الخلط بين الخطابين الأمازيغي والعرقي يثير استياء نشطاء مدنيين في المغرب
يبدو أنّ الخطاب الأمازيغي مازال حتى اليوم مقترناً عند الكثيرين بوصم “العرقيّة”، رغم تأكيدات الحركة الأمازيغيّة أنّ “نضالها في حمضه النووي كان حقوقيا، هدفه هو إعادة الاعتبار وانتزاع الاعتراف من الدولة المغربية التي استلهمت النموذج الفرنسي اليعقوبي في بناء الدّولة الوطنية؛ ما همّش التّراث الأمازيغي وأخرجه قسراً من الفضاء العام ومن التاريخ الرّسمي”.
وبعد مطالبة نشطاء أمازيغ بـ”إدراج الحرف الأمازيغي في الأوراق النقدية” قبل أسابيع أو “إعلان التخوف بشأن تموقع هذه الثقافة في مشروع قانون المالية المقبل”، عادت تعليقات فئة من المواطنين بالخطاب الأمازيغي إلى الدرجة الصفر، باعتبارها مازالت تظنه “خطابا عنصريا أو عرقيا”، رغم أنّ الفعاليات الأمازيغية فنّدت مرارا هذا المعطى، بوصفه “نتاجا لأفكار تاريخية كانت في أصلها معادية للأمازيغيّة”.
أحكام ظنيّة
الناشط الأمازيغي عبد الله بادو قال: “مازلنا نتابع العديد من المواطنين يجترّون للأسف تلك الأحكام الظنية المسبقة عن الحركة الأمازيغيّة، دون فهم ماهيتها وهوية خطابها، باعتباره خطابا غير متجانس، ويشمل أطروحات متعددة يهيمن عليها الخطاب الحقوقي، لكونه خطابا مشروعا لم يقم على فكرة الخصومة أو العداء نهائيا”، مضيفا أنّ “هذا الخطاب في أصله يدافع عن الحقوق اللغوية والثقافية ولا يدعي احتكارها”.
وسجل بادو، في تصريح لجريدة هسبريس، أنّ “اعتبار النضالات الأمازيغيّة ذات خلفية عرقية تمخض في سياق انتعاش أيديولوجيّات هدامة، أو مرجعيات سوّقت أطروحات خاطئة ومعادية لكل ما هو أمازيغي، عبر محاولة ربطه بخطابات التفرقة”، مسجلاً أنّ “هذه الخطابات التقزيمية آلت إلى الزوال تدريجيا، رغم أنها موجودة ونصادفها وتكون في الغالب مزعجة، لكننا نتفهم أسس تشكلها”.
وشدد الفاعل الأمازيغيّ ذاته على أنّ “سعي الدولة رسميا إلى تثمين الأمازيغية هو جواب موضوعي عن أن الأمازيغية كانت حركة سلمية ذات مطالب مشروعة، أرادت أن تساهم في صحوة الدولة لإيقاف الحيف الذي يسقط على مكون بنيوي داخل المجتمع المغربي”، مضيفا أنّه “لو كانت غايتها التفرقة أو الفتنة لما تمّت دسترتها ولما صبّت الخطابات الملكية في اتجاه الانتصار للعنصر الأمازيغي منذ خطاب أجدير سنة 2001”.
وأكد المتحدث ذاته أنّ “بروز الأمازيغية نسبيا في الفضاء العام صار يصحّح هذه المغالطات التي ترسخت عند الكثيرين”، مفيدا بأنّ “المزيد من تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية سيساهم في إعادة بناء العقليات، رغم أنّ ذلك سيتطلّب وقتاً طويلاً”؛ ومضى قائلاً: “المواقف الجماهيرية عموما صار يطبعها الهدوء، والمواطنون صاروا يراجعون خطابتهم، رغم استمرار فئة في مقاومة الواقع بعناد؛ وهذا التعنت راجع إلى أسس سياسية وأيديولوجية خارج النسق الأمازيغي”.
الوحدة في التنوع
قال الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الحسين أموزاي إنّ “خطاب العرق لم يكن متأصلاً في خطابات الحركة الأمازيغيّة، كون الشعار الذي انبنت عليه الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1991 كان هو الوحدة في التنوع”، مبرزا أن “من ينادي بالوحدة لا يمكن أنّ يكون عرقيا أو إقصائيا، بقدر ما يدعو إلى الاعتراف به كمكون حيوي وأساسي ضمن هوية غنية هي الهوية المغربية”.
وشدد أموزاي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، على أنّ “هذا الوصم المتعلق بالعرقية يحضر بالتحديد عند من لا يملك معرفة كافية بتاريخ الحركة الأمازيغيّة، باعتبارها في أصلها كانت تتحدث دائماً عن الثقافة وعن الأرض وعن الإنسان الحامل لهذه الثقافة وهذه اللغة بوسائل علمية وأنثروبولوجية”، موضحا أنّ “النداء كان دائما بضرورة استثمار الغنى المتواجد في الهوية المغربية لأنه سيكون مساهما في بناء الدّولة والمجتمع معاً”.
وأفاد المتحدثّ ذاته بأنّ “الخطاب الأمازيغي لا تتبناه فعاليات الأمازيغية فقط، بل أيضا الذين آمنوا بعدالة الطرح الأمازيغي حقوقيا”، وزاد: “كانت دعوة الحركة الأمازيغيّة دائماً هي التأسيس لنظرة تعترف بالحقوق وضمانها وتثمينها”، مسجلا أنّ “هذه الحقوق تتعلق بالأفراد الذين سيجدون فضاءات لتفريغ المحتويات اللغوية والثقافية، كالإبداع على مستوى الأدب والأغنية والمسرح، تكريسا للتلاقح مع اللغة العربيّة والدّارجة المغربيّة”.
وتابع الباحث ذاته شارحاً: “لم يكن الانتصار لهذه الحقوق قطّ مبدأ عرقيا كما مازال يظن الكثيرون بسبب صور مغلوطة تشكّلت في سياقات معيّنة”، مضيفا أنّ “هناك اليوم تراكما كبيرا على المستوى الأدبي الأنثرويولوجي والسوسيولوجي في ما يخصّ الإرث الأمازيغي، وهو متوفر لكل المغاربة، الذين يريدون الاطلاع على الخطاب الأمازيغي وسيرورته منذ تشكّله، لأنه هو الذي أثمر نتائج خوّلت تدبير التّنوع عبر المناداة بالمساواة اللغوية والثقافية وليس العرقية”.