ما هي مصادر توليد الكهرباء في مصر، وما أسباب الأزمة الحالية؟
- أميمة الشاذلي
- بي بي سي – القاهرة
تشير البيانات المتاحة عبر الموقع الرسمي لوزارة الكهرباء والطاقة في مصر إلى أن البلاد لديها ما يزيد عن احتياجاتها من الطاقة المولدة، مهما زادت الحمولة.
وتكشف البيانات أن أقصى حمل متوقع هذا الأسبوع يبلغ 35 ألف ميغا واط، في حين بلغ مقدار الطاقة التي يمكن توليدها (الطاقة الاسمية) في العام الماضي وفق آخر تقرير سنوي، 59,866 ميغا واط.
فما الذي يجعل البلاد تعاني من الانقطاع المتكرر للكهرباء إذا؟
يقول الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي والرئيس السابق للشركة القابضة للصناعات المعدنية، إنه توقع حدوث أزمة في الكهرباء في مصر منذ 11 شهرا، مشيرا إلى أنه حذر العام الماضي من أزمة في الغاز تلوح في الأفق، لكن يبدو أن تحذيراته لم تلق صدى لدى المسؤولين.
جاء ذلك خلال عمله على استراتيجية للطاقة، جاء في ملخصها أن هناك احتياجا لتوفير احتياطات جديدة، نتيجة ندرة متوقعة في إنتاج الغاز في العام التالي وفق المخطط.
ويوضح مدحت أن محطات الكهرباء تستهلك من 70 إلى 75 في المئة من إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى تأثير مباشر على شبكة الكهرباء.
مصادر الطاقة في مصر
هناك أكثر من مصدر لتوليد الكهرباء في مصر، منها محطات تعمل بضغط البخار ومحطات أخرى غازية، ويعتمد كلاهما على الوقود الأحفوري. وهناك المحطات المائية، كالتي تعتمد على السد العالي جنوبي مصر، إلى جانب محطات الطاقة المتجددة التي تعتمد على الرياح والشمس كمحطتي الزعفرانة وأسوان.
ويشرح مهندس يعمل بإحدى محطات الكهرباء في مصر، فضل عدم الكشف عن اسمه، كيفية توليد الكهرباء، قائلا: “هناك توربينات يدخل عليها وسيط لتشغيلها، فتتحول إلى توربينات بخارية أو غازية أو مائية أو شمسية وهكذا”.
ويضيف: “التوربينات الشمسية تعمل بالنهار فقط، وتوربينات الرياح تتوقف مع توقف حركة الهواء، أما التوربينات الغازية فلها حد أقصى للتوربين الواحد لا يزيد عن 400 ميغاواط، فيما قد يصل الحد الأقصى للتوربين البخاري إلى 700 ميغاواط”.
وتعتمد الحصة الأكبر من مقدار الطاقة الممكن توليدها على محطات الدورة المركبة التي يتشارك فيها العمل بين البخار والغاز والتي تزيد نسبتها عن 52 في المئة من محطات الكهرباء في مصر، في حين تأتي المحطات البخارية في المرتبة الثانية بنسبة تقترب من 31 في المئة.
أما التوليد المائي فيبلغ 4.7 في المئة، وهي نسبة أقل من نسبة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة الشمسية والهوائية والتي تبلغ 5.5 في المئة.
الفرق بين المازوت والغاز الطبيعي
أكد مهندس الكهرباء الذي تحدثت إليه، عدم وجود فارق بين الغاز الطبيعي والمازوت فيما يتعلق بكمية الطاقة المولدة أو سرعة توليدها، فـ”الأمر يعتمد على الوقود المتوفر”.
ومع ذلك، يتميز الغاز الطبيعي بكونه أفضل بيئيا في الاستهلاك فهو “لا يصدر عوادم ولا توجد به نسبة شوائب مرتفعة ويحافظ على العمر الافتراضي للمعدات”.
وعلى العكس، يعد المازوت ملوثا للبيئة بعوادمه، كما أنه يؤثر على العمر الافتراضي للمعدات على المدى الطويل حيث “يؤدي إلى تراكمات في معدات تسخينه خلال مراحل توليد الكهرباء، وهو أمر يتطلب صيانة دورية بسبب الشوائب والعوادم الصلبة”.
