“ترانسبارنسي المغرب” تنتظر مؤشرات حقيقية لمحاربة آفتي الفساد والرشوة
إشارتان صادرتان من القصر الملكي بتطوان، السبت، بشأن ضرورة تقوية جهود مكافحة الرشوة وربط المسؤولية بالمحاسبة من أجل إنجاح مسلسل التنمية.
الأولى صدرت خلال تقديم عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، ملخص التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية في البلد برسم سنة 2022 أمام الملك، حيث شدد على أن الرفع من نجاعة أداء الاقتصاد الوطني يتطلب اتخاذ إجراءات؛ منها محاربة الرشوة.
وقال الجواهري إن من شأن تحديث القطاع العمومي، الذي دعا إليه الملك سنة 2020، أن يمكّن من تصحيح الاختلالات البنيوية للمؤسسات العمومية. كما أن التعبئة القوية لتحفيز الاستثمار الخاص “تبعث على الأمان في زخم جديد للنمو والتشغيل”.
وأقر والي بنك المغرب بضعف النتائج المحققة على مستوى محاربة الرشوة، حيث أشار إلى أن التقدم المحرز على مستوى بعض الجوانب في مجال تحسين مناخ الأعمال “يظل ضعيفا كما هو الحال بالنسبة لمحاربة الرشوة”.
ولفت الجواهري إلى أن الوضعية الحالية “تدعو إلى إعادة النظر في المقاربات المعتمدة؛ وهو ما يتيحه اليوم استكمال الإطار المؤسساتي المخصص لهذا الغرض”.
وفي مساء اليوم ذاته، شدد الملك محمد السادس، في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش، على ضرورة تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بقوله: “إن الجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص”.
وتم التنصيص على ربط المسؤولية بالمحاسبة في الفصل الأول من دستور 2011، حيث جاء في الفقرة الثانية منه: “يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وخلال الأسابيع الأخيرة، جرى اعتقال عدد من المسؤولين السياسيين والقضائيين على خلفية ملفات فساد وتبديد للمال العام؛ فهل تعكس دعوة الملك إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة ودعوة والي بنك المغرب أمام الملك إلى تعزيز جهود مكافحة الرشوة منعطفا حاسما في مجال مكافحة الفساد في المغرب؟
ينظر الفاعلون في مجال محاربة الرشوة في المغرب بتحفظ إلى التحركات الأخيرة التي استهدفت متهمين بالفساد بداعي أنها ليست ممنهجة، ويأملون أن تكون بداية لمكافحة هذه الآفة التي تكلف المغرب، حسب تقديرات، 50 مليار درهم سنويا، لا سيما أن المغرب ما زال يتراجع في مؤشر قياس الفساد.
في هذا الإطار، قال أحمد البرنوصي، الكاتب العام لـ”ترانسبارنسي المغرب”: “منذ سنوات ونحن نسمع دعوات، عبر خطابات رسمية، إلى محاربة الفساد، سواء على لسان الملك أو رؤساء الحكومة؛ ولكن هذه الدعوات لا تلقى الاستجابة على أرض الواقع”.
وأضاف: “في عهد حكومة بنكيران، رفعت الحكومة شعار محاربة الفساد، ثم بعد ذلك طبق شعار “عفا الله عما سلف”؛ كأنّ المال العام مالُه الشخصي. والحكومة الحالية أكدت، في برنامجها، أنها ستضع محاربة الفساد في قائمة أولوياتها؛ لكن الذي نراه اليوم هو غياب أي نقاش حول هذا الموضوع، بل تم سحب مشروع القانون الجنائي الذي يجرّم الإثراء غير المشروع من البرلمان منذ عامين.. وقيل إنه سيناقش؛ لكن ذلك لم يحصل”.
وكان عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، قد صرح، في جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، الأسبوع الفارط، بأن تجريم الإثراء غير المشروع مخالف لمقتضيات الدستور، بداعي أنه يضرب مبدأ قرينة البراءة المنصوص عليها دستوريا، دون أن يوضح ما تنوي الحكومة فعله به، وهل ستتراجع عن تجريمه.
الكاتب العام لـ”ترانسبارنسي المغرب” نبه إلى أن المغرب يتراجع في مؤشر محاربة الفساد بشكل مثير للقلق، حيث تقهقر من الرتبة الـ87 سنةَ 2021 إلى الرتبة الـ94 سنة 2022؛ بينما حسّنت عشر دول إفريقية ترتيبها، وتقدمت على المغرب، مضيفا: “المواطن سيقتنع بأن هناك إرادة سياسية لمحاربة الفاسد حين يرى النتيجة على أرض الواقع”.
وبالرغم من ذلك، قال البرنوصي، تعليقا على فتح تحقيق مع عدد من المسؤولين السياسيين والقضائيين، واعتقال بعضهم: “لسنا متشائمين، ونتمنى أن تكون هذه البوادر بداية حقيقية لمحاربة الرشوة والفساد، لا سيما أن الصحافة الوطنية تثير قضايا فساد بشكل متواتر وتقارير المجلس الأعلى للحسابات ترصد مظاهر سوء تدبير المال العام؛ ولكن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد (تم إطلاقها سنة 2015) بقيت حبرا على ورق”.