“صوت الحرية”: كيف حصد الفيلم الذي تال إعجاب ترامب نجاحاً كبيراً؟
حتى نهاية الأسبوع الماضي، استطاع فيلم “صوت الحرية” (Sound of Freedom) تحقيق إيرادات وصلت إلى نحو 178 مليون دولار أمريكي.
ومثّل الفيلم ذو الميزانية المتوسطة (حوالي 14.5 مليون دولار) مفاجأة كبرى، إذ استطاع أن يتقدم بفارق كبير على إنتاجات ذات ميزانيات ضخمة، مثل أحدث فيلم من سلسلة “إنديانا جونز”.
ويعزو كثيرون سبب النجاح غير المتوقع للفيلم الذي صدر في 4 يوليو/ تموز، يوم العيد الوطني الأمريكي، إلى الدعم من شخصيات سياسية ومؤسسات إعلامية تمثل تيار اليمين الأمريكي.
هكذا، تحول إلى رمزٍ في ما يُسمّى بـ”الحروب الثقافية” التي تسم الاستقطاب السياسي في المجتمع الأمريكي.
وبعد نجاحه الكبير في الولايات المتحدة، من المقرر إطلاق الفيلم دولياً، بما في ذلك في المملكة المتحدة الأسبوع المقبل.
قصة “صوت الحرية”
يحكي الفيلم الذي أخرجه وشارك في كتابته المخرج الأمريكي المكسيكي أليخاندرو مونتيفيردي قصة حول الإتجار بالأطفال.
ويشير الفيلم إلى أن قصته تستند إلى قصة حقيقية لمهمة عميل أمريكي سابق في وزارة الأمن الداخلي يدعى تيموثي بالارد، لإنقاذ الأطفال المهرّبين من أمريكا الجنوبية.
ويروي الفيلم قصة بالارد الذي أنقذ شاباً مكسيكياً من عصابة الاستغلال الجنسي للأطفال، ثم استقال محاولاً تحرير شقيقته في كولومبيا.
ويوصف الفيلم بأنه “فيلم إثارة مسيحي” وتشير الحملة الإعلانية المواكبة له أحياناً إلى إيمان أبطاله. كما تضمن أحد مشاهده عبارة “أطفال الله ليسوا للبيع!”.
ويقول المخرج أليخاندرو مونتيفيردي (46 عاماً) في حديث إلى صحيفة الغارديان إنه شاهد عام 2015 تقريراً عن الإتجار بالأطفال على شاشة التلفزيون، وشعر بأنه “مدعو لكتابة فيلم عن هذا الظلام”.
بدأ مونتيفيردي بكتابة قصة خيالية حول الموضوع، ولكن بعد ذلك اقترح عليه المنتج المشارك، إدواردو فيراستيغي، أن يتحدث إلى تيم بالارد.
بالارد، وهو من طائفة المورمون من ولاية يوتا يقول إنه عميل خاص سابق للأمن الداخلي في الولايات المتحدة، ويقود منظمة غير حكومية تقول إنها أنقذت المئات من الإتجار الجنسي بالأطفال.
ويقول مونتيفيردي: “عندما التقيت به، أدركت أن حياته كانت أكثر إثارة من الروايات التي كنت أكتبها. ثم انتهى بنا الأمر بالشراكة في هذا الفيلم”.
واقترح بالارد اختيار الممثل جيم كافيزيل لتجسيد شخصيته في الفيلم.
وقد عزز كافيزيل صلات الفيلم بمجموعة “كيو أنون” الأمريكية.
واشتهر الممثل البالغ من العمر 54 عاماً بتجسيده لشخصية المسيح في فيلم “آلام المسيح” لميل غيبسون عام 2004، وهو معروف بتديّنه الشديد.
وأشارت الغارديان إلى أن زملاء سابقين لكافيزيل، شهدوا على ميله إلى “التجوّل والتبشير وتقليد هتلر وإظهار درجات مقلقة من الإسلاموفوبيا وعدم الحساسية الثقافية خلال العمل”.
وأثناء الترويج للفيلم، أشار كافيزيل مراراً وتكراراً إلى المركب الكيميائي الأدرينوكروم، وهو مكوّن رئيسي في أساطير حركة “كيو أنون”. ويزعم هؤلاء أن هذه المادة تُستخرج من الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب أو الاعتداء الجنسي من قبل عصابة سرية تابعة لـ”الدولة العميقة”. وفي اعتقداهم تضمّ هذه العصابة سياسيين يساريين وأشخاصاً من هوليوود ومموّلين من الديانة اليهودية مثل جورج سوروس وعائلة روتشيلد.
وقال كافيزيل في بودكاست للمستشار السابق لترامب ستيف بانون “إنه دواء النخبة الذي استخدموه لسنوات عديدة. إنه أقوى بعشر مرات من الهيرويين وله بعض الصفات الغامضة إذ يجعلك تبدو أصغر سناً”.
ونأى مونتيفيردي بنفسه عن الخلافات الإيديولوجية حول فيلمه وقال إنها “تؤلمه بشدة”: “أنا لست قريباً من السياسة ولا مع أي شيء يثير الانقسام. أنا فنان وراوي قصص”. وأضاف “لقد صنعت فيلماً للجمهور الديني، وللأشخاص غير المتدينين ولكل شخص بينهما… أنا سعيد فقط لأن الجمهور قد حضر”.
وراء الكواليس
صُوّر فيلم “صوت الحرية” في عام 2018، بميزانية تبلغ حوالي 14.5 مليون دولار، ولكنه جُمّد عندما استحوذت مجموعة ديزني على موزعه 21st Century Fox في عام 2019. ثم أدت جائحة كورونا إلى تمديد التأجيل.
في عام 2023، حصلت شركة “إنجل ستوديوز” عى على حقوق التوزيع، وهي شركة في ولاية يوتا أنشئت عام 2021 للترويج للمحتوى الديني المسيحي، إذ أنتجت أعمالاً مثل مسلسل “المختار” (حياة يسوع) وفيلم “ابنه الوحيد” (عن تضحية إبراهيم).
وبدأت الشركة كخدمة تتولى تصفية العنف والألفاظ النابية والعريّ من المحتوى السائد، كما تعرّضت للمقاضاة من قبل استوديوهات هوليوود لانتهاك حقوق الطبع والنشر.
وأطلقت “إنجل ستوديوز” حملة تمويل جماعي للمساعدة في تسويق “صوت الحرية”، وتمكنت من خلالها جمع 5 ملايين دولار من 8 آلاف “مستثمر في إنجيل”. وجاءت حملة التبرع بعنوان “أظهر دعمك لإنهاء الاتجار بالأطفال”.
“الفيلم الذي لا يريدك نازيّو اليقظة أن تشاهده”
منذ صدوره في يوليو/ تموز الماضي، انبرت شخصيات عامة ومؤسسات إعلامية أمريكية إلى الترويج الكبير لفيلم “صوت الحرية”.
وأوصى الملياردير الأميركي إيلون ماسك بتحميل الفيلم على منصة إكس (تويتر سابقاً) مجاناً لفترة قصيرة.
وعبر المنصة نفسها، كتب تيد كروز، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس: “واو واو واو. اذهبوا وشاهدوا صوت الحرية”.
وبعدما حقق الفيلم نحو 41 مليون دولار في الأسبوع الأول من عرضه، استضاف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عرضاً للفيلم في نادي الغولف الخاص به في بيدمينستر في ولاية نيو جيرسي، حضره ستيف بانون وإيفانكا ترامب وشخصيات أخرى من حملة “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” ومسؤولين منتخبين مقرّبين من حركة كيو أنون.
وحلّ كافيزيل وبالارد وفيراستيغي ضيوفاً على العديد من برامج البودكاست اليمينية والدينية، كما ساعدت مؤسسات تتبنى الخطاب اليميني مثل “فوكس نيوز”، و”بريتبارت”، و”كريستيان بوست”، و”كاثوليك وورلد نيوز” في دعاية الفيلم، إلى جانب مشاهير مثل ميل غيبسون الذي كان منتجاً تنفيذياً للعمل.
وفي عام 2019، بعد تصوير الفيلم، دعا ترامب بالارد إلى البيت الأبيض، حيث أعرب عن دعمه لخطط ترامب لبناء الجدار الحدودي الجنوبي، معتبراً أنه “الشيء الرحيم الوحيد الذي يجب فعله إذا كنت تهتم بالأطفال”.
وفي عام 2020، عيّن ترامب بالارد رئيساً مشاركاً لمجلسه الاستشاري للشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنهاء الاتجار بالبشر.
كما حضر فيراستيغي الذي عينه ترامب في لجنته الاستشارية للازدهار الإسباني في عام 2020. ويُعتقد أن لدى فيراستيغي، وهو ممثل تلفزيوني سابق ونجم فرقة موسيقية، طموحات سياسية خاصة به.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نظم فيراستيغي نسخة مكسيكية من مؤتمر العمل السياسي المحافظ اليميني المتطرف، حضره إدواردو نجل الرئيس البرازيلي السابق جاير بولسونارو، من بين آخرين.
