“اللبُؤات”.. فخرُ المَملكة المغربية
لا ثقة في البدايات، غالبا ما تكون خادعة، وإلا ما كان للمغرب أن يتأهل وتغادر ألمانيا غير مأسوف عليها، قبل أن تترك وراءها خيوط المؤامرة ورائحة الغدر والخيانة. الانتصار في محطة عالمية، مثل التي نعيش أحداثها هذا الصيف في أستراليا ونيوزيلاندا 2023، أنسى المغاربة كثيرا من الأشياء: غلاء الكراء في شواطئ الشمال، غلاء أثمنة الخضر والفواكه في الأسواق كما أشياء أخرى. تعودنا أن نسمع في المغرب “أول مرة في التاريخ…”، حدث ذلك مع الركيك والركراكي وآخرين، مثلما تعوّدنا أن نسمع “صنع في المغرب”، وبذلك تصحّ مقولة “مغربُ اليوم، ليس هو مغربُ الأمس”، لا مستحيل فيه بعد اليوم، لو توفرت النية الصادقة، وإلا ما كان لمنتخب المغرب المُرتّب 72 عالميا أن يمر إلى دور الـ 16 في أول مشاركة له في كأس العالم، وتغادر ألمانيا الثانية عالميا.
أحيانا، يبدو لي بأن الشمس تشرق من المغرب، وليس من المشرق كما درسنا في الجغرافيا. هشام الركيك فعلها في كرة الصالات، تبعه وليد الركراكي في كرة القدم بـ”مونديال” قطر، وآخرون في قطاعات رياضية مختلفة. لا أنكر أنني كنت أمنّي النفس كباقي المغاربة وأكتفي بمشاركة مشرفة، ولم أكن أنتظر تحقيق المستحيل من “اللبؤات”، كأن يتجاوزن دور المجموعات في نسخة أستراليا ونيوزيلاندا 2023، بالنظر إلى قلة التجربة، قوة المنافسة وأشياء أخرى، وإذا به يحصل ما لم يكن في الحسبان، المغرب يمر في أول مشاركة إلى الدور الثاني، وهو ما لم يكن ينتظره أحد. كبُر الحلم بعد ذلك، وقد أصابنا من الإحباط ما أصابنا في أول هزيمة ثقيلة أمام منتخب ألمانيا للسيدات، قدرنا الموقف ثم صبرنا على ذلك، ولكن ثبت أن الهزيمة كانت محفزة، ولم تكن أبدا محبطة، وهنا يكمن سر المغرب والمغاربة وقوّتهم إناثا في “مونديال نيوزيلاندا وأستراليا” وذكورا في “مونديال قطر 2022”.
الحلم يبدأ عادة بفرح أو رؤية، كما قد يبدأ بهزيمة أو يأس وإحباط، كما حصل في البداية مع الماكينة الألمانية، عشنا فيها لحظات عصيبة، سيظل التاريخ محتفظا بها. كادت الدموع في بعض اللحظات أن تنفلت من عقالها، وتفضح ذكورتنا. لحظات تاريخية بالقوة والفعل، تلك التي عشناها، ولا يمكن أن تمر دون أن ندوّنها بماء من ذهب.
تعود أول مشاركة مغربية في كأس العالم إلى 1970 بالمكسيك، حصد خلالها المغرب هزيمتين وتعادلا، كانت واحدة من هذه الهزائم، لغرابة الصُّدف، أمام “الماكينة الألمانية” بهدفين مقابل هدف واحد. اليوم، التاريخ يعيد نفسه بشكل مختلف مع أول مشاركة نسوية مغربية في كأس العالم 2023 بخسارة ثقيلة أمام “الماكينة الألمانية” ذاتها. هزيمة أربكت حسابات الأكثر تفاؤلا بالذهاب بعيدا في هذه الدورة. ربما كان هنا للعامل النفسي، من دون شك، دور حاسم في النتيجة لعدة اعتبارات: دهشة المشاركة الأولى في كأس العالم، قلة التجربة، قوة المنتخب الألماني، وقد كان المرشح الأول على الورق للفوز بهذه الدورة… إلخ.
