أخبار العالم

فعالية إجراءات مكافحة تبذير الماء رهينة بمواكبة توعوية شاملة


عاد موضوع مكافحة تبذير الماء بقوة إلى سطح النقاش العمومي، بعد حديث الملك محمد السادس عن هذا الموضوع في خطاب ذكرى عيد العرش، حيث شدد على أن مجال تدبير الموارد المائية “يتطلب المزيد من الجدية واليقظة.

الملك دعا إلى التتبع الدقيق لكل مراحل تنفيذ البرنامج الوطني للماء 2020-2027، مؤكدا “أننا لن نتساهل مع أي شكل من أشكال سوء الحكامة والتدبير، والاستعمال الفوضوي واللا مسؤول للماء”.

وكانت الحكومة قد اتخذت عددا من الإجراءات للحد من تبذير الماء، من قبيل منع سقي المساحات الخضراء وحدائق المنازل وملء المسابح بالماء الشروب؛ لكن كيف يمكن تتبع مدى التزام المواطنين يهذه الإجراءات؟ وما مدى جدواها؟

في هذا الحوار مع هسبريس، يجيب علي دادون، الخبير المتخصص في قضايا الماء والتنمية الترابية، أستاذ الجغرافيا الطبيعية بجامعة ابن زهر بأكادير، عن السؤالين أعلاه وعن أسئلة أخرى تتعلق بما هو مطلوب لضمان المغرب لأمنه المائي.

هل ترون أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة كفيلة بالحد من تبذير المياه؟

في رأيي، هي إجراءات من شأنها أن تثمر نتيجة؛ لكن تطبيقها ينبغي أن يكون مقرونا بالتحسيس والتوعية لتُثمر نتائج أفضل.

هناك فئات من المجتمع تَعتبر الماء هبة إلهية مستديمة، ولا تبالي بطريقة استهلاكه؛ ولكن التغيرات المناخية والنمو الديمغرافي وغيرها من العوامل المسببة في ندرة الماء تستدعي التعاطي مع هذه الحيوية بمنظور يراعي السياق الحالي.

الماء لم يعد فقط مادة حيوية بالنسبة للإنسان؛ بل هو مُحدد للتنمية، لأنه مورد طبيعي لا يمكن تحقيق التنمية بدونه لأنه يمس جميع مناحي الحياة.

وعليه، فإن التدابير المتخذة للحد من تبذير المياه ينبغي أن تواكبها حملة واسعة لتوعية وتحسيس المواطنين بأهمية وضرورة الحفاظ على الماء.. صحيح أن الدولة تبذل جهودا؛ ولكن يجب أن يكون المواطن على وعي بذلك، بهدف بناء مقاربة شمولية وتتم هذه العملية بشكل مشترك بين الجميع.

رغم بث وصلات دعائية عبر وسائل الإعلام، وتوالي سنوات الجفاف، يلاحظ أن فئات من المجتمع لا تتعامل مع الماء بشكل جيد. بماذا تفسرون ذلك؟

لا يمكن تعميم هذا المعطى. المغاربة، على مر التاريخ، شعب يلتقط الإشارات، وهناك وعي بضرورة الحفاظ على الماء. في مناطق الواحات بجنوب المملكة، على سبيل المثال، التي تُعتبر فيها ندرة الماء خاصية بنيوية، وضع السكان أساليب للتكيف مع هذا الوضع وعدم تبذير الثروة المائية.

وعموما، يمكن القول إن فئة عريضة من المغاربة يحرصون على التعامل مع الماء بشكل مسؤول، وهناك فئة قليلة لا تولي اعتبارا لهذا الجانب. ولذلك، يجب استهداف الفئة التي تستنزف الماء وتبذره.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن القطاع الفلاحي هو أول مستهلك للماء. لذلك، يجب أن يتم تكييف الإجراءات التي تتخذها الحكومة حسب الفئات وأن تستهدف بالدرجة الأولى الفئة الأكثر تبذيرا وإلا فإنها لن تكون مجدية على النحو المطلوب.

أعطي، هنا، مثالا بمشاريع الطاقة النظيفة. في عدد من المناطق، شجعت هذه المشاريع الناس على استعمال الطاقة الشمسية في الري الفلاحي، وهذا أمر إيجابي؛ لكن في المقابل هناك وجه سلبي لهذه الاستعمال، ذلك أن الفلاح الذي كان يشغل المحرك المشتغل بالغاز أو الوقود لساعتين مثلا، اقتصادا للمصاريف، أصبح يشغله لساعات طويلة، لأن الطاقة الشمسية لن تكلفه الكثير، وبالتالي استنزاف الفرشة المائية، ولهذا لا بد أن تكون جميع التدابير مواكَبة بالتوعية والتحسيس.

يعاني المغرب من إجهاد مائي غير مسبوق؛ ما هي الحلول الممكنة في حال استمر الجفاف؟

هناك حلول استباقية وآنية يجري العمل على تنفيذها، مثل تحويل الماء بين الأحواض عبر “الطرق السيارة للماء”، وهناك مشاريع إنشاء مصافي تحلية مياه البحر، رغم أنها مكلفة جدا وملوثة للبيئة، إضافة إلى الحد من استنزاف المياه الجوفية.

السؤال الجوهري الذي يجب طرحه وتقديم إجابة واضحة عنه هو: مَن له الحق في استعمال الرصيد المتوفر من الماء؟ أي أنه لا بد من تحديد المجالات ذات الأولوية لاستعمال هذه المادة الحيوية.

هناك من يقول إن تقييد استعمال الماء في المجال الفلاحي سيؤثر على الأمن الغذائي؛ لكن الواقع يقول إن جزءا كبيرا من هذه المنتجات الفلاحية يتم تصديره، في حين أن جزءا كبيرا من المنتجات الفلاحية الموجهة للاستهلاك الداخلي هي بالأساس زراعات بورية، لا سيما الحبوب.

هناك أيضا مسألة مهمة هي أن عددا من المناطق يعاني سكانها من أزمة عطش تزداد حدة في فصل الصيف. إذن، لا بد من تقديم جواب حاسم بشأن المجال الذي يجب أن تعطى له الأولوية في استعمال الماء، حتى يتسنى توزيع الرصيد المائي المتوفر بشكل يراعي الأولويات.

وأعتقد أن أولى الأولويات هي ضمان توفير الماء للاستعمال البشري، باعتباره عاملا ضامنا للسلم الاجتماعي خاصة في المدن الكبرى، ولأن الأمن المائي ضروري للاستقرار الاقتصادي أيضا ويدخل في الاعتبارات الأساسية للمستثمرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى