“السيدة ليلى” .. نصف قرن من “الحب المتبادل” مع المستمعين عبر أمواج الأثير
رمز من رموز الإذاعة المغربية، ومرشدة اجتماعية بارزة عبر الأثير في مغرب ما بعد الاستقلال؛ هذه “السيدة ليلى” كما عرفها المستمعون، أو مليكة الملياني التي رحلت عن دنيا الناس في سنتها 84.
“أيقونة الإذاعة المغربية” رأت النور بمدينة مكناس، حيث ووريت الثرى، بعدما درست في كتاب قرآني بالعاصمة الإسماعيلية، فسلكِه الابتدائي، لتلتحق بمدارس محمد الخامس بالرباط، العاصمة التي ستخلّد اسمها في تاريخ الإعلام المغربي.
ووفق مؤرخ أَعلام الإذاعة والتلفزيون المغربيّين محمد الغيداني فإن المشرفة على برامج عديدة اهتمت بالأسرة والمرأة، “كسبت من خلالها ثقة المرأة المغربية”، دخلت عالم الإذاعة في سنتها العشرين، بعدما لمحت إعلانا بـ”جريدة العَلَم” يبحث عن أصوات ترافق التجربة.
وبدأت الحكاية: نصف قرن قضته “السيدة ليلى” مع ميكروفون الإذاعة، كانت فيه صوتا مألوفا في بيوت المغاربة، يناقش صعوبات النساء اليومية، والمشاكل العائلية، ويحسس بمتطلبات تماسك مؤسسة الأسرة وسبل صيانتها، ويرافق مستمعيها في كيفية تخطي كربات الحياة.
50 سنة من “حب متبادل مع الناس”، وفق الفقيدة التي قالت إنها أحبت الناس من وراء الميكرفون، وأحبوها من صوت الأثير.
هذا الحب الذي طبع حياتها المهنية كان مصدره حياتها الشخصية: حب زوجها الراحل الذي عرفته بلازمة دعمها؛ “لا مانع”، وهو “حب متبادل وثقة في مهنتها” جعلها تربط نجاحها في حياتها به، لمساندتها رغم غياباتها المتكررة داخل البلد وخارجه، والتزامات البث المباشر التي غادرت من أجلها منزلها في الصباح الباكر.
وتذكرت المذيعة الراحلة تشجيع أبيها لها للدراسة، وانتقاله معها إلى الرباط لإتمامها، في غياب التعليم الثانوي بمسقط رأسها، قبل الاستقلال؛ كما استعادت بدايات اتّقاد وعيها الوطني، ومشاركتها في مظاهرة مطالبة بعودة الملك محمد الخامس، ثم مع طلبة وأساتذة في خطّ رسالة إلى المقيم العام الفرنسي لعودة السلطان من منفاه، سلَّمَتْهَا لهُ بنفسها، ما أثار انتباه الصحافة الفرنسية.
السيدة ليلى وهي شابة يافعة قبل ولوج الإذاعة اعتقلت بسبب تصوير وطنيين مغاربة في المستشفى، بعد تظاهرة ضد الاستعمار، وهي صور كانت مما دافع عن الأطروحة المغربية أمام المنتظم الدولي ضد الاحتلال الأجنبي، فاعتقلت بسبب ممارسة “السياسة” ضد المستعمر، وحوكمت، وصدر في حقها حكم بالنفي، قبل أن تصير مدرّسة بفاس بعد عودة الملك محمد الخامس من منفاه، وتلج عقب ذلك عالم الإعلام من أوسع أبوابه آنذاك: الإذاعة التي تدخل كل يوم بيوت المغاربة.
وبوعي وطني بالمرحلة الانتقالية التي يعرفها المغاربة من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة الاستقلال، وتحديات الأسرة المغربية، والنساء بمختلف فئاتهن داخل المغرب، فتحت السيدة ليلى عبر برامجها “نافذة كل صباح لسماع النصائح، ترافق المرأة التي كانت متشوقة للإنصات”، دون إقصاء المرأة غير المتعلمة، التي خاطبتها، وهمومها، ما خلق قربا جعل الراحلة تقول إنها “لا تتذكر أن اتصلت بامرأة يوما للمشاركة واعتذرت”، فالكل كان يرغب أن يكون جزءا من هذا المشروع المجتمعي وأن يلِجَه صوته.
وبعد مسار مديد قبل الاستقلال، وبعده، في الأثير، وبعد التقاعد منه، حمِدت “السيدة ليلى” مدَّ عُمرها؛ حتى رأت صحافيات مغربيات يقدمن خدمات جليلة للإعلام، داخل البلاد وخارجها، ويخضن غمار ما شاك من القضايا خدمة للمجتمع.