استيراد المازوت “قرار سياسي”
من المثير للانتباه أن وزير البترول المصري طارق الملا، قال في حوار مع قناة سي إن إن الاقتصادية، إن استهلاك محطات الكهرباء المصرية من الغاز زاد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى رغبة الحكومة المصرية في “تقليل الاعتماد على المازوت في توليد الطاقة الكهربائية مع ارتفاع أسعاره عالميا”.
لكن رئيس الوزراء في تصريحه الإعلامي الأخير، وبحضور وزيري الكهرباء والبترول، أعلن أن الحكومة قررت استيراد شحنات إضافية من المازوت في الأيام المقبلة وحتى نهاية شهر أغسطس/آب المقبل، بما يقدر بـ 250 لـ300 مليون دولار.
ويرى مهندس الكهرباء الذي تحدثت إليه، أن استيراد المازوت “قرار سياسي” لا علاقة له بالكفاءة التشغيلية لمحطات الكهرباء، كما أن الانتقال من التوليد بالغاز إلى المازوت أو العكس لا يحتاج إلى وقت طويل أو تكلفة إضافية.
ويبقى السؤال: لماذا تصر الحكومة المصرية على استيراد المازوت رغم ارتفاع سعره حاليا مقارنة بالغاز الطبيعي، إلى جانب أضراره البيئية وتأثيره على العمر الافتراضي لتوربينات محطات الكهرباء؟
هل توقف تصدير الغاز؟
في التاسع عشر من يوليو/تموز، صرح مسؤول بوزارة الكهرباء لم يُذكر اسمه، لصحيفة الشروق المصرية، بأن الوزارة أعدت خطة لتخفيف الأحمال، بهدف تخفيض استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة 25 في المئة، وهو ما يوفر كميات من الغاز لتصديرها وتوفير العملة الأجنبية للدولة المصرية.
وفي السابع والعشرين من يوليو/تموز، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن شهور الصيف تشهد توقف تصدير الغاز بالكامل، بسبب زيادة حجم الاستهلاك، على أن يُستأنف تصدير الفائض منه في باقي فصول السنة.
جاء ذلك بعد تصريح لوزير البترول المصري طارق الملا بداية الشهر الجاري، قال فيه إن مصر لم تصدّر أي كميات من الغاز الطبيعي المسال في يونيو/حزيران بسبب عوامل موسمية من بينها ارتفاع الاستهلاك المحلي، متوقعا استئناف التصدير خلال يوليو/تموز.
لكنه عاد وصرح مؤخرا بأن مصر تستهدف استئناف صادرات الغاز الطبيعي المسال بحلول أكتوبر/ تشرين الأول مع بداية الخريف، مؤكدا في حوار على قناة سي إن إن الاقتصادية، أن مصر عادة لا تصدر الغاز في أشهر الصيف باستثناء العام الماضي.
ومع ذلك، انتشر على مواقع التواصل منشورا لصفحة شهيرة على فيسبوك تسمى “صحيح مصر”، يقف وراءها مجموعة من الصحفيين المستقلين الذي يعملون على “تدقيق” تصريحات المسؤولين والإعلاميين.
وقالت الصفحة إن بيانات البنك المركزي تؤكد أن صادرات الغاز المسال لم تتوقف خلال أشهر الصيف منذ أن بدأت مصر في تصدير الغاز عام 2018/ 2019.
وجاء في منشور على الصفحة: “أظهرت مراجعة بيانات البنك المركزي أن مصر استمرت في تصدير الغاز طوال الأعوام المالية الماضية، خلال الربع الأول من العام المالي ما بين أشهر يوليو – أغسطس- سبتمبر، وهي أشهر ذروة ارتفاع درجات الحرارة في مصر، ولم يكن الأمر قاصرا على العام الماضي فقط كما ادعى الوزير”.
حقل ظُهر
أكد الدكتور مدحت، الخبير الاقتصادي والرئيس السابق للشركة القابضة للصناعات المعدنية، أنه منذ اكتشاف حقل ظُهر للغاز عام 2015، وتخصص مصر 40 في المئة من حصتها منه لصالح الاستهلاك المحلي.
ونفت الحكومة المصرية مؤخرا التقارير التي تفيد بحدوث مشكلة تسرب مياه في الحقل تؤثر على إنتاجه، مؤكدة أن المعدلات جيدة ووصلت إلى 2.3 مليون متر مكعب.
