام القانون مطلب مشروع؛ لكن شرط أن يكون مقرونا بالتوعية لبناء إنسان يستوعب معنى المجتمع”.
صعوبة التطبيق
قال المختار أعمرة، أستاذ القانون الجنائي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، إن “المغرب وضع قوانين متعلقة بهذه الوسائط الرقمية؛ لكن السؤال المطروح حولها إلى حد الآن هو: هل هي زجرية بما يكفي؟”، مضيفا أن “الفوضى التي تحدث في الواقع الافتراضي المغربي تثير الكثير من المخاوف القانونية؛ لكن وضع قانون مؤطر يبقى عملية ليست سهلة لكونها ستصطدم بخطابات حرية التعبير، على الرغم من أن الأخيرة تُستثنى منها خطابات الكراهية والعنصرية والعنف، إلخ”.
وشدد أعمرة، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، على أن “ما يجري في الرقمية يتعارض مع منطق القانون في مناح كثيرة، وصار يهدد حتى سلامة الأطفال”، مضيفا أنه “حتى لو وضع المغرب قانونا مستقلا، فكيف سيتم التعامل مع من يخرق القانون هل بلجنة رقابة مستقلة أم بتبليغات لمبحرين افتراضيين مغاربة؟”؛ وقال: “سيواجه المغرب تحديات كبيرة في تنزيله نظرا لعدم توفر البنية التحتية واللوجيستية، على الرغم من أنه يبقى مطلبا راهنا وعاجلا وملحا”.
وأكد المختص في القضايا الأمنية أن “القوانين الوطنية لا تستطيع أن تفرض مقولاتها على عمالقة التواصل الاجتماعي، لكونه ليس هناك بديلا عنها في الوقت الحالي”، معتبرا أنه، مع ذلك، “تبقى هناك حلول عملية يمكن أن يتجه فيها المغرب؛ منها التنسيق مع شركات الاتصالات لكي تتحمل مسؤولية أن يدخل المغربي للوسائط الرقمية عبر شبكتها، وأيضا يجب أن يصبح اقتناء الهاتف مقننا وبترخيص حتى تتمكن الأجهزة من تفعيل القوانين”.