الجرائم الإلكترونية: مشروع قانون يغلظ العقوبات ويثير الجدل في الأردن
- Author, لينا الشوابكة
- Role, بي بي سي نيوز -الأردن
تناقش اللجنة القانونية في مجلس الأعيان اليوم، مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023، الذي كان قد أقره مجلس النواب الأردني خلال الجلسة الاستثنائية التي عقدها يوم الخميس الماضي، وتراوحت العقوبات التي نص عليها المشروع من 300 دينار أردني (423 دولار أميركي) وبالحبس مدة لا تقل عن أسبوع، إلى 50 ألف دينار أردني (70 ألف دولار أميركي) وبالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
بعد جلسة استثنائية امتدت لست ساعات، أقر مجلس النواب الأردني مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023، الذي يعاقب كل من يقوم بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات تنطوي على أخبار كاذبة أو ذم أو قدح أو تحقير لأي شخص، أو لنقل أو الترويج للأعمال الإباحية والجنسية. كما يعاقب القانون كل من يتهم دون وجه حق أحد الأشخاص عبر منصات التواصل الاجتماعي بأفعال من شأنها “اغتيال شخصيته”، بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد عن خمسين ألف دينار أردني، إلى جانب العديد من المواد الأخرى.
عقوبات طالتها العديد من الانتقادات الرقمية والشعبية، وخرج العديد إلى الشارع لانتقادها لما وجدوا فيها من مبالغة في العقوبات المالية المفروضة، كما دشن ناشطون هاشتاج #قانون_الجرائم_الالكترونية_نعي للحريات، بينما رأى آخرون أن من يلتزم بممارسة النقد البناء الخالي من الإساءة، فلن يطوله القانون ولن يحد من حرياته.
ما هي دوافع الحكومة لتقديم التعديلات على مشروع قانون الجرائم الإلكترونية؟
تقول وزيرة الدولة للشؤون القانونية نانسي نمروقة لبي بي سي إن التطور السريع في مجال تقنية المعلومات، استوجب ضرورة تجريم بعض الأفعال التي تتم بوسائل إلكترونية ومعاقبة مرتكبيها، تحقيقاً للردع العام والخاص، بهدف توفير الحماية للحريات العامة، خاصة مع ظهور صور جديدة للجرائم الإلكترونية مثل الابتزاز والعنف.
وتضيف أن قانون الجرائم الالكترونية الحالي معمول به منذ عام 2015، لذا كان يتوجب على الحكومة أن تعيد النظر فيه، لأنه وفي وجهة نظر نمروقة، بات الفضاء الالكتروني يشهد أشكالاً جديدة من الجرائم في الآونة الأخيرة، لذا كان لا بد من إعادة ضبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لتحصين المجتمع وجميع أفراده.
ما حجم التعديلات التي أدخلها مجلس النواب على مشروع القانون؟
قال نائب رئيس مجلس النواب الأردني الدكتور أحمد الخلايلة لبي بي سي إن مجلس النواب قام بممارسة حقه الدستوري بالتعديل على مشروع القانون بصيغته التي جاءت فيها من الحكومة، وأجرى بعض التعديلات على المواد التي كان من شأنها أن تقيد عمل الصحفيين، وخفض الغرامات المفروضة بنسبة تزيد عن 75 بالمئة.
ويضيف الخلايلة أن المجلس قام بحذف المادة التي تنص على محاسبة كل من يقوم بنشر صورة أو مقطع فيديو لأي شخص دون إذنه، مؤكداً أن هذه المادة كان من شأنها أن تقيد عمل الصحفيين وجهات أخرى.
وأكد نائب رئيس مجلس النواب على أهمية حذف المجلس للمادة 15 ب التي تنص على: “تلاحق الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه المادة من قبل النيابة العامة دون الحاجة إلى تقديم شكوى أو ادعاء بالحق الشخصي إذا كانت موجهة إلى إحدى السلطات في الدولة أو الهيئات الرسمية أو الإدارات العامة”.
هل سيشكل إقرار مشروع القانون عائقاً أمام العمل الصحفي؟
أعرب العديد من الصحفيين عن تخوفهم من أن يشكل إقرار المشروع عائقاً أمام عملهم الصحفي، وحرية تعبيرهم وقدرتهم على الإدلاء برأيهم، دون الخوف من أن يكون منشورهم سبباً في تغريمهم أو سجنهم.
وفي هذا الشأن تحدثنا إلى روان الجيوسي زميلة المركز الدولي للصحفيين ومؤسسة “مدرج” لريادة الإعلام الرقمي ومديرتها التنفيذية، التي قالت إن إقرار هذا القانون يتنافى مع رؤية الإصلاح، ويقيض من الديمقراطية في بلد يسعى إلى تطبيقها ويأمل بإصلاح سياسي عادل.
وأضافت أن مؤسستها ترى أن مشروع القانون بشكله الحالي ينبئ بتأثيرات سلبية على واقع ومستقبل الإعلام الرقمي الريادي في الأردن، وأنه قد يؤدي إلى عزوف كبير عن المشاريع الريادية في الإعلام الرقمي نظرا للإفراط في العقوبات المدرجة، دون الأخذ بعين الاعتبار ما تتضمنه طبيعة العمل الصحفي والإعلامي من إمكانية الوقوع في الخطأ غير المقصود أو تباين وجهات النظر في الأسلوب والطرح.
وأكدت الجيوسي أن المشروع سيقف عائقاً في وجه حرية الصحافة والتعبير، مما يعوق قدرة وسائل الإعلام على نقل الأخبار وتقديم المعلومات بحرية.
واعتبرت الجيوسي أن مشروع القانون قد يقيد الوصول إلى المعلومات باعتبار منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية مصدراً للمعلومات، ما يؤثر بشكل كبير على الحق في المعرفة سواء بالنسبة للإعلاميين والصحفيين من جهة أو للمواطنين بشكل عام.