بعد الخسارة، بدأنا نقرأ ونسمع ونشاهد تنمرا واستهزاء من لاعبات المنتخب المغربي في وسائط التواصل الاجتماعي بشكل مبالغ فيه، وصلت إلى السخرية الجارحة: “مطبخُكن…!!”. وبدأت مقارنة غير عادلة بين القوة الجسمانية والتقنية للاعبات المنتخبين، ذهب البعض إلى أننا لعبنا أمام منتخب ألماني ذكوري وليس نسائي، بالنظر للبنية الجسمانية القوية للاعبات الألمانيات. انقسم المجتمع المغربي لأول مرة بين مدافع عن حظوظ بلاده في القدرة على تحقيق تأهل تاريخي في كأس العالم للسيدات 2023، واكتفى آخرون بأن انتصارا واحدا كاف في أول مشاركة رمزية، مهما كانت النتيجة في النهاية.
في المقابلة الثانية صححت “اللبؤات” مسارهن بعد الانتصار الأول، انتصار سيقلب الموازين ويبدل نفسية المنهزمات، ويمنحهن ثقة وشحنة إيجابية أكبر، جعل المغاربة في كل أرجاء العالم، وليس في داخل المغرب فحسب، يصطفون صوتا واحدا وراء نساء المملكة و”لبؤاتها”. ومع ذلك، بقي تأهل المنتخب المغربي إلى دور الـ 16 رهينا بعدد الأهداف، وإما بتعادل ألمانيا أو انهزامها أمام كوريا الجنوبية، رغم انتصارنا على كولومبيا. وفي الأخير سيصبح الحلم حقيقة ويقينا، وقد آمنت “اللبؤات” الجميلات مع مدربهن بيدرو بكامل حظوظهن، وتفوقت عزيمتهن على كولومبيا المنتصرة على الألمانيات اللواتي غادرن “المونديال النسائي” وهن صاغرات، وتصبح “لبؤات الأطلس”، ونساء المملكة المغربية الجميلات، حديث القنوات العالمية من أقصى الشرق إلى أقصي الغرب، وترفرف الراية المغربية في شوارع كبريات المدن العالمية.
وعلى خطى “الأسود” في قطر، تتجاوز “سيدات الأطلس” و”لبؤاته” دور المجموعات بتغلبهن على إناث كوريا الجنوبية وكولومبيا على التوالي، ويحققن المرور إلى دور 16 لمواجهة أخرى لا تقل سخونة وحدة وشراسة، مواجهة ستكون بطعم مختلف، وحسابات لا تقل تعقيدا. سيجدن أمامهن منتخب فرنسا التي هاجمت غطاء رأس لاعبة المنتخب المغربي بن زينة، واعتبرته صحافتها “عار” على الكرة العالمية (كذا)، وصرح أحد الصحافيين، دون حياء وبكل قذارة ووساخة، في إحدى القنوات الإعلامية الفرنسية وبوجه مكشوف، عكس ما رأته “الفيفا”، أن رؤية اللاعبة المحجّبة فوق الملعب لا تعطي “صورة جيّدة” عن المغرب، وطالب الحكومة المغربية بتفسيرات في الموضوع.
في الأخير لا بد من الإشادة بما حققته “اللبؤات” المغربيات، هن جميلات المملكة المغربية بزئيرهن في الملعب وبأناقة لعبهن، وهن ظاهرة نسخة كأس العالم للسيدات في أستراليا ونيوزيلاندا 2023. دموع فرحكن كانت غالية أيتها الجميلات، شرفتن نساء المغرب والعرب والعالم الإسلامي، إنما تنتظركن منازلة “دجاجات فرنسا”، وعلينا ردّ دين “ديكتها”، هي التي أقصت “أسود الأطلس” في نصف نهاية “مونديال” قطر، نريد أن نرد دينا قديما، وفي الوقت نفسه لا نريد أن تستمر عقدة فرنسا مع المغرب كرويا على الأقل. أخيرا، لا عزاء للشامتين والحاقدين والكارهين والمشككين، سواء كانوا من بني جلدتنا أو من غيرنا وجيراننا، ألف شكر للأم المغربية والأب المغربي الذين/ اللواتي أنجبوكم. ألف مبروك لنا ولكن يا “لبؤات، و”اللي جا، بعد الآن، فضل من الله”. ما دون ذلك، حققتن إنجازا تاريخيا رائعا، وهذا هو الأهم، و”ديمَا مَغريب…”.