وفي الوقت نفسه، اعتمدت التغطية الإعلامية اليمينية لصدور الفيلم سردية مفادها أن العمل يقدّم قصة “لا يريد اليسار أن تسمعها”، كما جاء في “بريتبارت نيوز”، وهي منصة إلكترونية داعمة لليمين المتطرف.
وتحدثت تغطية هذه المنصة عن “نازيي اليقظة” في إشارةٍ إلى الليبراليين واليساريين و”الصحافة اليسارية المتطرفة”. وأضافت في مقال: “صوت الحرية يقول احموا الأطفال. في هذه الحقبة الفاحشة من تعريض الأطفال الصغار لملكات الجر (دراغ كوينز)، والمواد الإباحية للمثليين، والمثلية الجنسية، ومثبطات البلوغ والعمليات الجراحية التي تشوه الأطفال بشكل دائم، فإن هذه الرسالة تهدد بشكل مباشر السلطة السياسية لليسار”.
ما هي حركة “كيو أنون”؟
في عام 2017، قام شخص يطلق على نفسه اسم “كيو” بنشر تدوينات على منصة “4 تشان” الإلكترونية والتي تسمح لمستخدميها وضع صورهم ومنشوراتهم من دون ذكر أسمائهم، وتضمنت تدويناته إشارات إلى وجود مؤامرة كبيرة. وقال “كيو” آنذاك إنه يشغل منصباً رفيعاً في الحكومة الأمريكية، وإنه على اتصال بمجموعة صغيرة من المسؤولين بالجيش والاستخبارات تسعى إلى محاربة الجماعة السرية.
وقال “كيو” إن الرئيس ترامب “على رأس المعركة ضد الشر”.
ويشير الجزء الأساسي من المؤامرة التي تحدث عنها هذا الشخص المجهول في ذلك الحين، إلى أن جماعة من “النخب تعبد الشيطان وتدير شبكة لاستغلال الأطفال جنسياً وتحاول الهيمنة على منظومتهم السياسية ووسائل إعلامهم”.
ويرى المؤمنون بـ”كيو أنون أن هذه المعركة ستقرب “يوم حساب” الذي سيلقى فيه القبض على شخصيات بارزة، من أمثال مرشحة الرئاسة السابقة هيلاري كلينتون، ويعدمون.
وكان من بين الأشخاص الذين شاركوا في اقتحام مبنى مجلس الشيوخ في السادس من شهر يناير/ كانون الثاني، أنصار جماعة “كيو أنون”.
ويقوم أتباع الحركة باستغلال وقائع خبرية وحقائق تاريخية وإحصاءات ليبنوا عليها استنتاجاتهم التي يصعب تصديقها.
وأظهر استطلاع أجرته منظمة “موري” أن 7 في المئة من الأمريكيين يصدّقون المؤامرة التي تروّج لها كيو أنون.
وواحد من بين ثلاثة أمريكيين يقول إنه غير متأكد مما إذا كانت النظرية صحيحة أم لا.
ويتقاطع موضوع فيلم “صوت الحرية” مع الموضوع الأبرز لدى جماعة “كيو أنون” وهو استغلال الأطفال، إذ أن أنصار الحركة مقتنعون بأن حرباً سرية تضع ترامب في مقابل النخب الديمقراطية في التمويل ووسائل الإعلام وواشنطن الذين برأيهم هم على رأس شبكات الاستغلال الجنسي للأطفال الشيطانية ويعذبون الأطفال لاستخراج الأدرينوكروم، المادة مجددة للشباب.
كذلك، كرر كافيزيل، الممثل الرئيسي في الفيلم، هذه الاتهامات خلال جولته للترويج للفيلم على وسائل الإعلام المؤيدة لترامب مثل التلفزيون الالكتروني لموقع “صوت أمريكا الحقيقي”، إذ اتهم وكالات الاستخبارات الأمريكية بالتستر على شبكات الاستغلال الجنسي للأطفال.
ونقلت صحيفة الغارديان عن الباحثة في نظريات المؤامرة آني كيلي قولها “اذهب إلى أي تجمع لكيو أنون وسترى شخصاً يحمل لافتة تقول ابحث عن الأدرينوكروم على غوغل”.
وتضيف “إنها الخطوة الأولى لإعطاء الجماهير الحبة الحمراء (أي تعريفهم إلى ما وراء الصورة العادية للواقع، وتعود نسبة المصطلح في الأساس إلى فيلم مايتريكس)”.