“لو كانت عقوبة الإعدام تردع القاتل لما سمعنا عن جرائم قتل في العالم”
يرى العديد من النشطاء الرافضين لمشروع القانون أن العقوبات المالية المفروضة التي قد تصل إلى 50 ألف دينار أردني (70000 دولار أميركي)، لا تتناسب مع الجرم المرتكب، ويصعب تطبيقها في بلد يعتبر من الدول متوسطة الدخل، ويتراوح نصيب دخل الفرد فيه من الناتج القومي الإجمالي قرابة الأربعة آلاف دولار سنوياً.
يقول المحامي المختص بالتشريعات الإعلامية خالد خليفات، إن الأردن بات بحاجة إلى تشريعات جديدة، خاصة مع ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، التي من شأنها أن تطور من شكل “الأعمال الإجرامية”، ويضيف أن الهواتف الذكية لم تكن بمتناول جميع الأيدي قبل 10 سنوات ما كان يحد من عمليات الاحتيال الإلكتروني.
ويرى خليفات أن مشروع القانون كان يجب أن يراعي التشريعات الأخرى التي تتقاطع معه مثل قانون العقوبات، المطبوعات والنشر، قانون حق الحصول على المعلومة، وقانون نقابة الصحفيين. ويضيف أنه كان من من الأجدر أن تضع الحكومة هذه القوانين على طاولة النقاش، وتخرج بقانون عصري يتناسب مع التشريعات القديمة، التي تندرج تحتها مواد مشابهة، مثل الذم والتحقير.
هل ستردع العقوبات المالية ارتكاب الجرم الإلكتروني؟
يقول خليفات: “لو كانت عقوبة الإعدام تردع القاتل عن الإقدام على فعله، لما عدنا نسمع عن جرائم قتل في العالم”. ويضيف أن العقوبات من شأنها أن تخفف الجرائم الالكترونية، لكن كان من الأجدر على الحكومة أن تلجأ إلى أساليب أخرى أكثر منطقية، مثل “الإعدام الإلكتروني”، وهو أن تمنع مرتكب الجريمة من استعمال منصات التواصل الاجتماعي.
هل سيشكل إقرار القانون ضغطاً على القضاء من ناحية زيادة عدد القضايا المنظورة لديه؟
يقول خليفات: “يلجأ العديد من المشتكين إلى إسقاط حقهم في المحكمة، نظراً لطول الفترة التي يتوجب على المشتكي أن ينتظرها مقابل عقوبة قد لا تتجاوز مئتي دينار أردني، لكن عندما تكون العقوبة التي تنتظر مرتكب الجريمة سنتين أو أكثر في السجن، قد يختار المشتكي أن ينتظر المدة المطلوبة لتحصيل حقه.
ما موقف الأحزاب من إقرار مشروع القانون؟
شهد الأردن منذ نشأة الإمارة تأسيس العديد من الأحزاب، ومرت الأحزاب في المملكة بمراحل مختلفة من حيث الدور الذي تمارسه والشروط اللازمة لترخيصها، بحيث أن تكون الأحزاب شريكة في صنع القرار الوطني، وأن تنشأ من خلال قواعد شعبية وليس من خلال أشخاص تجمعهم مصالح آنية. كما تم منعها في حقبة زمنية من تاريخ المملكة.
يقول وزير الدولة للشؤون السياسية والبرلمانية الأسبق وعضو مجلس الأعيان الدكتور خالد الكلالدة لبي بي سي، إنه يرى أن القانون لن يقف عائقاً أمام من يمارسون العمل الحزبي أو الصحافي بمسؤولية ومهنية، وإن التعديلات الموسعة تأتي من وجهة نظر المشرع لضبط السلوك العام في الفضاء الإلكتروني.
ويؤكد الكلالدة من وجهة نظره، أن المحكمة لن تحكم على الشخص إذا لم يتوفر لديه “القصد الجرمي”، ويوضح: “إذا قام أحد الأشخاص بنشر خبر على صفحته، وقام آخر بالتعليق عليه بشكل مسيء، يشترط القانون أن يتم تبليغ الشخص في المرحلة الأولى بحذف التعليق قبل أن يتم اتخاذ أي إجراء قانوني بحقه، وهو ما يمهل الشخص فرصة حذف التعليق قبل أن تطاله مساءلة قانونية”.
هل من المتوقع أن يمرر مجلس الأعيان مشروع القانون؟
يقول الدكتور خالد الكلالدة إن مجلس الأعيان يأتي ضمن سياق سياسي واجتماعي ذي مزاج يميل لفرض ضوابط صارمة على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، لما لديهم من تجارب سيئة معه، خاصة وأن شبكات التواصل باتت أرشيفاً يحتفط بجميع الأخبار التي تخص الأشخاص على مدار السنوات، حتى ولو كانت أخباراً زائفة.
لذا من غيرالمتوقع أن يحدث مجلس الأعيان خلال مناقشاته تعديلات جوهرية على القانون بمجمله أو بعض مواده التي أثارت الجدل.
وفي ردود الفعل الدولية، انتقد النائب الرئيسي للمتحدث الرسمي في وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتل مشروع القانون، قائلا: “يمكن بتعريفاته ومفاهيمه الغامضة أن يقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن”. وأضاف أنه “يقلل من الحيز المدني المتاح أمام عمل الصحافيين والمدونين وغيرهم من أفراد المجتمع المدني في الأردن”.
وبحسب الدستور، يحتاج مشروع القانون بعد أن أقرّه مجلس النواب، إلى إقراره من مجلس الأعيان، ثم المصادقة عليه من قبل الملك قبل نشره بالجريدة الرسمية.