كيف يمكن تفادي أزمة انقطاع التيار الكهربائي في مصر؟
ومع ارتفاع الاستهلاك إلى مستويات قياسية، لجأت الحكومة المصرية إلى “تخفيف الأحمال الكهربائية” لا سيما في ظل نقص كميات الغاز الطبيعي والمواد البترولية اللازمة لتشغيل بعض الوحدات، طبقاً لما أكده وزير الكهرباء المصري، محمد شاكر، والذي شدد في وقت سابق على أن الشبكة القومية للكهرباء لا تواجه أية مشكلات، بينما الأزمة الحالية تكمن في نقص كميات الوقود اللازمة للتشغيل.
وتخطت درجات الحرارة 40 درجة مئوية في عموم مصر، وفي الجنوب اقتربت من 50 درجة، وهو ما دفع إلى زيادة الطلب على الكهرباء ووصوله إلى مستويات مرتفعة.
ووفقاً لرئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، فإن مصر تستهلك يومياً 129 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي والمازوت معاً، وأن محطات الكهرباء تعمل وفقاً لمنظومتين، الأولى تعتمد على الوقود الأحفوري، وهو مزيج بين الغاز الطبيعي والمازوت لتشغيل الجزء الأكبر، ونحتاج في وقت الذروة إلى ما يقرب من 34 ألف ميغاواط.
لفت مدبولي إلى أن شركات وزارة الكهرباء تنفذ خطة لتخفيف الأحمال على مدار اليوم بكل محافظة، تتضمن فصل التيار الكهربائي لمدة تتراوح بين ساعة حتى ساعتين، على أن يجري التكرار مرة أخرى إذا دعت الحاجة إلى تخفيف الأحمال، باستثناء المناطق الاستراتيجية كالمستشفيات وأقسام الشرطة والفنادق والمؤسسات الحيوية مثل محطات مياه الشرب والصرف الصحي وغيرها.
تخفيف الأحمال
وتخفيف الأحمال هو إجراء يتم اتخاذه في شبكات الكهرباء للتحكم في الاستهلاك الزائد للطاقة والحفاظ على استقرار الشبكة الكهربائية، فعندما يكون الاستهلاك الكهربائي أعلى من القدرة الإنتاجية للمنظومة الكهربائية، يتعين على مشغلي الشبكة اتخاذ إجراءات للتحكم في هذه الأحمال لتجنب حدوث انهيار في التيار الكهربائي، وهو ما يُعرف بالأحمال الزائدة.
عند تخفيف الأحمال، يتم قطع التيار الكهربائي عن بعض المناطق أو المستهلكين لفترات زمنية محددة، ويتم ذلك بشكل مؤقت ومتناوب بحيث يتأثر مختلف المناطق والمستخدمين على التوالي، ويعود التيار للمناطق المتأثرة بعد فترة من التخفيف.
وفي إطار ما سبق، يوضح مستشار المركز العربي للدراسات، الباحث في الاقتصاد السياسي أبو بكر الديب، أن “الشبكة الكهربائية لها طاقة للتحمل، وفي ظل تعرض الدولة المصرية إلى موجة قوية من الطقس الحار، نتج عن ذلك استهلاك زائد للكهرباء بسبب تشغيل الأجهزة الكهربائية على رأسها مكيفات الهواء والمبردات، ما أدى إلى حدوث ضغط على الشبكة وهو ما يستلزم كميات كبيرة من الوقود سواء كانت فيما يخص المحطات التي تعمل بالغاز أو المازوت”.
ويضيف لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن مصر تنتج كميات كبيرة من الغاز تكفي احتياج محطات توليد الطاقة، لكن هذا الاكتفاء يكون فقط لأوقات غير الذروة التي تشهد حالة من الضغط على استهلاك الغاز والمازوت، لافتاً إلى أن الحكومة المصرية أمامها حل من اثنين، هما:
- استيراد كميات أكبر من المازوت، وذلك يكلف الدولة فاتورة أكبر من العملة الصعبة، في ظل معاناة مصر من شح العملة الأجنبية، بعد جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، فضلاً عن ارتفاع الفائدة الأميركية وهروب العملات الصعبة من مصر.
