جهود “الخزانة السينمائية” تتواصل بترميم مجموعة من الأفلام المغربية الرائدة
عملٌ من أجل ترميم الذاكرة السينمائية بالبلاد، تضمنَ عناوينَه تقرير للمركز السينمائي المغربي، الذي سجل ترميم أعمال مخرجين من قبيل محمد عصفور والعربي بنشقرون ولطيف لحلو، تعود إلى زمن الخمسينيات والستينيات، وصولا إلى أفلام في الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية الثالثة لمخرجين من قبيل محمد عبد الرحمان التازي وفريدة بليزيد وعبد القادر لقطع وفريدة بورقية.
وتشرف على هذا العمل “الخزانة السينمائية المغربية”، التي أنيط بها “دور حفظ ونشر التراث السينمائي الوطني والعالمي”، عن طريق ترميم ورقمنة “الأفلام المغربية التي تعد جزءا من الذاكرة السينمائية للبلاد”، مع اختيار أعمال للعرض وتنظيم محاضرات ومعارض.
محمد باكريم، ناقد سينمائي، قال إن رقمنة الأفلام “مشروع قديم، يعود إلى بداية الألفية، مع قدوم نور الدين الصايل، ونجاح رقمنة مختبر المركز السينمائي المغربي، وتحقيقه طفرة تقنية، فطُرح نقاش حفظ الذاكرة السينمائية المغربية، خاصة وهناكَ طلبٌ كبير على أفلام تنتمي إلى تاريخ السينما المغربية، رغم حداثتها”.
وأضاف باكريم في تصريح لهسبريس: “المركز السينمائي سنة 2008، بمناسبة إحياء ذكرى فيلم محمد عصفور “الابن العاق”، قام بمبادرة مهمة جدا، هي ترويج 5 أفلام تنتمي إلى كلاسيكيات السينما المغربية؛ منها “وشمة”، و”الشركي” و”شمس الربيع”. وطُرِح بحدة نقاش حفظ الذاكرة السينمائية، ودور “الخزانة السينمائية المغربية”؛ لكن لظروف إدارية وقانونية تأخر الأمر، رغم أنها المؤسسة المؤهلة لحفظ الذاكرة السينمائية المغربية”.
وزاد: “بعد ذلك جرت محاولة مع مختبر إيطالي، لرقمنة جميع الأفلام المغربية؛ لكن المشروع تعثر. والآن، دخلنا في مرحلة حسم مشروع حفظ الذاكرة؛ فالرقمنة يمكن أن تضع رهن إشارة الباحثين والمهتمين مجموعة من الأفلام المغربية على قلتها، فلا تتجاوز 500 فيلم، مقارنة برصيد ثلاثة آلاف فيلم طويل للسينما المصرية”.
وأكّد الناقد أن الرقمنة “لا تلغي دور الخزانة السينمائية والقاعات السينمائية في حفظ هذه الذاكرة، فلا يكفي وضع الأفلام في الأرشيف والرفوف والأقراص الصلبة؛ بل ينبغي أن تعرض، وهذا هو الدور الجوهري للخزانة السينمائية، حفظ الذاكرة وعرضها”.
وسجل المصرح أن الرقمنة تشكل “فرصة بالنسبة لبعض الأندية السينمائية الموجودة في مناطق بعيدة ليس بها قاعات سينمائية، فهذا الجهد يسهل ولوج الأجيال الجديدة إلى تاريخ السينما المغربية، لأنه مع الأسف توجد ظاهرة في عدد من الأوساط التي تعتبر أن السينما المغربية بدأت مع الأفلام الكوميدية المنتشرة اليوم، بينما يعود فضل إخراج السينما اليوم إلى من أنتجوها قبل عقود في الستينيات والسبعينيات في ظروف صعبة”.
كما أكد باكريم أن الرقمنة ينبغي أن يرافقها “عمل كبير جدا لخلق فضاءات لعرض هذه الأفلام في شروط السينما، لا بتحويل مراكز ثقافية إلى مراكز عرض للأفلام، فهذا حل ترقيعي، والحل الجوهري هو سن سياسة عمومية لرد الاعتبار إلى القاعة السينمائية” مشددا على أن “النجاح الذي تعرفه أفلام تعرض هذا الصيف يدل على أن هناك جمهورا متعطشا للعودة إلى قاعات السينما، إذا توفرت له ظروف فيلم جيد وقاعة جيدة”.
من جهته، قال إدريس القري، باحث في الجماليات البصرية، إن “إعادة الترميم ورقمنة الأفلام الفضية تضمن حياتها لقرن إضافي، ومشاهدتها بجودة بصرية وصوتية”، ثم استدرك موضحا في تصريحه لهسبريس أن “الرقمنة أشكال وأنواع، ومنها المتقن الذي يحتاج خبراء كبارا ومعامل من الأشهر في العالم وإمكانيات أكبر، أو عقلية ابتكارية وقدرة على البحث عن التمويل، وهذه مسؤولية بالدرجة الأولى للخزانة السينمائية المغربية، التي أبانت إدارتها على كفاءة وإصرار لتحقيق مهمة غير سهلة على الإطلاق”.
لكن، هذا لا ينبغي أن يُنسي “سؤال ما بعد الرقمنة؛ فالاكتفاء بوضع الأفلام في الرفوف يعني أننا لم نُجْر شيئا”.
واسترسل شارحا: “الرقمنة تروم صيانة الذاكرة السينمائية، ضمن صيانة الذاكرة الثقافية والأنثروبولوجية بصفة عامة، وصيانة الذاكرة نفسها لن يكون له معنى وفعالية ومردودية على مستوى التحديث وتقدم البلاد والتوعية أكثَر وصناعة مجتمع الاتصال والحداثة، وصناعة دولة القانون والحريات والفكر والثقافة والقوة الاقتصادية، إلا إذا خرجت هذه المنتوجات للمجتمع، والعرض، والإمتاع، والتواصل الجماهيري”.
وبما أن رواج الأفلام المؤسسة للذاكرة السينمائية المغربية “يساهم في الدبلوماسية الموازية، وصيانة ذاكرتنا، وصناعة أجيال أكثر وعيا بأهمية المنتوج الثقافي بصفة عامة”، فإن القري يؤكد على ضرورة فتح “الخزانة السينمائية المغربية” أبوابها “للناس، للشباب والطلبة والباحثين، وبرمجة نقاشات وورشات، وعروض سينمائية باستمرار، وتقوية مكتبتها باقتناء كتب محلية وغير محلية، مع مراعاة جانب اللغتين العربية والأمازيغية”.