مستعمرات إفريقية سابقة تلتقط الدرس المغربي للتخلص من النفوذ الفرنسي
التقطت صحافة دولة البنين العلاقات المتوترة بين المغرب وفرنسا، والتي ألقت بظلالها على الجانب الاقتصادي. واعتبرت صحيفة “لانوفيل تريبونال” البينينة أن الاستثمار الأجنبي في المغرب شهد تغيرا ملحوظا، بعد تراجع “الاكتساح” القديم الفرنسي لسوق الاستثمارات المغربية، وبالتالي فسح المجال أمام عملاق عبر المحيط الأطلسي: الولايات المتحدة.
وذكرت الصحيفة ذاتها، في مقال منشور السبت، أنه بلغة الأرقام، “خلال عام واحد، بين 2021 و2022، عانت الاستثمارات الفرنسية في المملكة المغربية من انخفاض حاد، حيث انخفضت من 7.4 مليارات درهم إلى 3.2 مليار درهم فقط”، مشيرة إلى أن “الاستثمارات الأمريكية عرفت في الوقت نفسه تطورا مذهلا، حيث صارت استثمارات بلاد العم سام بالمغرب تقترب من رقم فرنسا القديم: 7.4 مليارات درهم في 2022”.
وعالجت صحيفة “لانوفيل تريبونال” البينينة أيضا اتجاه المغرب نحو اللغة الإنجليزية في التعليم وما لذلك من دلالات فيما يخص “بعثرة أوراق” الفرانكوفونية رسميا في المغرب، معتبرة أنها خطوة تعكس حجم التوتر الذي تشهده العلاقات المغربية الفرنسية في هذه الفترة.
وباعتبار أن البنين مستعمرة فرنسية سابقة، فإن خبراء مغاربة رجحوا أن “يكون التقاطها لهذا الموضوع في هذه الظرفية يشكل تكريسا لتقهقر فرنسا في القارة، ودعما لسرديات إنهاء التدخل الفرنسي في بلدان المنطقة”.
الحذو حذو المغرب؟
محمد شقير، الكاتب والمحلل السياسي، اعتبر أن “التقاط الدول الإفريقية لهذه الخطوة التي قام بها المغرب في إعادة بناء علاقاته مع فرنسا، كانت دائما رغبة معلنا عنها في المغرب رسميا، وهي تحرير إفريقيا من التبعية وتشكيل قوة جهوية إفريقية تفك الارتباط الكولونيالي مع مستعمريها السابقين، خصوصا فرنسا”، موضحا أن “رغبة المغرب واستراتيجيته، التي تمت باسم شعار “رابح-رابح”، كانت تروم ترتيب الأولويات في العلاقة مع الآخر”.
وأفاد شقير، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، بأن “ما يقوم به المغرب، اليوم، يبرز بأن دور فرنسا إفريقيا هو في تراجع مستمر، ولا أدل على ذلك أن فرنسا بصدد فقدان آخر قاعدة إفريقية لها، وهي النيجير”، مؤكدا أن “الكثير من الدول في القارة صارت تتابع هذه العلاقة مع فرنسا، والتقاطها من طرف الدول الإفريقية، خصوصا الصحافة البينينة هي إشارات موضوعية بأن أنساق التخاطب مع المستعمر القديم، الذي لا يحترم سيادة الدول واستقلاليتها وخياراتها ولا يقبل بمنطق الشراكة، باتت تتكسر”.
وذكر المحلل السياسي: “هذه الحقيقة تكرست في مؤتمرات عديدة بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي؛ فالمغرب لم يروج فقط لخطابات الرفض ودحض العقلية الاستعمارية الفرنسية، بل هو عمليا أخضع العلاقات مع فرنسا لإعادة النظر”، مبرزا أن “هذا هو ما جعله ينوع شركاءه، والكثير من الاستثمارات الأجنبية بالمغرب صارت تركز على معطى “رابح- رابح”، وهذا ما أزعج العقلية الفرنسية التي تفكر بمنطق المصلحة الواحدة”.
“نهاية فرنسا؟”
هل هي نهاية فرنسا إفريقيا؟ سؤال متداول تنقله جريدة هسبريس لمحمد بنحمو، مدير المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، الذي قال إن “فرنسا في إفريقيا تلفظ أنفاسها الأخيرة، لأن القيادة الفرنسية الحالية لم تستوعب المتغيرات ولم تُسايرها باستراتيجيات مغايرة”، مضيفا أن “السياسة الفرنسية المتبعة كانت لها سلبيات عديدة أثرت على الرأي العام الإفريقي، والنخب الإفريقية المثقفة مزقت بدورها الروابط التي كانت تربطها سابقا بفرنسا المستعمرة”.
وزاد بنحمو قائلا: “فرنسا تُتهم اليوم بأنها لا تراعي سوى مصالحها، ولم تقم بأي مجهود لتطوير هذه الدول التي كانت تستعمرها”، مشيرا إلى أن “المنطقة عرفت دخول شركاء جدد، من قبيل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا؛ وهذه البلدان حاولت أن تخلق تموقعا داخل إفريقيا، باعتبار أن هذه القارة ستكون هي القبلة المقبلة للاستثمارات الأجنبية، بخلاف فرنسا التي اعتبرت أن إفريقيا عبارة عن دول سابحة في فلكها وتابعة لها بدون قيد أو شرط”.
وسجل المتحدث بأن “الاستعمار الفرنسي كان مختلفا عن الاستعمار الإسباني أو البرتغالي، لأنه كان بإدارة مباشرة ويُخضع مستعمراته لتبعية مطلقة. لذلك، يراه سكان القارة بأنه يمثل عقلية متعجرفة وآمرة لا تراعي خصوصية الدول أو طموحاتها، ولا تؤمن بمبادئ “رابح-رابح”؛ ما عجل بظهور مختلف أشكال التمرد على الحضور الفرنسي في المنطقة”.
وأوضح مدير المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية: “المغرب اشتغل، خلال العقود الأخيرة، على تدعيم وتوطيد علاقاته مع شركائه الأفارقة، بحيث جاء بعقيدة جديدة للشراكة يكون فيها الكل رابحا”.