- تخفيف الأحمال، وهو ما يعني قطع الكهرباء عن الشبكة العامة بشكل يوفر من الطاقة، وبالتالي الغاز المستهلك.
وكانت الحكومة المصرية، قد أوقفت تصدير الغاز خلال شهور الصيف، لتوفيره للاستهلاك المحلي، كما أوقفت استيراد شحنات المازوت والاكتفاء بما يتم إنتاجه محلياً.
ومع تفاقم أزمة الكهرباء، قررت الحكومة استيراد كميات من المازوت بنحو 250: 300 مليون دولار، وقد وصلت بعض الشحنات بالفعل، طبقاً لما أعلنه المتحدث باسم مجلس الوزراء، السفير نادر سعد.
إنهاء الأزمة
ويشير الديب إلى أن الحكومة المصرية كانت قد وعدت بإنهاء تلك الأزمة خلال مدة بسيطة، وأنها ستكون عادلة في عملية قطع الكهرباء والتي لا تزيد مدتها عن ساعة واحدة، كما وعدت بعدم تطبيق تخفيف الأحمال على المناطق الصناعية.
وينوه الباحث في الاقتصاد السياسي بأن انقطاع الكهرباء في المناطق الصناعية، من شأنه التأثير على صورة مصر في مرحلة تسعى فيها إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، من خلال إجراءات تعديل قانون الاستثمار والتخارج الحكومي من القطاعات الحكومية لصالح زيادة مشاركة القطاع الخاص وهو ما يعرف بـ”وثيقة ملكية الدولة” ومنح امتيازات للمستثمرين في الإقامة والرخصة الذهبية والشباك الواحد، إضافة لبيع أصول بعض الشركات للمستثمرين.
ويرى أنه حال مس الانقطاع الكهربائي مناطق الصناعة سيتأثر الإنتاج وهو ما يؤدي لتراجع الصادرات مع ضعف الإنتاج، فضلاً عن عدم كفاية المنتجات بالسوق المحلية وحدوث أزمات بالسلع، كما يؤثر أيضاً على صورة مصر الاستثمارية الجديدة في ظل احتياجها لاستقدام استثمارات أجنبية ومعاناتها من شح العملة الصعبة واحتياجها لاستقرار الجنيه أمام الدولار.
أزمة الدولار
من جانبه، يلفت مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، مصطفى أبو زيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن ارتفاع درجات حرارة الجو أدى لاستخدام الكهرباء أكثر من أي وقت، وزيادة معدلات حرق الغاز والمازوت، ذلك لاستيعاب الكميات المستهلكة من الكهرباء، وبالتالي حدثت فجوة بالأرصدة الموجودة والتي كانت مُقدرة وفقاً لخطة سابقة، ومن ثم فإنه بعد انتهاء الموجة الحارة ودخول فصل الخريف يعود استهلاك الكهرباء لمعدلاته الطبيعية، كما تعود المحطات لكفاءتها.
ويشير إلى أن توفير كميات جديدة وإضافية من الغاز والمازوت خلال وقت سريع لحل أزمة تخفيف الأحمال، هو حل يحتاج إلى وقت كبير، خاصة أن الدولة المصرية تمر بأزمة في توفير العملة الدولارية، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء كان قد أشار إلى احتياج مصر ما بين 200 إلى 300 مليون دولار لاستيراد كميات إضافية جديدة لتشغيل الشبكة القومية بكفاءة دون تخفيف أحمال.