لكن الدكتور مدحت لفت الانتباه إلى أرقام سابقة للحكومة، أكدتها تصريحات شركة إيني الإيطالية التي تدير نحو 35 في المئة من إنتاج الغاز في مصر، أن إنتاج حقل ظهر بلغ أكثر من 2.7 مليون متر مكعب يوميا في عام 2019، “ما يمهد الطريق لزيادة معدل الإنتاج المحتمل للحقل إلى 3.2 مليار قدم مكعب في اليوم بحلول نهاية ذلك العام”.
وخلال عام 2022، بلغ إنتاج الغاز من الحقل النسبة ذاتها قبل ثلاث سنوات وهي 2.7 مليون متر مكعب يوميا، وهو رقم أكبر من الأرقام الحكومية الحديثة البالغة 2.3 مليون متر مكعب، وهو ما يؤكد تراجع إنتاج الحقل، بصرف النظر عن السبب الذي يقف وراء ذلك.
كما أفاد موقع “ميدل إيست إيكونوميك سيرفاي” المهتم بالدراسات الاقتصادية للشرق الأوسط، بأن “حقل ظُهر شهد تراجعا في إنتاجه بنسبة 11 في المئة عن العام الماضي إلى 2.45 مليون متر مكعب في اليوم، وهو ما أدى إلى انخفاض إجمالي إنتاج مصر من الغاز”.
وجاء في النشرة الموجزة على الموقع في أبريل/نيسان: “يمثل هذا انخفاضا بنسبة 23 في المئة عن القدرة الإنتاجية للحقل البالغة 3.2 مليار قدم مكعب يوميا، ما يشير إلى أن تسرب المياه ظل يمثل مشكلة في العام الماضي”.
وبمقارنة الرقم (2.45) في أبريل/نيسان، بتصريح الحكومة المصرية هذا الشهر الذي قالت فيه إن الإنتاج وصل إلى (2.3) مليون متر مكعب، فإن هذا يعني استمرار تراجع الإنتاج خلال ثلاثة أشهر فقط.
جدير بالذكر أن المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، السفير نادر سعد، قال إن انخفاض إنتاج حقل “ظُهر” أمر عادي بالنسبة للحقول مع مرور الوقت.
وأكد في حديث لإحدى القنوات المحلية، استحالة زيادة إنتاج الغاز من حقل ظهر عن الكميات المحددة يوميا، حيث إن ذلك يعني “تقليل العمر الافتراضي للحقل”.
ما الحل؟
قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن الإجراءات المتبعة لتخفيف الأحمال ستستمر حتى نهاية أغسطس/آب، بل وقد تمتد حتى منتصف سبتمبر/أيلول، وذلك بعد أن كان قد تعهد بحدوث انفراجة في الأزمة بحلول الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
وأكد مدبولي أن الحكومة اعتمدت إجراءات من بينها عمل موظفي الحكومة من المنزل يوم الأحد من كل أسبوع، بهدف ترشيد الكهرباء.
ودعا الدكتور مدحت الحكومة إلى ضرورة الانتباه إلى الاستقراءات التي تكشف التهديدات المستقبلية للطاقة، والتي تستلزم وضع خطة مسبقة لإدارة الأزمة قبل حدوثها، لتقليل الخسائر وتوفير البدائل.
وقال: “على المسؤولين الالتفات إلى نموذج التوازن العام، والذي ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار قبل إطلاق أي سياسة أو اتخاذ أي قرار”.
وأكد أنه لا بديل في الوقت الحالي عن استيراد حاجة البلاد من الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، مع تبني حلول طويلة الأجل تساهم في عدم تكرار هذه الأزمة.
فإلى جانب تكثيف عمليات التنقيب، يقترح الدكتور مدحت ضرورة زيادة حصة الطاقة المتجددة الشمسية والهوائية كمصدر مساعد في توليد الكهرباء لاسيما وقت الأزمات، مع زيادة الغاز الحيوي.
كما حث على ضرورة “توفير الدعم لزيادة استخدام الطاقة المتجددة للمزارع والمصانع، لتقليل الضغط على الشبكة ذاتها”، مؤكدا أن الألواح الشمسية باتت أقل تكلفة من الغاز .