معطيات رسمية تكشف إبقاء “مبادلات تجارية محتشمة” بين المغرب والجزائر
يستمر توتر العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين المغرب والجزائر في الانعكاس بشكل مباشر وسيّء على الشق الاقتصادي؛ إذ لم تسلم من تداعياته المبادلات التجارية بين البلدين الجاريْن في العام المنصرم، ولعل لغة الأرقام كاشفة في هذا الصدد عن “ضرر متزايد” يجعل الجارَين أكبر الخاسرين في المنطقة المغاربية.
وفق بيانات متضمنة في التقرير السنوي المتعلق بـ”التجارة الخارجية للمغرب 2022″ الصادر حديثاً عن مكتب الصرف، فقد سارت قيمة التبادل التجاري بين المغرب والجزائر برسم معاملات العام الماضي في منحى “انخفاض وتراجع” لتصل إلى 2,5 مليار درهم، متهاوية بنسبة إجمالية فاقت 60 في المائة على الأقل.
في التفاصيل، وبينما صدّرت الرباط إلى الجزائر منتجات وسلعاً بما مجموعه 806 ملايين درهم، بنسبة انخفاض قاربت 22 في المائة، استوردت منها ما يناهز 1.7 ملايير درهم، ما يمثل تراجعاً في واردات المغرب من جاره الشرقي بنسبة تجاوزت 71 في المائة خلال العام المذكور مقارنة بعام 2021، وفق بيانات ومعطيات مرقّمة اطلعت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية.
قراءة فاحصة للمقارنة بين الأرقام الرسمية ذاتها كافية لتبيان “غلبة كفّة” الميزان التجاري لصالح الاقتصاد الجزائري طيلة السنوات الأربع الممتدة بين 2018 و2021، ما يعني أن صادرات المغرب إلى الجزائر كانت أقل بكثير من وارداته منها، وبصفة “شبه دائمة” تقريبا.
من حيث الصادرات المغربية نحو الجزائر، لم تتجاوز قيمتها الإجمالية مليارَيْ درهم في سنة 2018 كـأعلى مستوى في السنوات الأربع المذكورة، مقابل 6.9 مليارات درهم (أعلى قيمة) استوردتها الرباط من الجزائر في 2018. فيما عرفت باقي السنوات اللاحقة، إلى حدود 2022، تناقُصا ملموسا في حجم وقيمة التبادل التجاري البيني.
ومن المعلوم أن صيف 2021 شهد مبادرة النظام الجزائري، بشكل أحادي، إلى “قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل نهائي” مع المملكة المغربية، وهو ما تجلى لاحقا في عدم تجديد عقد أنبوب الغاز المغاربي–الأوروبي الذي كان يمر فوق التراب المغربي، لا سيما أن الغاز الطبيعي كان يهيمن على بنية الواردات المغربية من الجزائر.
مكاسب تونسية
التراجع في التجارة البيْنية بين المغرب والجزائر صبَّ في صالح تونس المجاورة، التي ارتقت عند متم عام 2022 لتعزز مكانتها بمثابة “الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية” من بين الدول الخمس المشكلة للاتحاد المغاربي، متبوعة بموريتانيا، فالجزائر ثالثة.
في العام المنصرم، تجاوز حجم التجارة البينية بين المغرب وتونس 4,3 مليارات درهم، على حساب الجزائر التي تراجعت إلى المرتبة الثالثة (2.5 مليار درهم)، تاركة المرتبة الثانية لموريتانيا بحجم تجارة مع المملكة يقارب 2,9 مليار درهم، وليبيا في المرتبة الرابعة (1,8 مليار درهم).
ضعف مغاربي
إجمالا، سجل المغرب مع دول “اتحاد المغرب العربي”، المُحدَث بموجب اتفاقية مراكش عام 1989، حجم تجارة قارب 11,6 مليار درهم في نهاية 2022.
ومازال كل بلد من البلدان المغاربية الخمسة يخسر 1 نقطة مئوية من نسبة نموه الاقتصادي كل عام، بسبب تفويت “فرص الاندماج والتكامل الاقتصادي، لا سيما في شقه التجاري”، حسب ما خلصت إليه دراسة سابقة لصندوق النقد الدولي عام 2019.
جدير بالتذكير أن الدراسة المعنونة بـ”الاندماج الاقتصادي في المغرب العربي” أكدت أن السوق المغاربية تشمل نحو 100 مليون نسمة من “الأقل اندماجاً على صعيد العالم”، بنسبة تجارة بينية أقل من 5 في المائة من إجمالي حجم التجارة في مجموع بلدانها.