كما يلفت أبوزيد إلى عوامل مختلفة تؤكد أن الأزمة ليست مقتصرة على القاهرة، أهمها “تغير المناخ” على المستوى العالمي، وبما يؤدي للاستهلاك المتزايد للغاز مع ارتفاع درجات حرارة الأرض.
ويشير في الوقت نفسه إلى أثر الحرب في أوكرانيا كذلك، قائلاً: “على سبيل المثال في دول عربية والدول الأوروبية هناك مشكلة أساسية في توريدات وإمدادات الغاز على خلفية الحرب.. كلها أمور مترابطة ومتشابكة وتداعيات كبيرة يشهدها العالم كله”.
وتجنباً لتكرار أزمة الضغط على أحمال الكهرباء في ظل الظاهرة الحرارية خلال السنوات المقبلة، ينصح مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، بوضع ذلك في الحسبان خلال برنامج التنبؤ لأي سيناريوهات من الممكن أن تحدث خلال العام المقبل في نفس التوقيت، وأن تزيد الحكومة من الأرصدة المتاحة لديها بحيث يتوفر احتياطي يواجه أية ظاهرة متطرفة لدرجات الحرارة يمكنها من تشغيل الشبكة القومية بدون تخفيف أحمال.
إجراءات أساسية
وإلى ذلك، يوضح مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، الدكتور بلال شعيب، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الحكومة المصرية اتخذت مجموعة من الإجراءات تتلخص فيما يلي:
- الترشيد: وهو مطلب عام طوال الوقت؛ فالاقتصاد قائم على الترشيد لاستخدام المواد، والدولة اتخذت في إطار ذلك إجراءات لترشيد استخدام الطاقة من ضمنها إقامة المباريات الرياضية في الفترة الصباحية، وتوفير المصالح الحكومية فاتورة الكهرباء من خلال العمل “أونلاين” يوم في الأسبوعي، وهو ما يتواكب مع التحول الرقمي للدولة المصرية التي تسعى لتقليص الاعتمادات الورقية.
- إجراءات دعم الطاقة الكهربائية: من خلال شحنات إضافية من المازوت لتشغيل المحطات لتوليد الكهرباء، وتوفير الغاز الطبيعي في فترات الصيف لتوفير المواد المطلوبة لدعم الطاقة الكهربائية.
- الشفافية: الدولة تُطمئن الرأي العام من خلال الإعلان عن جدول زمني لتخفيف الأحمال على مستوى الجمهورية (..) لا سيما وأن التغيرات المناخية باتت واقعاً نعيشه جميعاً وتتعامل الدولة بشفافية أمام الرأي العام الدولي والمحلي في شرح الوضع الحقيقي والإجراءات التي تتخذها من أجل تخفيف وطأة الآثار الخاصة بالتغيرات المناخية.
- دعم الاستثمار: الدولة المصرية أعلنت أن الصناعة والسياحة والجهات الخدمية الاستراتيجية مثل المستشفيات خط أحمر ولن يطبق عليهم تخفيف الأحمال (..).
فيما يُجرى التنسيق بين وزارتي الكهرباء والبترول من أجل توفير الإمدادات اللازمة من الغاز لانتظام التيار الكهربائي وانتهاء تخفيف الأحمال، وهي الخطوة “الضرورية والمؤقتة” التي تم اللجوء إليها، بحسب وزير الكهرباء. وفي تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية، أوضح الوزير المصري أن:
- وزارة الكهرباء تعمل بكل جدية على إدارة هذا الوضع المؤقت بشكل فعال.
- رغم تخفيف الأحمال مؤقتاً في بعض المناطق، فإن هذه الإجراءات يتم اتخاذها في أضيق الحدود لتجنب أي زيادة في الأحمال الكهربية، نتيجة للموجة الحارة الشديدة التي تشهدها البلاد .
- بتحقيق التوازن بين الإنتاج واستهلاك الكهرباء، فإننا نعزز استقرار الأحمال وضمان تلبية الاحتياجات المتزايدة من الاستهلاك.