ما هي “اليقظة”؟
خلال العامين الأخيرين، انتشر بكثافة في الولايات المتحدة ثم في أنحاء العالم مصطلح “اليقظة” (Wokeness) لوصف الأفراد والمجموعات المؤيدة للعدالة الاجتماعية.
وأصبح المصطلح شيئاً فشيئاً يدلّ على الليبراليين واليساريين المنتبهين إلى قضايا العدالة العرقية والاجتماعية عموماً.
ويعود أصل مصطلح “يقظ/ة” في هذا السياق إلى نشاط الأمريكيين الأفارقة الذين استخدموا الكلمة منذ ثلاثينيات القرن الماضي من أجل التنبيه إلى التحيّز والتمييز العنصري.
ونال المصطلح شعبية كبيرة في أواخر القرن العشرين، وبمرور الوقت أصبح مرتبطاً بشكل متزايد بمسائل تتجاوز العرق مثل الجنس والهويات المهمشة الأخرى.
وخلال احتجاجات فيرغسون عام 2014، عمّمت العبارة من قبل نشطاء حركة “حياة السود مهمة” الذين يسعون إلى زيادة الوعي حول إطلاق الشرطة النار على الأمريكيين من أصل أفريقي.
ومع انتشار استخدامها دولياً، تمت إضافة كلمة woke إلى قاموس أكسفورد الإنجليزي في عام 2017.
وبحلول عام 2020، بدأ المصطلح يكتسب دلالة سلبية، إذ تعمد التيارات اليمينية إلى توظيفه إيديولوجياً في معركتها مع التيارات الليبرالية واليسارية، ويشير غالباً إلى “تطرف” معيّن لدى هؤلاء في القضايا المتعلقة بسياسات الهوية والعدالة الاجتماعية وأحياناً إلى الأدائية وعدم الصدق.
ماذا تعني “الحروب الثقافية” في السياق الأمريكي؟
وتأتي المعركة حول “ثقافة اليقظة” التي تنطوي على استقطاب سياسي وأخلاقي في صلب ما يُسمّى بـ”الحروب الثقافية” في الولايات المتحدة.
ويشير مصطلح الحروب الثقافية عموماً إلى الصراعات والنقاشات داخل المجتمع حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية والأخلاقية.
وتنشأ هذه الصراعات عادةً عندما تكون هناك اختلافات عميقة في القيم والمعتقدات والممارسات بين المجموعات أو الأيديولوجيات المختلفة داخل هذا المجتمع.
وتشمل القضايا التي تقع في قلب الحروب الثقافية مواضيع مثل الدين، والعرق، والجنس، والجنسانية، والهجرة، والسياسة، والتعليم.
وغالباً ما تنطوي هذه الصراعات على مشاعر قوية ويمكن أن يكون لها آثار بعيدة المدى على السياسة الاجتماعية والتشريعات والخطاب العام.
في السياق الأمريكي المعاصر، يشير مصطلح الحروب الثقافية إلى النقاشات المثيرة للانقسام والاستقطاب التي ظهرت حول مجموعة من القضايا لا سيما بين التيار المحافظ وبين التيار التقدّمي في المجتمع.
وتشمل هذه القضايا مواضيع مثل الإجهاض، وحقوق مجتمع المثليين والعابرين جنسياً وسياسات الهجرة والسيطرة على انتشار الأسلحة، والعدالة العرقية، والحريات الدينية، ودور الحكومة في القضايا الاجتماعية وغيرها.
وتتسم الحروب الثقافية في الولايات المتحدة بانقسامات أيديولوجية عميقة، وغالباً ما تصطف الأطراف المتعارضة على طول الخطوط المحافظة والليبرالية. وغالباً ما تدور النقاشات بشأن وجهات نظر مختلفة حول القيم الأسرية والمعايير الأخلاقية ودور الدين في الحياة العامة وتعريف الهوية الأمريكية.
وتدور هذه الصراعات في ساحات مختلفة، بما في ذلك الإعلام والخطاب السياسي والمعارك التشريعية وقضايا المحاكم. وغالباً ما تثير اصطفافات حادة، مما يؤدي إلى خطاب مثير ومشاركة عامة واسعة النطاق.
وتؤثر الحروب الثقافية بشكل كبير على السياسة الأمريكية، إذ أنها أرخت بثقلها على الانتخابات في العقود الأخيرة، والاحتجاجات التي أعقبت مقتل جورج فلويد، وقرارات المحكمة العليا لا سيما حول الإجهاض وزواج المثليين، وسياسات الهجرة، بالإضافة إلى النقاشات التي أثارتها جائحة كورونا.